ماراتون بين تطبيق القرار 1701 وانفجار "القنبلة الديمغرافية" في لبنان

أكد رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، الخميس 24 أكتوبر الجاري، أن الجيش اللبناني سينتشر في الجنوب ويتولى كامل المسؤولية للحفاظ على الاستقرار، تطبيقًا للقرار 1701.
وشدد في إحدى مقابلته المتلفزة، على ضرورة التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار في لبنان، مشيرًا إلى انتظاره ردًا من المبعوث الأميركي لبيروت آموس هوكستاين بشأن مساعيه مع الإسرائيليين.
وما شدّد عليه الرئيس بري، وما طالب به رئيس مجلس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، في مؤتمر باريس لدعم لبنان برعاية فرنسية، قد يكون المطلب اللبناني الرسمي لإنهاء حالة الحرب التي يعيشها البلد. ولكنه على ما يبدو لم يعد المطلب الإسرائيلي على الجبهة الشمالية، لاسيما بعدما حمل هوكستاين في آخر زيارة له إلى بيروت إضافات على هذا القرار، وكأن هناك من يقول إن الـ1701 أصبحت وراء الإسرائيلي.
لو كان التفاوض قبل أشهر من اليوم لكان الموضوع مختلفا، ولما عانى المبعوث الأميركي أيّ صعوبة في التوصل لإلى وقف لإطلاق النار. لكنّ الأمور اليوم خرجت عن السيطرة، فحتى قرار حزب الله، رغم تفويضه نبيه بري، بالحديث على لسانه، لم يعد في يده. فبعد اغتيال أغلبية قادته، ومع الزيارات الإيرانية على المستوى الرسمي إلى بيروت، والتصاريح الواضحة التي أطلقت على ألسنة أكثر من مسؤول إيراني، يتأكد أن قرار وقف الحرب بات في طهران. هذا وإن أهداف إسرائيل قبل 23 سبتمبر الماضي من بدء عملياتها العسكرية البرية على لبنان، تبدّلت بعد هذا التاريخ، وما كانت تهدف إليه لعودة الاستقرار ومستوطنيها إلى شمال فلسطين المحتلة، لم تعد اليوم ترضى به، بل رفعت من مطالبها لتصل إلى ضرب قدرات حزب الله العسكرية وإبعاده على الأقل 5 كيلومترات إلى ما وراء الحدود.
القيادات السياسية في لبنان تعمل لسحب فتيل الفتنة، لاسيما أن إطالة أمد الحرب قد تؤدي إلى بروز أزمات جديدة
لم تزل العملية العسكرية على كافة مناطق لبنان مستمرة، ويترافق ذلك مع التهجير الممنهج للسكان، لاسيما مع تلك البيانات التي يصدرها المتحدث باسم جيش العدو الإسرائيلي أفخاي أدرعي على موقعه على إكس، من ضرورة إخلاء المباني والأحياء من سكانها والتوجه إلى مناطق أخرى. الأكيد أن إسرائيل بعملية الاعتماد على تهجير الناس لا يقف حرصها على حياتهم، فهي التي تتّبع الإجرام عبر تعمدها قصف الأحياء المدنيين، لكنّ المؤكّد أن من وراء هذه الحرب هي تسعى لخلق قنابل “ديمغرافية” في أكثر من منطقة في لبنان لأهداف تتعلق بنشر الفوضى في الداخل اللبناني بين مكونات الشعب.
مفهوم “التهديد الديمغرافي” أو ما يعرف بـ”القنبلة الديمغرافية”، مصطلح يستعمل في السياسة للدلالة على نمو عدد سكان أقلية إثنية ما، في بلد ما بشكل كبير قد يغير من الهوية الإثنية لهذا البلد. هذه القنبلة التي اعتمدتها إسرائيل في عملية التهجير القسري لسكان فلسطين عام 1948، عندما دفعت بأعداد هائلة من الفلسطينيين إلى دول الجوار، الأمر الذي أوجد أزمات اجتماعية وحتى أمنية في تلك الدول كما كانت عليه الحرب الأهلية في لبنان عام 1975.
الحرب الحالية التي وسعها الجيش الإسرائيلي منذ حوالي شهر، من أهدافها عدم عودة النازحين إلى الجنوب، وأقله إلى مسافة ومساحة يحددها العدو الإسرائيلي، وهذا ما أبلغه وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إلى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في زيارته الأخيرة إلى تل أبيب، بأنه لا عودة للنازحين إلى الجنوب نحو مدنهم وقراهم، على مسافة ألّقها 5 كيلومترات، خشية أن يعودوا ويشكلوا بيئة حاضنة للمقاومة، التي تشكل القرى الأمامية عند الشريط الحدودي مع فلسطين المحتلة، خط الدفاع الأول.
من هنا، فإن العدو الإسرائيلي يحاول أن يستغل موضوع النازحين بمنع عودتهم، لهذا يسعى أيضًا إلى أن يشكل ملف النزوح أزمة داخلية في لبنان. إذ تخوفت بعض المصادر من أن يكون موضوع النازحين “قنبلة موقوتة” تنفجر في الداخل اللبناني لأسباب عدة طائفية ومذهبية وديمغرافية وسياسية.
تعمل القيادات السياسية في لبنان لسحب فتيل الفتنة في لبنان، لاسيما أن إطالة أمد الحرب قد يؤدي إلى بروز أزمات جديدة ترتبط بالانقسام القائم في لبنان بين من يريد وقف الحرب ومن يعتبرها حربًا ضرورية لمحور المقاومة. هذا وتعمل إسرائيل على استهداف المناطق ذات الأغلبية المسيحية أو السنية أو الدرزية التي تحتضن النازحين، بغض النظر إن كانت هناك قيادات لحزب الله أم لم تكن، على اعتبار أنها ورقة جيّدة بيدها لتأليب هذه البيئات على بيئة حزب الله الحاضنة.
لا يبدو أن هناك مساعي جديّة لوقف الحرب في لبنان، إذ حتى مؤتمر الدعم الذي دعت إليه فرنسا، لم يتحدث عن آلية للتوصل إلى وقفها، بل جلّ ما خرج عنه تقديم مساعدات مالية تصل إلى حوالي مليار دولار. لكن في الواقع المطلوب أكثر من دعم مادي، خصوصًا وأن ضغط النزوح بدأ يتفاعل ونحن على أبواب فصل الشتاء حيث الآلاف من النازحين يفترشون الرصيف، فهذا ما قد يؤدي في وقت قريب إلى مصادرة للممتلكات الخاصة كما حصل في بناية الحمرا في بيروت، أو العمار في أملاك خاصة أو عامة دون رخصة كما حال منطقة أفقا في جبيل.
بين تطبيق 1701 والاقتراب من الانفجار الكبير، هناك سباق بين الجهود الرسمية اللبنانية، وبين حكومة بنيامين نتنياهو التي تستغل الانشغال الأميركي في انتخابات الرئاسة التي ستجري في 5 نوفمبر المقبل، لتحقيق ما يعجز الميدان عن تحقيقه من تفجير الوضع في الداخل اللبناني، رغم يقظة المسؤولين اللبنانيين والشعب الحاضن.