مؤتمر إعادة إعمار درنة يعقد على وقع الانقسامات

بنغازي (ليبيا) - يستعد شرق ليبيا لاحتضان المؤتمر الدولي لإعادة إعمار مناطق درنة والجبل الأخضر المتضررة من سيول فيضانات العاشر من سبتمبر الماضي، والذي سينعقد يومي الأول والثاني من نوفمبر القادم بحضور عدد من كبار المسؤولين المحليين والوفود الأجنبية.
وينتظر أن ينعقد المؤتمر في ظل الانقسامات الحكومية والسياسية والاجتماعية التي تعرفها البلاد، واتساع دائرة الخلافات القائمة حول جملة الملفات العالقة ومنها ملف الانتخابات، وتبادل التهم حول عدد من القضايا المهمة ذات الصلة بالأمن والسيادة الوطنية وتوزيع الثروة.
وتسعى السلطات الليبية في شرق البلاد إلى الحصول على منح وقروض لتمويل إعادة الإعمار التي تصل تكاليفها إلى ملياري دولار أميركي وفق تصريح وزير الاستثمار في الحكومة المكلفة من مجلس النواب الليبي علي السعيدي الذي أكد أن بلاده تحتاج المساعدة بالخبرات والكفاءات لإتمام المهمة بسرعة.
حالة الانقسام لا تزال تؤثر بقوة على أي مشروع لإعادة الإعمار، وهو ما نبه إليه المبعوث الأممي عبدالله باتيلي
وأكدت أوساط مطلعة أن اشغال اليوم الأول للمؤتمر ستنعقد في مدينة درنة فيما تنعقد أشغال اليوم الثاني في مدينة بنغازي برعاية الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب والقيادة العامة للجيش.
وكان مجلس النواب قال إنه خصص 1.9 مليار يورو لإعادة الإعمار، دون أن يحدد كيفية صرف هذه الأموال، فيما أقرت حكومة الوحدة الوطنية تخصيص نحو 18 مليون يورو لصيانة المدارس المتضررة من الفيضانات في درنة والجبل الأخضر، وأقر رئيسها عبدالحميد الدبيبة تخصيص مبلغ 2 مليار دينار (385 مليون يورو)، لصالح صندوق إعمار مدينتي بنغازي ودرنة، بهدف تمويل خطة إعادة إعمار البلديات المنكوبة.
وأوضحت الحكومة الليبية المنبثقة عن مجلس النواب أن اللجنة التحضيرية العليا للمؤتمر الدولي قامت بزيارة تفقدية الجمعة الماضي إلى مدينة درنة، للاطلاع على سير العمل ومتابعة آخر التجهيزات والاستعدادات لعقد المؤتمر، حيث أبدت بعض الملاحظات بالخصوص، كما أكدت على ضرورة توفير بعض الأمور اللوجستية المهمة.
ومن المنتظر أن يتميز المؤتمر بحضور كل من رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس الحكومة المنبثقة عن المجلس أسامة حماد، والمبعوث الأممي عبدالله باتيلي، وممثلين عن قيادة الجيش وعدد من السفراء العرب والأجانب. واستبعد المراقبون حضور ممثلين عن حكومة الوحدة الوطنية نتيجة تفاقم حالة الصراع السياسي والسجال الإعلامي بينها وبين سلطات المنطقة الشرقية.
وكانت الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب قد أعلنت عن تنظيم مؤتمر دولي لإعادة إعمار درنة في 10 أكتوبر قبل أن تضطر إلى تأجيله حتى مطلع نوفمبر، وقالت إنها قامت بتقييم الأضرار ومبالغ التعويضات المقرر دفعها للضحايا، وتابعت أنها أعطت “الموافقة على إنشاء صندوق إعادة إعمار مدينة درنة والمناطق المتضررة” مردفة أن الباب «سيفتح أمام الشركات العالمية لتقديم أفضل التصاميم الملائمة لطبيعة وتضاريس المدينة».
وفي سياق الاستعدادات المكثفة للمؤتمر، عقدت اللجنة التحضيرية ورشة عمل بعنوان «مشاركة الخبرات الوطنية والدولية في خطة منهجية مدروسة لإعادة إعمار درنة والمدن والمناطق المتضررة»، دعت من خلالها عمداء 17 بلدية متضررة إلى تحديد متطلباتها واحتياجاتها لتلبية خطة الإعمار المقترحة.
وبحسب متابعين للشأن الليبي، فإن حالة الانقسام لا تزال تؤثر بقوة على أيّ مشروع لإعادة الإعمار، وهو ما نبّه إليه مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا عبدالله باتيلي، بقوله إنه يشعر بالقلق إزاء ”المبادرات الأحادية والمتنافسة“ من جانب المؤسسات الليبية لإعادة بناء درنة، مشيرا إلى أن “الجهود الأحادية تؤدي إلى نتائج عكسية وتعمق الانقسامات القائمة في البلاد وتعرقل جهود إعادة الإعمار وتتعارض مع تدفق التضامن والدعم والوحدة الوطنية التي أظهرها الشعب الليبي”.
وبيّن باتيلي أن قلقا كبيرا يساوره إزاء الانقسام الحاصل بين القيادات في ليبيا حول إعادة إعمار مدينة درنة وضواحيها. فالقيادات ما تزال حتى اللحظة تتصارع وتتزاحم على من ستكون له السلطة الحصرية على جهود إعادة الإعمار، وفق تقديره، مشيرا إلى أن هناك مبادرات مختلفة من شرق البلاد وغربها بهذا الخصوص.
ولفت المبعوث الأممي خلال إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن أن غالبية الشركاء الدوليين أعربوا عن استعدادهم لدعم مثل هذه الآلية الوطنية كأداة للشفافية والمساءلة والكفاءة، مردفا أن المبادرات التي تفتقر للتنسيق قد تسبب المزيد من خيبات الأمل لأهالي درنة وللشعب الليبي الذي يتوق لتعافٍ عاجل وإعادة إعمار فاعلة للمناطق المنكوبة.
مجلس النواب خصص 1.9 مليار يورو لإعادة الإعمار، دون أن يحدد كيفية صرف هذه الأموال، فيما أقرت حكومة الوحدة الوطنية تخصيص نحو 18 مليون يورو لصيانة المدارس المتضررة من الفيضانات
جاء هذا الموقف في سياق السجال الحاد الذي تعرفه منابر سياسية وإعلامية ونقاشات للأحزاب السياسة ومنظمات المجتمع المدني حول ظاهرة الفساد الذي يسيطر على المشهد العام في البلاد، والذي أدى إلى كارثة درنة عندما تسببت ظواهر الإهمال وعدم المسؤولية إلى انهيار السدين الرئيسيين بالمدينة، بما أدى إلى سقوط الآلاف من القتلى.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، فقد تم تأكيد 4255 حالة وفاة بسبب الفيضانات، في حين لا يزال 8540 شخصا في عداد المفقودين، وهو ما يرجح ارتفاع أعداد القتلى بشكل كارثي لم يسبق للبلاد أن عرفته في تاريخها الحديث.
وقد حذر رئيس المجلس الرئاسي من التورط في الفساد، حيث أكد أن آلية تنفيذ إعادة الإعمار تتطلب تعزيز الشفافية والإفصاح المنتهج والتعاون مع المؤسسات الدولية، وشدد على أنه لن يسمح بأن يتحول إعمار المناطق المنكوبة إلى فرصة للمتجاوزين والمعرقلين لأيّ مشاريع.
وتابع المنفي أنه أصبح من الضروري إنشاء آلية وطنية للإشراف وتنفيذ برنامج الإعمار لتلك المناطق، وألا يقع المتضررون ضحية لأنانية البعض تجاه مصالحهم الشخصية وعدم شعورهم بمعاناة الشعب.
بدوره، اعتبر الدبيبة أن إعادة إعمار درنة وفق رؤية حكومته لا مجال ولا مكان فيه للتجاذبات السياسية والانتهازيين، لافتا إلى أن مشاريع عودة الحياة التي أطلقتها حكومته ستستمر في مختلف مناطق البلاد ومدنها دون استثناء رغم كل العراقيل والصعوبات. مؤكدا أن حكومته بكافة وزرائها ومؤسساتها وأجهزتها التنفيذية اتجهت دوماً نحو خدمة المواطن في شتى المجالات.
ويخشى محللون سياسيون أن يتأثر مؤتمر إعادة إعمار درنة بالأوضاع الإقليمية ولاسيما في ظل حرب غزة، حيث أن أنظار العالم وبخاصة دول المنطقة تتجه إلى المواجهة المفتوحة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية في ظل مخاوف جدية من اتساع دائرة الصراع.