ماجدة بنكيران: السينما أداة للتغيير الاجتماعي

تملك ماجدة بنكيران تجربة سينمائية ثرية مكنتها من اكتساب خبرات مهمة تحاول اليوم تمريرها إلى الشباب، عبر تأطيرها ورشة الفيلم الوثائقي ضمن فعاليات المهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا. وهي تدرك أهمية هذه الورش وأثرها في تنمية وعي الناشئة وتمكينهم من فهم جيد للحياة.
سلا (المغرب) - أطرت الممثلة والمخرجة المغربية ماجدة بنكيران ورشة الفيلم الوثائقي ضمن فعاليات الدورة السابعة عشرة من المهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا، والتي انعقدت ضمن مجموعة من الورشات التعليمية المتنوعة ينظمها المهرجان تحت عنوان “رهانات التربية على الصورة”، إذ تناولت هذه الورشات مواضيع مثل التربية على الصورة والإبداع الوثائقي وسرد الواقع، بالإضافة إلى تحليل الأفلام الوثائقية واستعراض أساسيات المونتاج والكتابة.
تحدثت الممثلة والمخرجة المغربية لـ”العرب” عن أبرز القضايا النسائية التي تركز عليها الورشة، مشددة على أهمية القيم الإنسانية التي تحمي حقوق كل من الرجل والمرأة على حد السواء، فالورشة لا تقتصر على تناول قضايا النساء بل تتناول قضايا الإنسان بمعناها الكوني والمطلق. من خلال هذه المقاربة، يسعى المهرجان إلى تحفيز النقاش حول القيم الإنسانية الشاملة التي تضمن كرامة الجميع وتعزز المساواة والعدالة.
وتسعى بنكيران إلى أن تكون الورشات مساحة حرة للحوار والتفاعل، حيث يمكن للمشاركين التعبير عن آرائهم وتجاربهم المتعلقة بالقضايا النسائية، سواء كانت تتعلق بالعنف ضد المرأة، أو حقوقها الاجتماعية والاقتصادية، أو تمثيلها في الفنون والإعلام. وتعتقد أن هذه القضايا ليست مجرد مسائل نسائية، بل هي قضايا إنسانية شاملة تؤثر على الجميع، ما يسهم في خلق وعي جماعي حول أهمية تعزيز الحقوق والمساواة في المجتمع.
وترى المخرجة المغربية أن النقاش حول القضايا النسائية في سياق الفنون السينمائية يمكن أن يسهم في تغيير الصورة النمطية للمرأة، من خلال تقديم نماذج إيجابية ومُلهمة تُظهر قوة المرأة وقدرتها على التأثير والتغيير، وبالتالي فإن هذه الورشات ليست فقط وسيلة للتثقيف بل هي أيضًا منصة لتمكين المشاركين من استخدام السينما كأداة للتغيير الاجتماعي.
أما عن تقييمها لتأثير المهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا ودوره في تعزيز الفنون السينمائية والتربية على الصورة في المجتمع، فتؤكد بنكيران أن المهرجانات والتظاهرات الفنية لا تقتصر على السجاد الأحمر وعرض الأفلام والندوات فحسب، بل تكمن أهميتها الحقيقية في الورشات التي تُنظمها والتي تلعب دورًا جوهريّا في تكوين جيل جديد من صناع السينما، إذ تسهم في نقل المعرفة وتقديم التدريب اللازم لصقل المهارات.
الورش تعتبر بديلا عن النوادي السينمائية التي كانت تصنع السينمائيين وترسخ الثقافة السينمائية في المجتمع
وفيما يتعلق بمدى مساعدة السينما الوثائقية في معالجة القضايا الاجتماعية والثقافية، خاصة تلك المتعلقة بالمرأة، تعتبر المخرجة أن السينما الوثائقية تستخدم منهجية الاستقصاء المتعمق حيث يتم البحث والتحقيق والتحليل في قصص إنسانية عبر مقاربات متخصصة، كما تلعب مساهمة المتخصصين دورا أساسيّا في تقديم وجهات نظر علمية وأكاديمية وتمنح هذه الأفلام الوثائقية مصداقية وعمقًا عند مناقشتها ما يعزز تأثيرها وفاعليتها في معالجة الموضوعات الحساسة.
وحول الأهداف الرئيسية لورشات التربية على الصورة في المهرجان الدولي لفيلم المرأة، تقول بنكيران “تسعى الورش لتحقيق عدة أهداف رئيسية، أولها توضيح الفوارق المفاهيمية بين الفيلم الوثائقي والأنواع السينمائية الأخرى مثل الريبورتاج والتقارير الإخبارية، إذ يساعد هذا التمييز المشاركين على فهم الخصائص الفريدة للفيلم الوثائقي، الذي يعتمد على السرد البصري العميق واستكشاف الحقائق بطرق فنية. وتركز الورش على الصورة كوسيلة تعبيرية قوية في السينما. فهي ليست مجرد عنصر بصري، بل تمثل لغة بحد ذاتها تمتلك القدرة على إيصال مشاعر وأفكار معقدة من خلال التكوين البصري والإضاءة والألوان”.
وتشرح أن هذه الورش “تهدف إلى تعليم المشاركين كيفية استخدام الصورة لتحقيق معانٍ مكثفة وتحويل اللقطات البصرية إلى أدوات تعبير فعّالة تسهم في تعزيز الرسالة السينمائية وتعميق تجربة المشاهد، كما تسعى إلى تطوير وعي المشاركين بأهمية الصورة في بناء السرد السينمائي وخلق تفاعل حسي وفكري مع الجمهور، ما يجعلهم يدركون أن الصورة ليست مجرد وسيلة لعرض الأحداث، بل شريك أساسي في تشكيل القصة ونقل الأحاسيس بطرق تتجاوز الحوار والكلمات”.
وتضيف “تعمل الورش على جعل المشاركين أكثر إدراكا لمحيطهم ومجتمعهم وتاريخهم وجغرافيتهم، وهو ما يفتح لهم آفاقا أوسع لفهم ما يجري في العالم، وهذا الفهم يساعدهم على تطوير وعي شامل بالتحديات والقضايا العالمية والمحلية على حد السواء، ويعزز قدرتهم على تحليل المحتوى البصري بشكل نقدي”.
المخرجة المغربية ترى أن النقاش حول القضايا النسائية في سياق الفنون السينمائية يمكن أن يسهم في تغيير الصورة النمطية للمرأة
وتوضح “التحديات التي يواجهها المشاركون في التفرقة بين الصورة كوسيلة تعبير فني والصورة كأداة تأثير جماهيري، قائمة بالفعل، خاصة أن المشاركين غالبًا ما يكونون طلبة ومهتمين بالشأن السينمائي ولديهم أساسيات أولية في هذا المجال، بينما يتم تعزيز قدرتهم على استيعاب هذا الفرق من خلال المحتوى الذي يتم تقديمه في الورش، ما يمثل فرصة قيّمة للتعرف على مراحل صناعة الفيلم من البداية إلى النهاية، وهذا يمنحهم فهمًا أعمق للدور المختلف الذي يمكن أن تلعبه الصورة في كل سياق”.
وتحدثت ماجدة بنكيران عن الأساليب الفنية المستخدمة لخلق تجربة معقولة للمتفرجين في ورشة السينما الوثائقية، مؤكدة أهمية وجود انسجام تام بين القصة الإنسانية وطريقة عرضها سينمائيًا، إذ يجب أن تُعبر القصة بشكل فريد ومميز لم يطرح من قبل، ما يتطلب أن تكون الأفلام إضافة نوعية ومختلفة عما قدمه صناع الأفلام الوثائقية الآخرون. ويتم تحقيق ذلك من خلال الاستفادة من كافة الأدوات الفنية المتاحة لتعزيز الحكي البصري.
وأشارت إلى أن المخيلة الواسعة تؤدي دائمًا إلى إبداع أجمل، وهذا الإبداع يتأتى من خلال المطالعات والمشاهدات المتعمقة، والتأمل والتعلم المستمر، والإنصات إلى مختلف الأصوات والتجارب.
أما عن الدور الذي تلعبه الأفلام الوثائقية في إحداث التغيير الاجتماعي وتسليط الضوء على قضايا حقوق الإنسان، فترى المخرجة المغربية أن الأفلام الوثائقية تلعب دورًا حاسمًا في كشف الحقائق التاريخية وتسليط الضوء على قضايا حقوق الإنسان، حيث تتناول هذه الأفلام الملابسات التاريخية والجيوسياسية المرتبطة بالقضايا المطروحة، ومن خلال توثيق الأحداث بشكل موضوعي تساهم الأفلام الوثائقية في زيادة الوعي وتوجيه النقاش نحو التغيير الاجتماعي العادل، وهذا الدور يُحفز الجمهور على التفكير في الحلول الممكنة والسعي نحو تحقيق الإصلاحات.
وتعتبر ماجدة أن هذه الورش توفر فرصة فريدة أمام الشباب للالتقاء بخبراء السينما وتعلم المهارات اللازمة في صناعة الأفلام، ما يمكّنهم من فهم أعمق للعمليات الإبداعية والمهنية. ومن خلال تجربتها الشخصية في الإشراف على المحترفات، قابلت العديد من الشباب الذين بفضل هذه الورش تفوقوا وصنعوا أفلامهم الخاصة، وواصلوا مسيرتهم بنجاح في المجال السينمائي.
وتؤكد بنكيران أن هذه الورش تعتبر بديلا ثمينا عن النوادي السينمائية، التي كانت في السابق تصنع أجيالاً من السينمائيين وترسخ الثقافة السينمائية في المجتمع، كما توضح أن المهرجانات مثل مهرجان سلا لا تعزز فقط الفنون السينمائية بل تسهم أيضًا في نشر الوعي الثقافي وتعزيز الحوار حول القضايا الاجتماعية والإنسانية، وهو ما يجعلها نقاط انطلاق مهمة لتغيير النظرة المجتمعية وتعزيز الوعي الجماعي.