مؤتمر دولي لتجنيب لبنان أزمة إنسانية في ظل يأس من قواه السياسية

دبلوماسي غربي: فرنسا تلجأ إلى هذه المؤتمرات عندما لا تجد خطة بديلة.
الخميس 2020/12/03
كاهل اللبنانيين مثقل

حرصت باريس على عقد المؤتمر الدولي الذي وعدت به اللبنانيين، رغم حالة الإحباط واليأس من النخبة السياسية في هذا البلد. وأقر المؤتمر جملة من المساعدات لكنها لن تذهب إلى أيدي القوى المتحكمة في المشهد اللبناني طالما أنها مستمرة في المماطلة لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة.

باريس - احتضنت باريس مساء الأربعاء مؤتمرا دوليا لدعم لبنان، شاركت فيه مجموعة من الدول والمنظمات بينها الأمم المتحدة عبر تقنية الفيديو. ويشكل المؤتمر محاولة لمساعدة لبنان وتجنيبه أزمة إنسانية تلوح في الأفق.

وتواجه خزينة الدولة حالة استنزاف حادة، وسط إمكانية كبيرة لأن يضطر المصرف المركزي اللبناني إلى رفع الدعم عن السلع الأساسية خلال الأشهر القليلة المقبلة، وهو ما أكده حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في وقت سابق، وبالتالي سيكون على اللبنانيين الحصول على بطاقات تموينية، أسوة بدول عايشت توترات وحروبا وحصارا على غرار العراق في تسعينات القرن الماضي.

ويقول مراقبون إن باريس حرصت على إنجاح هذا المؤتمر رغم شعورها المتعاظم بالإحباط من النخبة السياسية اللبنانية، في ظل إدراكها لحجم الخطر الذي يتهدد البلد، وترى بأنها مجبرة على إبقائه على السطح. ولن تصل المساعدات التي أقرت خلال المؤتمر إلى السلطة اللبنانية بل ستوزع مباشرة على السكان.

وبعد أربعة أشهر من الانفجار الهائل الذي أودى بحياة أكثر من 200 شخص ودمر مساحات شاسعة من العاصمة بيروت، لم يقترب لبنان من تشكيل حكومة ذات مصداقية للنهوض بإصلاحات في الدولة المفلسة رغم الجهود الفرنسية لإقناع السياسيين بتنفيذ إصلاحات جزئية لمواجهة حالة الطوارئ.

وبدأ صبر فرنسا والولايات المتحدة والعديد من المانحين الآخرين ينفد مع الزعماء السياسيين والكثير منهم من الوجوه المألوفة التي تولت مناصب رسمية خلال انزلاق البلاد إلى الأزمة الاقتصادية. وقدم المانحون يد العون للسلطة اللبنانية مرارا منذ الحرب الأهلية التي دارت بين 1975 و1990، بيد أنه لم يعد لديهم أي حافز للمضي قدما في هذا المسار نتيجة غياب الإرادة السياسية للقيام بالإصلاحات المطلوبة.

إيمانويل ماكرون: تأسيس صندوق لتقديم المساعدات الإنسانية إلى لبنان
إيمانويل ماكرون: تأسيس صندوق لتقديم المساعدات الإنسانية إلى لبنان

وقال مسؤول في الرئاسة الفرنسية في إفادة صحافية قبيل انطلاق المؤتمر إنه لن يتم تقديم دعم مالي دولي للبنان حتى تشكيل حكومة، وحذر من أن التدقيق في حسابات مصرف لبنان المركزي أصبح أكثر إلحاحا من أي وقت مضى.

وأضاف المسؤول “تحتاج إلى الثقة من أجل اقتراض أو إقراض المال، والثقة ليست موجودة.. وسنظل هكذا ما دامت لا توجد حكومة ذات مصداقية”.

وتابع المسؤول قائلا إنه لم تُنفذ أي إجراءات بموجب خارطة الطريق الفرنسية المقترحة لمساعدة هذا البلد. وقال “ما لدينا من معلومات يفيد بأن الوضع يزداد سوءا ويتجه نحو مشاكل أسوأ وهذا يزيد من أهمية إجراء تدقيق حقيقي (في حسابات المصرف المركزي)”.

وأفاد بأن القوى العالمية ستواصل ممارسة ضغوط سياسية على الساسة في لبنان، لكنه شكك في فعالية العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة واستهدفت حلفاء لحزب الله المدعوم من إيران.

وأوضح “إنها (العقوبات الأميركية) لم تغيّر شيئا على أرض الواقع. نحتاج إلى مواصلة فرض حملة من الضغوط السياسية العامة، فيما ندعم الشعب”.

وبذل ماكرون جهودا كبيرة في محاولة لكسر الجمود الجاري على مستوى تشكيل حكومة اختصاصيين ذات مصداقية في لبنان، بيد أن جهوده قوبلت بتعنّت القوى السياسية ولاسيما المتحكمين في المشهد حزب الله وحليفه التيار الوطني الحر.

وكان للعقوبات الأميركية التي فرضت على رئيس التيار الوطني الحر ووزير السابق جبران باسيل التأثير السلبي لجهة تصلّب الأخير ورفضه الإفراج عن التشكيل الحكومي بدعم من حليفه حزب الله من خلال فرض شروط مجحفة على رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري.

وسبق وأن هدد ماكرون بفرض عقوبات على سياسيي لبنان في حال بقيت حالة الاستعصاء، لكنّ مراقبين يرون أنه لا يبدو متحمسا في واقع الأمر لهذه الخطوة على الأقل على المدى المنظور.

وقال دبلوماسيون إنه من المقرر أن ماكرون يزور القوات الفرنسية العاملة في إطار مهمة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة في لبنان في 20 ديسمبر تقريبا.

وجمع مؤتمر مماثل في أغسطس ما يقرب من 253 مليون يورو (298 مليون دولار) من التعهدات. وقال دبلوماسي غربي “تنظم فرنسا المؤتمرات دائما عندما لا تكون هناك خطة بديلة” واستبعد أن يتطور الوضع في لبنان قبل أن تتولى الإدارة الأميركية الجديدة عملها.

ويعتقد كثيرون أن من الدوافع الأساسية التي تحول دون تشكيل حكومة جديدة في لبنان تتولى الإصلاحات هو انتظار القوى المسيطرة على المشهد وصول الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة الديمقراطي جو بايدن.

وتأمل هذه القوى لاسيما حزب الله والتيار الوطني الحر في حدوث تغيير في طريقة التعاطي الأميركي ربما قد لا يحصل أبدا.

2