ليبيا تتخذ من توطين المهاجرين مدخلا للحرب على المنظمات الإنسانية

السلطات الليبية تتصدى لمخطط توطين المهاجرين الأفارقة على أرضها.
الجمعة 2025/04/04
رفض ليبي لتوطين المهاجرين

أعلنت ليبيا الحرب على المنظمات الدولية غير الحكومية، وأغلقت مقار عدد منها متهمة إياها بالتورط في أنشطة معادية تهدف إلى تنفيذ مشاريع تهدد السيادة الوطنية والهوية الليبية. وقال الناطق الرسمي باسم جهاز الأمن الداخلي التابع لحكومة الوحدة الوطنية سالم غيث إنه تقرر إغلاق مقار 10 منظمات إنسانية دولية بسبب نشاطها الهادف إلى “توطين المهاجرين غير الشرعيين” في البلاد.

وأكد الجهاز اتخاذ إجراءات صارمة ضد عدد من المنظمات الدولية غير الحكومية، متهما إياها بالتورط في أنشطة تهدف إلى توطين المهاجرين غير الشرعيين داخل ليبيا، مستغلةً حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني في البلاد، واعتبر أن هذه المنظمات لا تتمتع بأي حصانة دبلوماسية، وتخضع للقوانين المحلية.

وأوضح جهاز الأمن الداخلي أن مشروع توطين المهاجرين غير الشرعيين داخل البلاد يمثل تهديدًا للديموغرافيا الليبية، وقد سعت دول أوروبية لتحقيق هذا الهدف عبر تمويل مشاريع تنموية ظاهرية، تنفذها منظمات دولية غير حكومية، مؤكداً أن السلطات الليبية مستمرة في جهودها لمكافحة هذه المخططات واتخاذ إجراءات قانونية ضد الجهات المتورطة.

وأفاد غيث بأن الجهاز “رصد نشاطا أجنبيا معاديا يهدف إلى توطين المهاجرين غير الشرعيين وضلوع بعض المنظمات الدولية غير الحكومية في ممارسة هذا النشاط،” لافتا إلى أن “هذه المنظمات غير مشمولة بالحصانة الدبلوماسية وغالبا ما يكون المدراء والقائمون عليها من جنسيات أجنبية، وغالبا من الاتحاد الأوروبي،” واتهم ما أسماه أطرافا أجنبية بالوقوف وراء تلك المنظمات الدولية غير الحكومية من خلال استغلال عدم استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية التي تمر بها ليبيا.

التحقيقات أثبتت تورط المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومنظمة أرض الإنسان الإيطالية في توطين المهاجرين

 وأثبتت التحقيقات تورط المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومنظمة أرض الإنسان الإيطالية في توطين المهاجرين، وكشفت عن قيام بعض المنظمات الدولية بالترويج لأفكار تتعارض مع القيم الدينية تحت غطاء الحريات، فيما قامت منظمة أطباء بلا حدود بتدريب أطباء ليبيين على “الإجهاض الآمن” دون علم السلطات.

وشملت قائمة المنظمات المعنية بقرارات تعليق النشاط وإغلاق المقرات، المنظمة العالمية للإغاثة والمجلس النرويجي للاجئين (NRC) والمجلس الدنماركي للاجئين (DRC)، ومنظمات أطباء بلا حدود وأرض البشر (تير دي زوم) و”أكتد” الفرنسية و”تشيزفي للتعاون والتنمية” و”كير” الألمانية، وغيرها.

وأوضح جهاز الأمن الداخلي أنه “تابع بشكل دقيق تحركات بعض المنظمات الدولية غير الحكومية التي حصلت على تراخيصها من مفوضية المجتمع المدني، إلا أنها تجاوزت نطاق عملها لتنفذ أجندات خارجية تهدف إلى إعادة هندسة التركيبة الديموغرافية لليبيا،” وأكد أنه “رصد تنسيقا بين هذه المنظمات والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين،” معتبرا ذلك “انتهاكا للسيادة الليبية، خاصة أن هذه التحركات تمت دون إذن من السلطات المختصة.”

وأردف أنه “اتخذ إجراءات صارمة ضد عدد من المنظمات الدولية التي ثبت تورطها في هذه الأنشطة،” من بينها “منظمة الإغاثة الدولية، التي اتهمها باستغلال غطاء تقديم الخدمات الصحية لتنفيذ مشروع توطين المهاجرين، عبر التعاون غير القانوني مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ما يشكل مساسا خطيرا بالسيادة الليبية،” كما أعلن “تورط المجلس النرويجي للاجئين، الذي قدم دعما ماليا وعينيا للمهاجرين غير الشرعيين، دون علم السلطات الليبية، في مخالفة صريحة للقوانين المحلية،” مبرزا أن منظمة أرض الإنسان الإيطالية “استخدمت أنظمة مالية إلكترونية لتمويل المهاجرين غير الشرعيين، وتوظيفهم في قطاعات حساسة كالصحة والتعليم، رغم عدم امتلاكهم تصاريح إقامة رسمية.”

وحذرت السلطات الأمنية الليبية من إمكانية حصول أحداث دموية غير مسبوقة في حال تكرار ما شهدته تونس بين لاجئين أفارقة غير شرعيين ومواطنين تونسيين على أرض ليبيا بسبب انتشار السلاح على صعيد واسع. 

وجاء موقف السلطات الليبية من المنظمات الإنسانية العالمية في ظل اتساع حملة الضغط على حكومتي طرابلس وبنغازي من أجل الحد من ظاهرة الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري، لاسيما بعد أن أكدت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أن الاحتجازات التعسفية التي نفذتها أجهزة إنفاذ القانون وأطراف أمنية في عموم ليبيا أثارت ذعرها، وقالت إن هذه الأطراف تستغل سلطة الاحتجاز والتوقيف لاستهداف أفراد على ضوء انتماءاتهم السياسية المزعومة ولتكميم أفواه كل من ينظر إليه كمعارض وتقويض استقلال القضاء، مشيرة إلى أن هذه الممارسات غير القانونية تتسبب في خلق مناخ من الخوف وتحجيم الحيز المدني وتهالك سيادة القانون. 

كما شهدت ليبيا خلال شهر مارس الماضي حملة واسعة للتصدي لمخطط توطين المهاجرين الأفارقة على أرضها، فيما كشف وزير الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عماد الطرابلسي عن وجود أكثر من 4 ملايين مهاجر داخل ليبيا، مشيرا إلى أن ذلك يشكل تحديا أمنيا واقتصاديا بالغ الخطورة على البلاد.

وأكد أن بلاده “لن تتحمل وحدها أعباء الهجرة غير الشرعية ولن تكون بأي حال من الأحوال منطقة توطين،” مشددا على أن “السيادة الليبية والأمن القومي فوق أي اعتبارات أخرى.”

السلطات الأمنية الليبية تحذر من إمكانية حصول أحداث دموية غير مسبوقة في حال تكرار ما شهدته تونس بين لاجئين أفارقة غير شرعيين ومواطنين تونسيين

وأشار الطرابلسي إلى أن ليبيا “تكبدت خسائر ضخمة نتيجة تداعيات الهجرة غير الشرعية، ولم تعد قادرة على تحمل المزيد دون دعم دولي واضح،” محذرا من “استغلال الجماعات المسلحة لهذه الظاهرة لممارسة أنشطة إجرامية تهدد الأمن الوطني والإقليمي،” وتابع أن ليبيا “لن تسمح بأن تُستغل أراضيها لتمرير مخططات تهدد استقرارها،” داعيا إلى “شراكة حقيقية ومتوازنة بين ليبيا والاتحاد الأوروبي، ودول الاتحاد الأفريقي لمعالجة هذه الأزمة بشكل جذري.”

وانتقد المرشح الرئاسي السابق سليمان البيوضي ما وصفه بتفاوض يجري لاستقبال مهاجرين مرحلين إلى ليبيا، مشيرا إلى أن هذا الأمر يأتي في سياق نموذج “حكم العائلات” الذي تورطت فيه البلاد.

ورأى البيوضي أن هذا النموذج لا يستند إلى الانتخابات أو شرعية الأمة، بل يعتمد على القوة والسطوة، ما جعل ليبيا ساحة مناسبة لابتزاز القوى الدولية، سواء الكبرى أو الصغرى، عبر التفاوض مع من يعتقدون أنهم امتلكوا الشعب والأرض.

وأكد أن هذه الممارسات تسهم في تمرير أجندات ضد الدولة الوطنية، وفرض خيارات التطبيع والخيانة، مستغلين في ذلك دعم مجموعات فاسدة ومجرمة، وسط وجود مئات المروجين لهذا الواقع بدوافع مادية، معتبرا أن ليبيا بعد مرور 14 عاما على الثورة أصبحت محكومة من قبل عائلات، ودعا إلى استعادة سيادة الدولة.

وكان رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة شدد خلال اجتماع موسع على مناقشة ملف الهجرة غير الشرعية، بحضور عدد من الوزراء والمسؤولين الأمنيين والعسكريين.

وأكد الدبيبة على أن ليبيا لن تكون موطنا للهجرة غير النظامية، معتبرا أن أمن واستقرار الشعب الليبي خط أحمر، ونفى الشائعات المتداولة حول نية الحكومة توطين المهاجرين، مجددا رفضها القاطع لأي تسوية من هذا النوع.

4