مؤسسات إعلامية فرنسية تتّحد لمجابهة عمالقة البث التدفقي الأميركي

تسعى شركات الإعلام التقليدية الفرنسية الكبرى إلى حجز مكان لها في سوق البث التدفقي العالمي ووقف زحف الشركات الأميركية المنافسة في السوق المحلية، ولجأت إلى الاندماج لتحقيق هذا الهدف الذي تأخرت في محاولة الوصول إليه.
باريس – أعلنت محطتا “أم 6” و”تي.أف 1” التلفزيونيتان الفرنسيتان الاثنين عن مشروع لاندماجهما، لمواجهة المنافسة الدولية المتصاعدة في المجال الإعلامي والتي تشهد تسارعا شديدا وتهيمن عليها الشركات الأميركية العملاقة.
وكانت “أم 6” التي تملك أيضا محطات إذاعية منها “أر.تي.أل” معروضة للبيع منذ أشهر من قبل المساهم الرئيسي فيها وهي مجموعة “بيرتيلسمان” الألمانية من خلال مجموعة “أر.تي.أل غروب” التابعة لها.
وفازت “بويغ” مالكة “تي.أف 1” بعملية الاستحواذ وستتولى تاليا قيادة المجموعة التي ستنشأ مستقبلا بنسبة 30 في المئة من الأسهم، إذا وافقت السلطات المختصة على عملية الاندماج.
وأعلنت مجموعات “أر.تي.أل غروب” و”بويغ” و”أم 6” و”تي.أف 1” في بيان الاثنين أنها “وقعت مذكرات تفاهم لبدء مفاوضات حصرية لدمج نشاطات تي.أف 1 وأم 6 وإنشاء مجموعة إعلامية فرنسية كبرى”. وتوقعت المجموعات إنجاز الصفقة بحلول نهاية العام 2022.
وقالت الشبكتان إن رئيس “أم 6” نيكولا دو تافيرنو سيصبح الرئيس التنفيذي للكيان الجديد، في حين سيصبح المدير التنفيذي الحالي لـ”تي.أف 1” جيل بيليسون نائب الرئيس التنفيذي لشركة “بويغ” المسؤول عن الشبكتين.
وأفاد دو تافيرنو رئيس “أم 6” الذي كان يعارض بشدة تفكيك مجموعته بأن “التوحيد أمر حتمي لكي يستمر الجمهور الفرنسي والقطاع بأكمله في لعب دور مهيمن في مواجهة المنافسة الدولية المتصاعدة التي تشهد تسارعا شديدا”.
وتقدمت “أم 6” بقيادة دو تافيرنو إلى المركز الثالث بين القنوات الفرنسية، وراء “تي.أف 1” والقناة العامة “فرانس 2”.
ونقل البيان عن المدير العام لمجموعة “بويغ” أوليفييه روسا قوله إن “سوق المرئي والمسموع آخذ في النمو على المدى الطويل. وفي هذا الإطار، يسعد بويغ المساهمة في إنشاء مجموعة إعلامية فرنسية كبيرة” قادرة على التنافس مع الشركات الأميركية العملاقة في هذا القطاع، على غرار “نتفليكس” و”أمازون”.
وأفادت “تي.أف 1” و”أم 6” بأنهما تعتزمان أيضا إنشاء منصة مشتركة تتيح لهما دخول مجال البث التدفقي، وخدمة فيديو على الطلب على أساس نظام اشتراكات.
وستضاف المنصة الجديدة إلى منصة “سالتو” التي أطلقتها “تي.أف 1” و”تلفزيون فرنسا”، و”أم 6”، في أكتوبر الماضي وهي مخصصة لمواطنيها مقابل 5 إلى 10 يورو شهريا لمنافسة “نتفليكس”، و”أمازون برايم فيديو”.
وأكد المدير التنفيذي للمنصة توماس فولان في مقابلة مع صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، إن منصة “سالتو” المرئية ستكون “نتفليكس فرنسية”.
وأضاف فولان أن المنصة تتمتع بالخصوصية، على عكس عملاقة البث المباشر الرقمي الأميركي “نتفليكس”، و”أمازون برايم فيديو”، إذ تتخصص “سالتو” في تقديم محتوى محدد “حصريا للجمهور الفرنسي”.
ويقول خبراء إعلام أنه بعد ست سنوات من غزو “نتفليكس” لفرنسا، اجتمعت محطات التلفزيون الرئيسية في البلاد معا لإطلاق خدمة البث المباشر “سالتو”. وفي بلد يمكن أن يكون بطيئا في تبني التقنيات الجديدة، تعد “سالتو” اعترافا متأخرا بأن صناعة التلفزيون التقليدية في فرنسا يجب أن تتكيف مع الواقع من أجل البقاء.
ووعد فولان بأن تقدم المنصة عروضا وفيرة من البرامج في جميع المجالات، وسيزداد عدد ساعات البث على مدار الأشهر التالية.

وتابع “يمكن الوصول إلى المنصة على الإنترنت، وهي قبل كل شيء خدمة تتيح مشاهدة البرامج عند الطلب، ولكن بالنسبة للمستخدمين الذين يظلون مرتبطين بالتلفزيون التقليدي، تسمح سالتو بمشاهدة تدفق محطات التلفزيون المحلي والحلقات الكاملة لمسلسلات التلفزيون”.
وأشار المدير التنفيذي للمنصة إلى أن ميزانيتها تبلغ نحو 250 مليون يورو على مدار 3 سنوات، مضيفا “مهمتنا هي أن نأخذ حصة كبيرة من السوق، ويبدو لنا أنه لا يزال هناك مكان ضخم لشغله”.
وتابع “الغالبية العظمى من الشعب الفرنسي ليسوا على الشبكة الأميركية نتفليكس، لذا نأمل في أن يأتوا إلى المنصة الفرنسية الجديدة ‘سالتو’ على غرار المنصة البريطانية ‘بريتبوكس’، والأميركية ‘هولو’، وهي منصات مشابهة أسستها شبكات التلفزيون المحلية”.
وكانت فرنسا قد حاولت إصدار مشروع قانون يلزم منصات الفيديو عبر البث التدفقي مثل “نتفليكس” و”أمازون” على استثمار ما لا يقل عن 25 في المئة من إيراداتها المحققة في السوق المحلية في إنتاج أعمال فرنسية وأوروبية، وهو مستوى أعلى من ذلك الذي سبق التلميح إليه.
ومن شأن مشروع القانون هذا إدخال تحديث كبير إلى نموذج تمويل الأفلام والإنتاجات في قطاع المرئي والمسموع في فرنسا. ويرمي ذلك إلى إعادة التوازن في قواعد العمل بين قنوات التلفزيون الخاضعة لموجبات تنظيمية كثيرة، ومنصات البث التدفقي التي لا تزال تفيد من نقص كبير في الضوابط التشريعية الناظمة لعملها.
ولهذه الغاية، سيتعين على خدمات البث التدفقي مثل “نتفليكس” احترام موجبات الاستثمار في الإنتاج كما الحال منذ عقود مع القنوات الفرنسية. وهذا الأمر ممكن بفضل مذكرة أوروبية لإدارة قطاع المرئي والمسموع سمح هذا التعديل بالاعتماد عليها.
ويمكن في فرنسا منح سبعة تصاريح فقط للبث على الموجات الأرضية للمجموعة التلفزيونية نفسها. ونظرا إلى أن مجموعة “أم 6” تملك حاليا خمسة ترددات، فإن استحواذ “تي.أف 1” التي تملك أيضا خمس قنوات يفرض بالتالي بيع ثلاث قنوات.
وستحتفظ “أر.تي.أل غروب” بـ16 في المئة من الرأسمال وتعمل بالتنسيق مع “بويغ”، على أن تكون حصة الشريكين 46 في المئة من الكيان المندمج المستقبلي. وستدفع “بويغ” 641 مليون يورو لإتمام الصفقة.
وستكون موافقة سلطات مكافحة الاحتكار على الصفقة حاسمة في إتمامها. لكن من غير المتوقع أن تنجز هذه العملية قبل نهاية 2022. فاندماج الشبكتين اللتين تحتلان المرتبتين الأولى والثالثة سيؤدي إلى ولادة مجموعة تلفزيونية عملاقة يفوق عدد مشاهديها جمهور مجموعة “فرانس.تي.في” بنسبة 30 في المئة، وتستقطب ثلاثة أرباع سوق الإعلان على وسائل الإعلام.
وفي ما يتعلق بسوق الأوراق المالية، يمنع القانون الفرنسي المساهم من امتلاك أكثر من 49 في المئة من مجموعة تلفزيونية.
