مؤشرات قوية تقرب بريطانيا من الاعتراف بمغربية الصحراء

الرباط - تشير التصريحات الأخيرة الصادرة عن وزراء بالحكومة البريطانية إلى قرب اتخاذ قرار يعترف بمغربية الصحراء، وهو ما يعكس تطورًا لافتًا في موقف لندن تجاه هذا الملف الحساس.
وأكد وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي في جواب على سؤال النائب المحافظ ووزير الدولة السابق في الخارجية أندرو ميتشل “ما زلنا نُجري مناقشات مع أصدقائنا المغاربة فهذا موضوع معقّد، ونحن نواصل مراجعة هذا الموقف بينما نتابع مناقشة القضايا في المنطقة.” كان ذلك خلال جلسة نقاش في البرلمان البريطاني، حيث طرح ميتشل سؤالًا مباشرًا على لامي حول إمكانية دعم بريطانيا لمبادرة الحكم الذاتي التي تتبناها الرباط، على غرار الولايات المتحدة وفرنسا.
بدوره أبدى دوغلاس ألكسندر وزير الدولة المكلف بالأعمال والتجارة موقفا إيجابيا بخصوص تيسير الاستثمارات البريطانية في الصحراء لدعم المصالح الاقتصادية بالأقاليم الجنوبية، وشدد على أن الشركات البريطانية تتمتع بحرية اتخاذ قراراتها في ما يخص الاستثمار والتجارة في هذه المنطقة، رغم محاولة اللوبي الداعم لجبهة بوليساريو استصدار موقف يعاكس سيادة المغرب على صحرائه. وأكد دوغلاس على استمرار دعم بريطانيا للجهود الأممية الرامية إلى إيجاد حل سياسي متوافق عليه، لكنه لم ينفِ إمكانية توجه لندن نحو تبني موقف أكثر وضوحًا لصالح المغرب.
وعلق رشيد لزرق، رئيس مركز شمال أفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية، على هذه التطورات قائلا في تصريحات لـ”العرب” إن نهج المغرب التنموي كتوجه إستراتيجي في مقاربة مسألة الوحدة الترابية، عبر مقاربة الجهوية والحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية، أفرز تزايد الدعم لمقترح الرباط، وهو ما شجع الحكومة البريطانية على فسح المجال للشركات بالاستثمار في الصحراء كمؤشر منطقي وواقعي لاعتراف رسمي وشيك بسيادة المغرب على صحرائه.
وفي الإطار ذاته شددت وزارة الخارجية البريطانية، في جواب عن سؤالين برلمانيين حول مزايا الاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية والعقبات التي تحول دون إقدام لندن على هذه الخطوة، أن “الحكومات البريطانية المتعاقبة اعتبرت أن وضع الصحراء غير محدد،” مشيرة إلى أن بريطانيا تدعم الجهود التي يقودها المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا، وأكدت على أهمية المشاركة البناءة في العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة.
وعبّرت المملكة المتحدة من خلال مسؤولين رفيعي المستوى عن إعادة تأكيد دعمها الثابت والمتواصل للقرار رقم 2602 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي يعبر عن استحسانها الجهود المتسقة والموثوقة التي تبذلها الرباط في سعيها إلى تسوية النزاع في الصحراء المغربية، في إطار الحكم الذاتي تحت سيادة المغرب، باعتباره يحظى بالجدية والواقعية وبدعم وإجماع دولي.
ومن وجهة نظره المبنية على المسؤوليات التاريخية، أكد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة محمد الأول بوجدة خالد الشيات أن المغرب وبريطانيا تربطهما علاقات تاريخية عريقة، ودعم بريطانيا لمقترح الحكم الذاتي المغربي سيكون بمثابة تصحيح لمسار تاريخي على اعتبار أنها ضغطت لتقسيم المجال الجغرافي بين فرنسا وإسبانيا حتى لا تنفرد قوة واحدة بالتحكم في الواجهتين المتوسطية والأطلسية.
واعتبر خالد شيات في تصريح لـ"العرب" أن تعزيز وزيادة المواقف الداعمة للطرح المغربي أصبح أمراً مهما، خاصة أن بريطانيا دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، كما أن أحد أبرز العوامل التي ستدفع بريطانيا للسير على خطى الولايات المتحدة بالاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، هي تعاظم الدور الاقتصادي لها في المملكة، في ما يرتبط بالتنقيب واستخراج الغاز والنفط والعقود المبرمة في هذا الإطار، المرتبطة بالطاقة والمعادن، خصوصا وأن العلاقات التجارية بين المغرب وبريطانيا تعرف تطورا ملحوظا.
ويتواصل النقاش المستمر داخل المملكة المتحدة حول موقفها من القضية، إذ وقّع أكثر من 30 نائبا وعضوا في مجلس اللوردات على رسالة موجهة إلى وزير الخارجية آنذاك ديفيد كاميرون، في مايو الماضي، يدعون فيها المملكة المتحدة إلى الاعتراف بمخطط الحكم الذاتي المغربي باعتباره الحل الأكثر واقعية لنزاع الصحراء، وعلى الأهمية الإستراتيجية للمغرب كشريك مستقر في شمال أفريقيا، خاصة في ظل تصاعد الاضطرابات في منطقة الساحل والشرق الأوسط، وأشاروا إلى أن المغرب "يتقاسم معنا القيم والرؤى التي تعد ضرورية لكلا البلدين."
وحتى النائب المحافظ في مجلس العموم البريطاني أندرو موريسون، الذي يعد أبرز الأصوات البريطانية، دعا بوضوح في أكتوبر الماضي الحكومة لمواءمة موقفها مع حلفائها الرئيسيين، بما في ذلك الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا وألمانيا، الذين أيدوا بشكل صريح سيادة المغرب على الصحراء، داعيا إلى تعزيز الوجود الدبلوماسي البريطاني في مدينتي العيون والداخلة لدعم وحدة أراضي المغرب، مشدداً على أن مخطط الحكم الذاتي يمثل "الخيار الوحيد الموثوق به لتحقيق حل نهائي لهذه القضية."
واعتبر رشيد لزرق بأن “العلاقات البريطانية المغربية تحتاج إلى هذه الخطوة لتعزيز البعد التكاملي والتضامني بين البلدين على أساس تحقيق الإقلاع الاقتصادي في المناطق الجنوبية، خصوصا وأن المغرب اعتمد في تأهيل المجال الصحراوي من خلال توظيف المؤهلات الطبيعية والتوسع العمراني والتقدم الاقتصادي والتنموي، مع خلق نموذج تنموي خاص لها جعل مؤهلات المنطقة في خدمة السكان، وفند مزاعم الانفصاليين والتفكير في نموذج اقتصادي جديد”.
ويرى لزرق أن المؤشرات الإقليمية والدولية الداعمة لسيادة المغرب على صحرائه وانكشاف خطورة الطرح الانفصالي على استقرار المنطقة والمصالح الدولية شكلا تيارا قويا داخل المؤسسات الفاعلة بالمملكة المتحدة لإقناع الحكومة بالسير على نهج حلفائها في واشنطن والدول الأوروبية، وحسم هذا النزاع الذي عمّر طويلا.