مؤلفات مفكر إماراتي بمعرض القاهرة تدعو إلى إنقاذ العرب تثير الجدل والنقاش

مثلت أطروحات المفكر الإماراتي علي محمد الشرفاء الحمادي مساحة جدل واسعة بين عموم القراء والمتابعين، نظرا إلى كونها تفتح باب النقاش اليوم بشكل جريء حول أسباب التردي العربي، بينما تطرح حلولا لحماية العرب وحماية ثقافتهم وحضارتهم ونبذ الصورة النمطية التي راجت عنهم وعن الإسلام.
القاهرة - لفتت مؤلفات المفكر الإماراتي علي محمد الشرفاء الحمادي بمعرض القاهرة الدولي للكتاب الذي افتتح الخميس أنظار مهتمين بالشأن الفكري، بسبب معالجتها العديد من الإشكالات السياسية والفكرية المسكوت عنها وتقديم طروحات غير تقليدية.
دشن الحمادي مدرسة تجديدية، يُرجح أن ترتادها أعداد كبيرة، حيث ترفض مصطلح وفكرة الخطاب الديني من أساسه ومن تيه تجديده تارة –والذي لم يتحقق أبدًا- وتحشد لتبني ما أطلق عليه مصطلح “الخطاب الإلهي”.
يجد الشرفاء أن ما يُطلق عليه مصطلح “الخطاب الديني” غير قابل للتجديد كونه هو أصل المعضلة ومنبع المأزق؛ حيث صنع المسلمون السنة لهم روايات متناقضة مع آيات القرآن الكريم، وصنع المسلمون الشيعة لهم روايات خاصة بهم، فنتج ركام من الفرق والمذاهب الممزقة المتصارعة والمتناحرة، والتي تخدم مخططات الأعداء، ما غطى تربة العالم الإسلامي بطبقة من المرويات التي خلفت آثارًا وبيلة طالت العقيدة وأساءت للدين وللرسول وأخذت منها جماعات التكفير والإرهاب ذخيرتها وخربت المجتمعات.
ويقترح المفكر علي الشرفاء التوقف عن استخدام مصطلح “الخطاب الديني” لأن كل من هب ودب وجاء برواية، أو خرافة، اندرجت تحت الخطاب الديني، بينما الأصل الذي يحمل رسالة الإسلام للناس هو “الخطاب الإلهي”، وهو كلمة الله وآياته.
الخطاب الإلهي
الخطاب الديني هو ما صرف به اليهود والمجوس المسلمين عن القرآن من خلال روايات مكذوبة مسمومة وأحاديث منسوبة إلى الرسول لبناء فقه ديني خاص لكل منهم يختلف عن الطائفة الأخرى، ففرقتهم شيعًا وأحزابًا للانتقام من العرب حملة الرسالة الإسلامية، وجعلتهم ينصرفون عن القرآن ليسهل تفريقهم وزرع بذور الفتن فيما بينهم.
تم استدراج الطائفتين، السنة والشيعة، إلى نفق مظلم، حيث استنفدوا دماءهم وطاقاتهم واقتصاداتهم، وكل منهم لجأ إلى أعداء الإسلام يستمد منهم الدعم والعون ضد إخوانهم من المسلمين، وكل ذلك نتيجة اعتمادهم على روايات ضالة وإيمانهم بمرجعيات متضادة لمن تم تصنيفهم بعلماء الدين أو شيوخ الإسلام تبنوا آراءهم دون تمحيص وتدقيق بعيدًا عن شريعة الله.
وأقر بصحة بعض الروايات التي استحدثها مؤلفوها وبعض الفقهاء وأحبار اليهود ومحرفو رسالة الإسلام فئة من الباحثين والرواة والفقهاء وكذب بعضها فئة أخرى، وأصبح الهوى هو الميزان لصحة الرواية من عدمها، وبتفاوت الأزمنة وتعدد الأمزجة والمصالح السياسية تراكمت روايات يُطلق عليها أحاديث منسوبة إلى الرسول زورًا وبهتانًا وافتراءً.
وساهمت بعض “الإسرائيليات” بدور كبير في إحداث خلل خطير في الكثير من الروايات التي أدت إلى تفرق المسلمين وقتالهم، حيث تحمل كل الأحاديث في طياتها ومراميها مضمونًا يؤدي إلى نشر الفتنة وتضليل المسلمين عن مقاصد دين الإسلام لما ينفع الناس وما يدعو لصلاحهم.
ونظرًا إلى عدم التزامهم بأمر الله بالوحدة التي تتحقق فقط نتيجة التمسك بالخطاب الإلهي (القرآن الحكيم) اشتعلت الفتنة بينهم ما أدى إلى الصراع والقتال فيما بينهم خلال أربعة عشر قرنًا، وقد توعدهم الله بقوله “إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون.”
نتج عن تلك المواقف تشويه الرسالة وإبعاد الناس عنها حينما رأوا القتل والتدمير ووحشية السلوك والإجرام باسم الإسلام بدلًا من أن يُقبل الناس على الإسلام بما فيه من رحمة وعدل وسلام. وللخروج من هذا المأزق يقترح المفكر علي الشرفاء، بعد أن وضع تشخيصًا دقيقًا للعلة، أن يشكل العلماء من المسلمين جميعًا والمثقفون مجلسًا موحدًا يتخذ من القرآن مرجعًا وحيدًا في البحث عن عناصر المنهج الذي وضعه الله للناس تشريعًا للعلاقات الإنسانية وضابطًا للمعاملات بينهم وأساسًا لأخلاقيات كريمة في التعامل بينهم وقيمًا نبيلة تحقق التقارب والمودة والتراحم بين الناس جميعًا، وقواعد تشريعية تحافظ على أمن المجتمعات الإنسانية وتحقق العدالة وتنشر السلام.
◙ المفكر الإماراتي دعا إلى إعداد دستور إسلامي مبني على مقاصد الآيات القرآنية لصالح العباد جميعا لا ظلم فيه ولا طغيان قوم على غيرهم
ودعا المفكر الإماراتي إلى إعداد دستور إسلامي مبني على مقاصد الآيات القرآنية لصالح العباد جميعًا لا ظلم فيه ولا طغيان قوم على غيرهم، يحمي عقائد الناس المختلفة ويحمي حرية الإنسان ويكفل له الحياة الآمنة ويحافظ على حقه في الحياة والسعي في الرزق دون عدوان ليؤدي المسلمون تكاليف العبادات كما أمر الله وعلمهم رسوله ممارسة الشعائر الدينية دون استعلاء على غيرهم من الأديان.
قال الشرفاء في أحد مؤلفاته الرائجة “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي”: “آن الأوان لتصحيح المسيرة باتجاه الشريعة القرآنية والاتفاق على إمام واحد للمسلمين هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعدم الالتفات للروايات المنقولة كافة من المنتمين للسنة أو المنتمين للشيعة، فكل الروايات دون استثناء استحدثت لهدم رسالة الإسلام وخلق الفتنة بين المسلمين جميعًا، فالماضي يقر بذلك والحاضر نعيشه بمآسيه.”
وأثبت المفكر علي الشرفاء انتفاء صحة الروايات نظرًا لتعارضها مع آيات القرآن الكريم، ما يؤكد انتفاء قيمتها ومضامينها، وتزويرها وافتراء الرواة على رسول الله. وشدد على تحذير الله للمسلمين من اتباع الروايات وليس الآيات المهمة التي كلف الله تعالى بها رسوله، وكلفه أن يبلغ الناس كافة رسالته بالقرآن فقط، كما في قوله “يا أيها الرسول بلغ ما أُنزل إليك من ربك،” وقوله “تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون.”
خاطب الشرفاء المسلمين والعرب لاستدعاء لحظات تاريخية قبل أربعة عشر قرنًا نتصور فيها أنفسنا في حضرة الرسول يبلغنا رسالة الله في كتابه المبين ويتلو علينا القرآن الكريم، نتعلم منه منهج الخطاب الإلهي الذي يأمر عباده باتباع القرآن وعدم الاعتماد على استنتاجات بشرية نُسبت إلى الصحابة أو غيرهم ممن نصبوا أنفسهم أهل العلم والمعرفة وعلماء الدين وشيوخ الإسلام.
تصحيح المسيرة
ونادى الشرفاء بأن لا وجود لشيوخ للإسلام ولا أئمة ولا كهنة ولا أحبار، بل عباد لله مخلصون له الدين يتبعون رسولًا كريمًا، كما أمر الله في قوله “اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلًا ما تذكرون،” فلا اجتهادات بشرية أو خطابات دينية متعددة بل خطاب إلهي واحد ورسول وإمام واحد، سنته هي صفات الفضيلة التي وردت في القرآن والقيم النبيلة التي كانت سلوك سيرته بين الناس، وليست أقوالًا أو روايات تأكيدًا لقول الله “لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة.”
ورفض علي الشرفاء اختزال أركان الإسلام في عبادات بدنية وفق مقولة إن أركان الإسلام خمسة، لافتًا إلى أن الإسلام هو مجموعة من الأخلاق والمبادئ الرفيعة الواردة في القرآن توحدت في أوامر الله ونواهيه لتحقيق سعادة الإنسان ورفعته حيث أخلاق ومقاصد الدين الإسلامي هي قمة رسالات الأنبياء.
وأكد أن الخطاب الديني المستند إلى الروايات الإسرائيلية البعيدة كل البعد عن كتاب الله أنتج أيضًا، بالإضافة إلى الفرق والمذاهب المتصارعة، جماعات وتنظيمات تكفيرية كرست تمزيق المسلمين إلى الآلاف من الفرق التي يكفر بعضها الآخر ويهدر بعضها دم بعض وترتكب من الفظائع ما يشيب لهولها الولدان، ما أمعن في ضياع بوصلة متطلبات القوة والوحدة والتعاون والتخطيط للمستقبل من المسلمين، وضاعف تمكن الأعداء من التحكم في قرار وثروات ومقدرات المسلمين والعرب.
ودعا المفكر علي الشرفاء في أحد مؤلفاته أصحاب القرار في العالم العربي إلى وضع خطة إستراتيجية لتصحيح المفاهيم الإسلامية، بحيث يصبح كتاب الله المبين وقرآنه العظيم هو مرجعية رسالة الإسلام الوحيدة، لوضع مناهج الدراسات الإسلامية مستمدة من التشريعات الإلهية والعظات الربانية والأخلاقيات والفضيلة التي تدعو إليها الآيات في كتابه الحكيم، على أن يتم تأهيل الخريجين من المعاهد الدينية بكافة مستوياتها على هذا الفهم الصحيح للدين، كإجراء وقائي حتى يتم اقتلاع السموم من عقول الشباب، مشددًا على أنه ليس هناك طريق آخر لإصلاح ما تم إفساده إلا بالعودة إلى الخطاب الإلهي.

ووضع الشرفاء تحت عنوان “دراسات ومشاريع وحلول لمواجهة المستقبل العربي” في الجزء الأول من سلسلة “ومضات على الطريق”، التي سيصدر الجزءان السابع والثامن منها قريبًا، الخطوط العريضة لمشروع القومية العربية.
ورسم المجدد، الذي أثارت أطروحاته العديد من النقاشات في أوساط النخبة المصرية مؤخرًا، ملامح خطة إنقاذ عاجلة تنتشل الدول العربية من التردي، حيث حذر القيادات العربية ودعاها إلى تدارك الأخطار التي تحيط بالعرب من كل جانب وأن وقوع إحدى الدول العربية تحت سيطرة العدوان لا يعني أن بقية الدول ستكون في مأمن، قائلًا “الخطر قريب جدًا والضحية القادمة تُسن لها السكين ويتم تجهيز المذبح والمسلخ لها.”
وقال الشرفاء إنه من العار والسخف أن يتعاون بعض العرب مع القوى الدولية التي هي سبب الأزمة والمأساة، متسائلًا كيف نتعاون معهم ونحسبهم أصدقاء وحلفاء وهم من كانوا سببًا في استعمار الوطن العربي ونهب ثرواته، منتظرين في بلاهة أن ينصفونا في استرجاع الحقوق، داعيًا إلى أن يهب القادة للحفاظ على الأوطان التي بدأت تسقط الواحد تلو الآخر.
ودعا المفكر الإماراتي علي محمد الشرفاء الحمادي إلى وضع ميثاق جديد تتحدد فيه العلاقات العربية بأسلوب واضح وملتزم، مع تحديد صريح لواجبات كل دولة، وما لها من حقوق وما عليها من التزامات في وقت السلم، وكذلك في وقت الاعتداء على إحداها من خارج المجموعة العربية.
وطالب بإنشاء مجلس الأمن القومي العربي ويُشكل من قادة القوات المسلحة بالدول العربية وله أمانة خاصة في الجامعة العربية، يكون مسؤولًا عن وضع النظم والإجراءات الكفيلة بتفعيل معاهدة الدفاع المشترك والتنسيق بين القيادات العسكرية وترتيب التعاون بين القوات المسلحة في الدول العربية وإجراء المناورات السنوية وتحقيق وحدة كاملة في النظم والمعلومات.
واقترح وضع الخطط اللازمة لاتخاذ أية إجراءات عسكرية تتطلبها المصلحة القومية، سواء أكانت للدفاع عن دولة عربية تعرضت للعدوان أم للتدخل لمنع الاشتباك بين دولتين عربيتين حدث بينهما خلاف قد يؤدي إلى صدام للحيلولة دون حدوث كوارث كانت قد حصلت في القرن العشرين، مطالبًا بإعادة النظر في ميثاق الجامعة العربية وإعادة هيكلتها وتشكيل محكمة عربية تنظر في القضايا الخلافية بين الدول العربية وترفع حكمها إلى الجامعة للمصادقة، ويكون الحكم مُلزمًا لكل الأطراف.