ليبيا تغيّر عملتها لحل أزمة السيولة والأوراق النقدية المزورة

البنك المركزي يخطط لتحسين البنية التحتية للقطاع المصرفي بما يحقق التوسع في خدمات الدفع الإلكتروني.
الجمعة 2024/12/06
حملة شاملة لتعديل بوصلة الاقتصاد

تخوض السلطات النقدية في ليبيا جولة أخرى من معركة طويلة لتصحيح الأوضاع المالية من خلال حلّ أزمة السيولة المزمنة من بوابة استبدال العملة الحالية بأخرى جديدة، إضافة إلى شن حملة لتجفيف الأسواق من الأوراق النقدية المزورة التي تضر بالأسواق والاقتصاد عموما.

تونس - تستعد ليبيا لتغيير عملتها بداية من عام 2025 من أجل تجاوز أزمتها المالية المستفحلة وخاصة من حيث شح السيولة وانتشار الأوراق النقدية المزورة والموازية، ضمن خطة كشفت عنها السلطات النقدية قبل أيام.

وأعلن مصرف ليبيا المركزي عن قراره بطباعة 30 مليار دينار (6.15 مليار دولار) لتعويض العملة القديمة المتداولة حاليا، وهو ما يعادل 6 مليارات دولار، مؤكدا في بيان أنه سيتم سحب النقود المتداولة حاليا “بشكل سلس وفق مخطط زمني تم إدراجه مسبقا.”

وحظيت هذه الخطة بإشادة من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، اللذان لطالما طالبا المسؤولين الليبيين بمعالجة الأوضاع المالية للبلد النفطي العضو في منظمة أوبك.

ناجي عيسى: القرار يهدف إلى تعزيز الشفافية وتطويق السوق الموازية
ناجي عيسى: القرار يهدف إلى تعزيز الشفافية وتطويق السوق الموازية

ويشير متابعون الى أن هذا القرار تم بضوء أخضر من الولايات المتحدة ودعم من الصناديق المالية الدولية الكبرى، لاسيما بعد سلسلة اجتماعات عقدها محافظ المركزي الليبي في واشنطن وتونس مع مسؤولين أميركيين وخبراء دوليين.

ومنذ أكتوبر الماضي، عرضت الولايات المتحدة المساعدة الفنية لتعزيز الشفافية في معاملات مصرف ليبيا المركزي، وذلك بعد تعيين عيسى محافظا للمركزي خلفا للصديق الكبير.

وتعليقا على الخطوة، قال الخبير الاقتصادي الليبي علي الصلح أن تعاقد المركزي، على طباعة هذه الكمية من الدنانير، لتغيير العملة المحلية، “يعتبر إجراء متوقعا” من مجلس إدارة المصرف.

وأوضح أن هذا الإجراء يحدث حين تحاول السياسة النقدية تنشيط الاقتصاد، أو إعادة دورة النقود إلى البنوك العاملة في البلاد، أو معالجة فئة من النقود لكثرة استخدامها.

ولفت الصلح إلى أن هذه العملية تستهدف عادة فئة العملة الأكثر تداولا خارج النظام المصرفي، لتحديد حجم النقود المتداولة، وتوفير قاعدة جديدة للسيولة.

وبحسب المركزي، فإن العملة الجديدة ستطبع وتوزع للتداول بغرض حل أزمة نقص السيولة النقدية، وأوضح محافظ المصرف ناجي عيسى أن اتخاذ هذا الإجراء جاء بعد اجتماعات متتالية بغرض الوقوف على خطة المصرف تجاه حل مشكلة شُح السيولة النقدية.

وشدد عيسى أثناء اجتماع عقده الأحد الماضي مع مجلس إدارة المصرف على ضرورة تحسين البنى التحتية للبنوك وتطويرها بما يحقق التوسع في خدمات الدفع الإلكتروني وفق الخطة التي تم إعدادها.

وأوضح أن الهدف من قرار تغيير العملة الليبية هو حل أزمة السيولة ومحاربة التزييف، مشيرا إلى أن العملات القديمة عرضة للتلف والتزوير مع مرور الزمن، الأمر الذي يتطلب استبدالها بعملات جديدة تتماشى مع التقنيات الحديثة.

6.15

مليار دولار حجم النقود التي سيطبعها مصرف ليبيا المركزي بداية من شهر يناير المقبل

وقال عيسى إن هذا القرار تستخدمه الدول أحيانا كوسيلة “لإعادة الثقة في عملاتها أوقات الأزمات الاقتصادية”، فهو يسهم في “تعزيز الشفافية” عبر دفع الاقتصاد غير الرسمي إلى إدراج أمواله في النظام المصرفي وإجبار الأفراد والشركات على استبدال العملات القديمة بأخرى جديدة.

وأبرز أن الجوانب الإيجابية لا تمنع من أن خطوة استبدال العملة مكلفة ومعقدة، وتمثل حزمة من التحديات من بينها الحاجة إلى طباعة وتوزيع العملات الجديدة وسحب وإتلاف العملات القديمة بشكل آمن.

وكشف المصرف في بيان عقب الاجتماع أن سيتم رفع أسقف الدفع الفوري على مستوى الأفراد والتجار ليكون 20 ألف دينار (4100 دولار) للحوالة الواحدة، و100 ألف دينار (20.5 ألف دولار) لعملية الشراء الواحدة.

وعلاوة على ذلك، سيتم لإطلاق خدمة جديدة للتحويل بين الشركات بسقف مليون دينار (حوالي 210 آلاف دولار) للحوالة الواحدة.

وتولى المركزي الإجراءات التي اتخذها لتحديث أطر حوكمة القطاع المصرفي، فضلا عن تقييم أهم مؤشراته المالية، وذلك في الاجتماعات التحضيرية لمشاورات المادة الرابعة مع بعثة خبراء صندوق النقد لعام 2025 التي تحتضنها حاليا العاصمة التونسية لمراجعة الوضع الاقتصادي والمالي للدول الأعضاء.

علي الصلح: الإجراء يحدث حين تحاول السياسة النقدية تنشيط الاقتصاد
علي الصلح: الإجراء يحدث حين تحاول السياسة النقدية تنشيط الاقتصاد

وأوضح المصرف الليبي أن فريقه استعرض خلال اليوم الأول من الاجتماعات، جهوده في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بالإضافة إلى استراتيجيته تجاه تعزيز الشمول المالي.

وفي إطار التحول الرقمي، عرض الفريق خطة تطوير الدفع الإلكتروني في ليبيا، ضمن الخطوات الإستراتيجية التي يعتزم المصرف تنفيذها في المرحلة المقبلة.

وفي يونيو الماضي، رأت الولايات المتحدة أن إغراق ليبيا بالدنانير المزيفة زاد من اضطراب الأسواق المحلية والانشقاق السياسي في ليبيا، وذلك في إشارة إلى فئة الخمسين دينارا التي بدأ المركزي سحبها من الأسواق في أواخر أبريل الماضي.

واعتبرت الإدارة الأميركية أن تعميم الفئات المزيفة من الدينار الليبي زاد من اضطراب الأسواق المحلية، وما زال يزيد من “الانشقاق السياسي” في ليبيا التي تحاول بشق الأنفس الخروج من دوامة أزمة جاثمة على الاقتصاد منذ 2011.

ومع أن إيرادات البلاد من النفط تحوم في المتوسط حول 20 مليار دولار سنويا، لكن تأثيرها لا يظهر جليا على أوضاع الليبيين في ظل تسجيل تراجع واضح في القدرة الشرائية وصعوبة الحصول على مواد أساسية رئيسية وصعوبة الحصول على أموالهم من البنوك.

ويتم تحديد حد أقصى للسحب من نوافذ البنوك وفروعها المنتشرة في البلاد عند ألف دينار (206 دولارات)، وغالبا ما يكون ذلك مرة شهريا.

ويرى الخبراء أن ما فاقم من كآبة الأوضاع العامة لبلد يضم قرابة 7 ملايين نسمة هو تدحرج قيمة العملة المحلية، التي أثرت بشكل واضح على حياة الناس في ظل خلافات سياسية بين الفينة والأخرى تعطل دواليب الدولة وتصيب الأعمال بالشلل.

وبدأت قيمة الدينار في الانخفاض بشكل ملحوظ منذ العام الماضي، ولكنه تراجع بسرعة أكبر مع بداية العام 2024، وهو انخفاض أرجعه محللون إلى ضخ عملات جديدة في شرق ليبيا.

ويبلغ سعر صرف الدولار في السوق الرسمية حاليا 4.87 دينار، بينما يصل سعر اليورو إلى 5.15 دينار، وذلك بحسب منصات تتبع أسعار الصرف العالمية.

وقدر صندوق النقد أن تصل احتياطيات ليبيا من العملة الصعبة بنهاية هذا العام حوالي 88 مليار دولار، وهو مستوى يتجاوز جارتها العضو في أوبك الجزائر والبالغة 72 مليار دولار.

11