ليس صحيحا أن الأطفال ابتعدوا عن الكتب

الانتقال أحيانا بين مختلف الأجناس الأدبية يكون بمثابة البحث عن النَفَس، أو محاولة لإشباع جزء منها.
الثلاثاء 2021/09/21
الكاتب مسؤول اجتماعيا

للكاتبة العُمانية وفاء الشامسي أعمال عديدة في مجال الكتابة الإبداعية سواء في الشعر أو السرد وخاصة في قصص الأطفال، إضافة إلى المسرح والدراما، مرورا بالمشاركات العلمية الدولية المُحكَمة، كما أشرفت على تنفيذ مجموعة من المشاريع الثقافية والأدبية على مستوى السلطنة على المستويين الرسمي والخاص، ما جعلها تخطّ تجربة أدبية متنوعة المشارب نتعرّف على أبرز ملامحها في هذا الحوار معها.

مسقط- يتجسّد النتاج الأدبي للكاتبة وفاء الشامسي في حضور التنوُّع بين الشعر والسرد، مرورا بالتخصص في أدب الطفل واليافعين، والمتتبّع لأعمالها الأدبية سيقفُ بداية حيثُ أدب الطفل، فقد شاركت في الاشتغال على “برنامج افتح يا سمسم”، وكتبتْ لصالح مؤسسة “بيرسون” العالمية المتخصصة في إنتاج كتب الأطفال، ولها أكثر من 150 قصة ما بين المنشورة ورقيا أو المُنفّذة صوتيا، أو تم تقديمها في برامج إذاعية وتلفزيونية محليا وخليجيا.

الحديث عن الأدب ومقتضياته مع الشامسي قد يبدو متداخلا، ولكن في النهاية ثمة تقاطع للأفكار؛ فهي  تنطلق من مبدأ أنّ اليد الواحدة لا تصفّق، ونجاح الآخر هو نجاح لها؛ لذلك هي تعمل بقدر ما تستطيع على تعزيز ثقافة الطفل، وتمكين الكتابة في هذا المجال، بحسب تعبيرها.

الكتابة للأطفال

مارست الدكتورة الشامسي الكتابة في مجالات الشعر والمسرح وأدب الطفل، وهنا تُعلّق على وجود ذاتها الإبداعية في تلك المجالات وتُشير إلى أنّ أدب الطفل هو الأقرب إليها. وتُضيف “الانتقال أحيانا بين مختلف الأجناس يكون بمثابة البحث عن النَفَس، أو محاولة لإشباع جزء منها، أو إرضاء الذات التي تُجبرك على الإنتاج في مجال بعينه”.

الطفل ما زال يُمسك بالكتاب الورقي رغم دخول الكتاب الإلكتروني

وتتابع “بعد رحلة ليست بالقصيرة، ومغامرات جمعتني بالشعر والقصّة والمسرح، وجدت أني أميل أكثر إلى أدب الطفل، بغض النظر عن استمراريتي في كتابة الشعر والنصوص المسرحية الموجهة للكبار؛ فأدب الطفل كان يستحق مني أن أصقل مهاراتي بداية، وأن أتمكّن من فنّياته المختلفة لأبدأ فيه فعليا بداية حقيقية وقوية تستند إلى قاعدة متينة. صحيحٌ أنني كتبت للأطفال شعرا ومسرحا، ولكن لم أخرج من الإطار التقليدي إلى الإطار الإبداعي إلا بعد أن وجدت نفسي قادرة على التعاطي والتماهي مع هذا المجال”.

وحول طغيان حضور وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف توجهاتها، إلى أن أصبح جيل الأطفال الحالي بعيدا عن الكتاب الورقي، توضح الشامسي بقولها “لا أعتقد أنّ الابتعاد مصطلح دقيق لاستعماله هنا؛ إذ نرى من واقع الحال أنّ الطفل ما زال يُمسك بالكتاب الورقي رغم دخول الكتاب الإلكتروني وانتشار التطبيقات الذكية التي تُتيح فسحة كبيرة من الخيارات، والانتقاءات المتنوعة، والمصحوبة بطريقة عرض مبتكرة؛ فالإنسان بطبيعته يحب التعامل مع المادة الموجودة بين يديه، والطفل خصوصا يستمتع بالكتاب الورقي أكثر من الكتاب الإلكتروني”.

وتضيف الكاتبة “مع التطوُّر التقني وملاحقة الثورة الصناعية الرابعة ورغبة الجميع في أن يشهدوا نقلة نوعية في ما يتعلق بوسائل التعلم والمعرفة الموجهة للطفل، إلا أنني أعتقد أن الكتاب الورقي سيبقى ذا حظوة مميّزة بين يدي الأطفال والكبار، خصوصا مع وجود مناصرين للكتاب الورقي، ومع ما أثبتته الدراسات من أهمية ذلك، وخطورة قضاء الطفل وقتا كبيرا أمام الأجهزة الذكية”.

وحول ما إذا واكب المختصون في أدب الطفل التقنيات الحديثة الموجهة للطفل تُشير الشامسي إلى أنّه من خلال ما تمت مشاهدته في الفترة الأخيرة، وتحت وطأة جائحة كورونا؛ توجّه الكثير من المتخصصين في صناعة ثقافة الطفل إلى توظيف التكنولوجيا ومعطياتها في دمج أدب الطفل بشكل أكبر بهذه التقنيات، وتؤكد بقولها “ظهر هذا جليّا من خلال التوسع في ما تقدّمه التطبيقات الذكية للأطفال، وانتشار قنوات التواصل الإلكترونية، واستثمار منصات التفاعل الاجتماعي للوصول إلى الطفل، وتقديم مادة مناسبة له عبر الفضاء الإلكتروني، لكننا في حقيقة الأمر ما زلنا بحاجة إلى الكثير من الدربة والمهارة للتمكّن من الإبداع في تقديم ما يناسب الطفل، وتجويد ما يُعرض له”.

للكاتبة وفاء الشامسي العديد من الجوائز آخرها جائزة أدب الدولة القطرية في مجال تأليف النص المسرحي للأطفال عام 2020، وهنا تتحدّث الشامسي عن مدى إسهام مثل هذه الجوائز في دعم الأديب، موضحة ذلك بقولها “من وجهة نظري الشخصية فإن الداعم الأول للأديب هي منافسته مع ذاته ليكون في كل خطوة أفضل من السابقة، ولا أُنكر طبعا ما للجوائز من دعم على المستويين المعنوي والمادي للفائز، والفوز في أي جائزة هو تأكيد على مهارة الأديب، وعمق طرحه، وتميُّزه في معالجته للفكرة وتقديمها في قالب أدبي أصيل”.

وتتابع الكاتبة العمانية “كما أنّ الفوز يقدِّم الأديب للآخرين، وبالتالي تُصبح مساحة معارفه واسعة، وهذا ما يحمّله مسؤولية أكبر تجاه جمهوره، وتجاه ما يبدعه من نصوص. ولا شك في أن المسابقات تعدّ حافزا أيضا لإنتاج المزيد من النصوص بمعايير ذات جودة عالية، وهذا له كبير الأثر في دعم الحراك الثقافي، ورفد المكتبة العربية بكل ما هو متميّز ومبدع سواء أكان للطفل أم لغيره من الكبار”.

مبادرات ثقافية

أدب الطفل

قد يكون للمبادرات التطوعية وقعٌ خاص في حياة الكاتب، وللشامسي مجموعة من المبادرات الثقافية المدنية نجحت في تحقيق أهدافها، وهنا تُشير إليها “أبرز المبادرات الثقافية التي بدأتها كان ‘صالون مساءات ثقافية’ الذي دُشِّن بمناسبة يوم المرأة العُمانية في العام 2012، وقد قام بناءً على دراسة مسحية استغرقت شهرين في محافظة البريمي؛ نظرًا إلى الموقع الجغرافي، وبُعد المحافظة عن العاصمة مسقط، وأيضًا قلة حظها في الفعاليات والبرامج التي تُنظّم من خلال المؤسسات المعنية بالثقافة في تلك الفترة، وتمركز الفعاليات في العاصمة”.

وتضيف “كان لا بدّ من خطوة جريئة لتنظيم مبادرة أهلية تُعنى بالأقلام النسوية، من هنا انطلق ‘صالون مساءات ثقافية’ الذي كان يعقد جلساته كل يوم أربعاء، وتنوّعت بين جلسات القراءات الأدبية، والورش التدريبية، وبرامج الأطفال وغيرها، وكان له السبق في تأسيس المعسكرات القرائية، وتوزيع المكتبات العامة في قاعات الانتظار في المؤسسات الخدمية، إضافة إلى مشروع عُنِيَ بتوزيع ما يقارب من خمسين مكتبة على أطفال من عائلات ذات دخل محدود، إذ احتوت كل مكتبة على ما يربو عن ثلاثين إصدارا متنوعا للأطفال”.

قدَّم الصالون نقلة ثقافية مهمة للمحافظة، وكانت له مشاركات متنوعة في معرض مسقط الدولي للكتاب، سواء أكان ذلك على مستوى التنظيم أو التقديم. وتلفت الكاتبة إلى أنه مع ظهور مبادرات ثقافية أخرى في المحافظة، توجه الصالون إلى المساحة الرقمية من خلال تقديم قراءات، وتغطيات ثقافية متنوعة في قناة اليوتيوب أو صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة به، والتي تمركزت حول أدب الطفل مؤخرًا.

وقد حقق الصالون مراكز متقدمة عدة؛ فقد حصد المركز الثاني في جائزة المبادرات المجتمعية الثقافية في معرض مسقط الدولي للكتاب لعام 2017، وفق ما تذكر الشامسي، وحصل على المركز الأول في مسابقة المبادرات الثقافية الإلكترونية التي نظمها النادي الثقافي عام 2018، وحصل على الوسام الذهبي من الشارقة.

للكاتبة وفاء الشامسي العديد من الجوائز آخرها جائزة أدب الدولة القطرية في مجال تأليف النص المسرحي للأطفال عام 2020

وتُضيف الشامسي في شأن المبادرات الثقافية المدنية “تلا ذلك منصة ‘FW’ لتنمية الإبداع، وهي منصة تطوعية لتقديم الخدمات التدريبية في مجالي الكتابة الإبداعية المرتبطة بالأطفال والمربين والمهتمين بطرقٍ تواكب لغة العصر الافتراضية وتدريب الأشخاص المحيطين به وتمكينهم وصقل مهاراتهم سواء أكان هذا الشخص أبا أو أمّا أو كاتبا أو رساما أو تربويا مهتما بتطوير قدراته في رعاية الطفولة. وفكرة المنصة تقوم على تقديم المعرفة عن بُعد، ومشاركة الجمهور في توفير مساحة من التواصل والتفاعل متجاوزين فيه البُعدين الجغرافي والزمني”.

وقد جاء هذا المشروع، كما توضح الشامسي، كإحدى المبادرات التي اعتادت القيام بها، وتنفيذها مع المدرّبة والباحثة فاطمة الزعابي، إذ تقول “لإيماننا بالمسؤولية المجتمعية، ورغبتنا في توظيف ما اكتسبناه من معرفة في تمكين الآخرين وإعدادهم لتحقيق ثقافة طفليّة أصيلة؛ فقد سعينا لتوحيد الجهود وتعزيز المعرفة”.

تختتم وفاء الشامسي تطوافها في هذا السياق الأدبي وهنا تُشير إلى أدب الطفل العُماني، وموقعه ومكانته في الساحة الثقافية، وتقول “لا يخفى على أحد من خلال تتبعه لواقع أدب الطفل العُماني ما يلقاه من اهتمام واسعٍ على مستوى الكتّاب والمهتمين والمتخصصين، وليس أدلّ على ذلك من وفرة الإصدارات وتنوّعها، إضافة إلى ما يُضاف سنويا إلى رصيد الإصدارات العُمانية في هذا المجال لدى دور النشر الخليجية والإقليمية، ومشاركة الرسّام العُماني في رسم كثير من قصص الأطفال على المستوى الإقليمي”.

وفاء الشامسي: أميل أكثر إلى أدب الطفل، بغض النظر عن استمراريتي في كتابة الشعر والنصوص المسرحية الموجهة للكبار

 

15