مؤمن أو ملحد: العالم دائما محل انتقادات

تونس – أثارت تصريحات للمهندسة التونسية رانيا التوكابري المشاركة في مشروع في وكالة الفضاء الأوروبية جدلا جديدا لم يعتد عليه التونسيون حول علاقة العالِم والعلم بالدين، حيث اعتبر البعض تصريحاتها المشيدة بالإسلام أمرا ينقص من كفاءتها وذهبوا إلى اتهامها بالتطرف في حين لقيت إشادة من قبل الأوساط المحافظة.
وأجابت التوكابري في برنامج “تحت السور” الذي تبثه قناة التاسعة المحلية والخاصة عن سؤال بشأن العلاقة بين الدين والعلم بالقول إن “العلم يقرّبنا دوما من الله، وهناك أشياء كثيرة مذكورة في القرآن يكتشفها العلماء الآن”.
في الواقع الخصومة بين الدين والعلم أو بين أنصار المجالين تتعدى المنطقة العربية والإسلامية، لكن في الأخيرة التي تأثرت كثيرا خاصة في السنوات الماضية بآفة الإرهاب والتطرف، بات أي نقاش من هذا النوع لا يخلو من تطرف قد يُفضي إلى تكفير هذا لذاك أو اتهامه بالزندقة والإلحاد، أو في المقابل إطلاق اتهامات بالإرهاب و”الداعشية” نسبة إلى تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي (داعش) لأي طرف يبدو وكأنه متدين أو يوظف حججا دينية وذلك ناجم في جزء كبير منه على ما يبدو إلى تسرب هذه النقاشات من النخب إلى العامة.
أحمد الفاضل: الجدل بشأن إيمان العالم يعرقل مواكبتنا لتقدم المجتمعات الأخرى
ولم تكد تمضي ساعات حتى تصدرت تصريحاتها عناوين بقية البرامج ونقاشات الناس على مواقع التواصل الاجتماعي وسط انقسام حاد بين من يصنفون أنفسهم في خانة العلمانيين والذين يُحسبون على المحافظين، فالأوائل هاجموها بشدة معتبرين أن فصل العلم عن الدين ضروري للغاية، أما المحافظون فأشادوا بتصريحات التوكابري باعتبارها انتصارا لنظرتهم إلى الأشياء ولتدينهم.
والجدل بشأن العلاقة بين الدين والعلم ليست وليدة اللحظة، وتبدو محاولات إحيائه وكأنها تستهدف التغطية على فشل العرب والمسلمين عموما في تحقيق اختراقات علمية بارزة في السنوات الأخيرة.
ويقول أحمد الفاضل رئيس جمعية الفضاء التونسية إن “العلم كان مربوطا بتضاربه مع الدين، فالموضوع بقي حساسا إلى الآن وذلك بسبب وجود قطبين متنافسين في العالم العربي والإسلامي”.
وتابع الفاضل في اتصال هاتفي مع “العرب” من بلجيكا مفسرا أسباب الجدل الذي تثيره علاقة العالم بالدين أن “هناك قطبين معروفين، وهما الجزء المحافظ والمتدين في مجتمعاتنا، وهناك قطب علماني وكلاهما يتنافس، وللأسف تخلو الساحة الإعلامية العربية عموما من المجال العلمي والتكنولوجي، سبب هذا الجدل المتجدد هو غياب الخبراء الذين بإمكانهم تقديم رأيهم في مختلف المجالات في علاقة بالعلم وبحياة الإنسان بطريقة مبسطة، هذا يترك الناس متعطشين سواء لتأكيد آرائهم الشخصية أو دحض توجهات الأشخاص الذين لديهم آراء مختلفة”.
وأوضح أن “المعضلة الأخرى تتجسد في التعميم، أي رأي شخصي يتم تعميمه على أساس أنه رأي المجتمع العلمي، هناك علماء لهم آراؤهم الخاصة التي تمثلهم هم فقط وأعتقد أن من حقهم الإدلاء بها، مثلا إيماني الشخصي بأن العلم والدين مستحيل أن يتضاربا”.
وبات العلم الذي احتل مكانة مفهوم العقل جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية، ووُضع هذا المجال تحت الاختبار في السنوات الأخيرة بشكل لافت خاصة بعد اكتشاف فايروس كورونا حيث بات العلماء هم المخلّص الوحيد للبشرية، فيما بات واضحا تراجع الدين رغم محاولة بعض حاملي لواء الدفاع عن الإسلام على سبيل المثال توظيف الجائحة لأغراض أخرى.
لكن ما يهم المنتقدين من المعسكرين، سواء المحافظ أو العلماني في العالم العربي، هي علاقة العالِم بالدين، فإذا كان مؤمنا فإنه سيحظى بشعبية لدى المحافظين مقابل مواجهة هجمات من العلمانيين، وإذا كان غير مؤمن فإنه سيواجه حملات من المحافظين مقابل الإشادة به من العلمانيين الداعين إلى فصل العلم عن الدين.
في الواقع الخصومة بين الدين والعلم أو بين أنصار المجالين تتعدى المنطقة العربية والإسلامية
ويرى الفاضل أن “هذا الجدل بشأن إيمان العالم من عدمه لن يساهم إلا في عرقلتنا في مواكبة التقدم الذي تعرفه المجتمعات الأخرى، تأخرنا يجعلنا نعود إلى الدين، نحاول التغطية على هذا العجز والنقص على المستوى العلمي بإعادة إحياء هذا الجدل”.
وأردف أنه “عندما لا تكون متمرسا في العلوم تذهب إلى مجالات أخرى لك فيها زاد كبير مثل الدين، لو كانت لدينا مخابر ومؤسسات بحثية كبيرة لن نلجأ إلى مثل هكذا جدل، الناس في مجتمعاتنا لا يعرفون المستوى العلمي الذي وصلت إليه البشرية وهذا مشكل كبير، المعطى الديني حاضر في كل شي هذا ما لا شك فيه ولكن لا أحد فينا يمتلك الحقيقة الكاملة، لا تأويلنا للدين صحيح مئة في المئة ولا العلوم صحيحة كذلك”.
ووفقا لخبراء يُفضي الجدل حول علاقة العلم والعلماء بالدين إلى تهميش معطى هام وهو كفاءة العالم، لكن هناك نظرة انطباعية سائدة بأن العالِم الملحد هو أكثر كفاءة باعتبار تحرره من أي قيود دينية.