ليست لدينا خطة بديلة

السبت 2016/06/25

“بدلا من تقاسم الأعباء يتم إغلاق الحدود، وبدلا من الإرادة السياسية هناك شلل سياسي”، هذه الكلمات التي صرح بها المفوض السامي لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة، تختصر الكثير من العبارات الرنّانة لمسؤولين فقدوا الشعور بالمسؤولية، ولم تتبق لديهم سوى خطب بليدة تتطفل على مسامعنا كل يوم مرفقة بصور معاناة لاجئين، فقدوا الأمل في العودة إلى ديارهم وفقدوا الأمل في الوصول إلى أوطان بديلة لا يضطرون فيها إلى إراقة دمائهم وكرامتهم، من أجل الحصول على لقمة عيش وسقف.

وفقا للمفوضية ومع نهاية العام 2015، فإن واحدا من بين 113 شخصا في العالم نازح داخل بلده أو طالب للجوء في بلد آخر، بمعنى 65.3 مليون لاجئ ونازح. هذا الرقم المخيف يعني أن الصراعات والحروب باتت تشكل الملامح الحقيقية لوجه هذا العالم القبيح، الملامح التي لا يمكن تجميلها بمحاولات قد تبدو ساذجة تدور في قاعات ومؤتمرات تجتمع حول طاولاتها وجوه غير مبالية تتبادل ابتسامات المجاملة وأكواب الشاي في اللحظات ذاتها التي يموت فيها لاجئ فقد معركته الأخيرة وسلّم سلاحه للجوع أو البرد بعد شهور أو سنوات من الإهمال خلف أسلاك معسكر لاجئين يقف خلفها حراس بأحداق زجاجية لا تحرّك إنسانيتهم مشاهد الموت التي يفصلهم عنها جدار الصدفة؛ الجدار الشائك بين الحياة والموت.

يمثل الأطفال أكثر من نصف النازحين في العالم، وهذا يعني أن المستقبل هو الآخر سيكون محاصرا في خيام اللجوء إلى أجل غير مسمّى. الخيام، أيضا، باتت حلما للعديد من العائلات التي تضطر إلى المبيت في العراء تحت رحمة صيف تتأرجح فيه درجات الحرارة بين 48 و53، كما يحدث مع نازحين في سوريا والعراق، وهم يشكلون نسبة كبيرة من الرقم العالمي المخيف، فيما يحاول مئات الآلاف من المهاجرين الذين نجحوا في عبور بحر إيجة في قوارب الموت، طلب اللجوء والوصول إلى الطرف الثاني من الحياة التي سمعوا عنها كثيرا ولم يصادفوها، لكن من دون جدوى، حيث رفضت طلبات العديد منهم، حتى وصلت محاولات الانتحار إلى 6 محاولات يوميا، بحسب سجل التقارير اليومية في مراكز الاحتجاز.

هذه الإحصاءات كانت صورا مرفقة على هامش إحياء اليوم العالمي للاجئين، الذي يعد فرصة لتكثيف عمل مراكز الإحصاءات الدولية وذرف دموع التماسيح وإعداد الخطب المطولة، وتوفير عدد أكبر من الخيام لستر أخطاء الساسة وتكفين ما تبقى من ضمائرهم.

يصف بعض النقاد الأمم المتحدة بأنها مجرد “منبر خطابة”، وربما كانوا محقين في ذلك، فقد عبّر بان كي مون مرة عن مشاعره أثناء زيارة له إلى إحدى المناطق المنكوبة في العالم، بالقول “لقد خانتني الكلمات، وأنا أستمع إلى هذه المآسي المروعة. ولكن إذا كان يصعب عليّ التعبير عن البعد الكامل لمشاعري، فإني لا أتردد في إطلاق العنان لغضبي!”.

الأمين العام للأمم المتحدة، الذي ستنتهي خدمته قريبا بعد سنوات طويلة من عمر وظيفته الفخرية، لم يجد في النهاية ما يقوله إزاء ما يحدث في هذا العالم المجنون، سوى بضعة كلمات “إذا لم نستطع السباحة معا سنغرق بالتأكيد، ليست هناك خطة بديلة كما أنه لا يمكن أن يكون لدينا كوكب بديل”.

ليست هناك خطة بديلة بالتأكيد، فمعاناة اللاجئين تزداد بمرور الأيام والأمين العام لا يفوّت فرصة ولا زيارة تفقدية لضحايا الحروب والإرهاب من دون أن “يعرب عن قلقه” والقلق اضطراب نفسي يجعّل من صاحبه في حالة ترقب مستمر وخوف وتوقع لحدوث أمر مخيف أو مفاجئ أو غير سار. يا لها من مهنة شاقة.

كاتبة عراقية مقيمة في لندن

21