ليبيا تبحث عن حلول لحماية موروثها الثقافي من السرقة

وزارة الثقافة تتحرك لرقمنة التراث من أجل حمايته من النهب.
الجمعة 2024/08/09
التراث الموسيقي الليبي سهل السرقة

أظهرت السلطات الليبية مؤخرا تحركا جديا من أجل حماية التراث الليبي الفني والثقافي، من خلال اجتماعات وزارية رأت ضرورة تعزيز جهود الأرشفة والتوثيق بالسبل التقليدية والرقمية، سعيا منها لوضع حد للتجاوزات الحاصلة مؤخرا في حق الموسيقى الليبية التي أصبح من السهل نسبها إلى دول مجاورة.

عاد ملف حماية التراث الفني والثقافي إلى صدارة الاهتمام في ليبيا، حيث أكدت وزيرة الثقافة والتنمية المعرفية في حكومة الوحدة الوطنية مبروكة توغي على ضرورة تكاتف جهود كل المؤسسات العامة ومؤسسات المجتمع المدني والمختصين لصون وتثمين الموروث الثقافي الوطني.

وأشارت الوزيرة إلى أنه بقدر ما يزخر التراث الليبي بالتميز والتنوع، إلا أنه مهدد بالسرقة، وهو ما يجعل رقمنته وتوثيقه أمرا مستعجلا. وكان موضوع حماية التراث الثقافي غير المادي من السرقة محور اجتماع عقدته الوزيرة توغي مع الدكتور ناصر ناجي بن جابر نقيب المهن الموسيقية في طرابلس، بحضور مدير إدارة المطبوعات والمصنفات الفنية أنور الشويهدي، ومدير بالوزارة.

وأثناء اللقاء تم التطرق إلى ارتفاع منسوب نهب الموروث الثقافي الفني الليبي، في مخالفة للقوانين المحلية والدولية ذات الصلة التي وقّعت عليها أغلب دول العالم الأعضاء في منظمة "الويبو" الدولية لحماية حقوق المؤلف والملكية الفكرية والحقوق المجاورة.

كما تمت مناقشة السبل الكفيلة بالمحافظة على التراث الفني وذلك بالعمل على رقمنة التراث الفني والثقافي للتصدي لحمايته، وهو ما يتطلب تضافر الجهود في هذا المجال لتوثيق الأغاني الليبية والتراث غير المادي المسموع من مختلف مناطق ليبيا، بهدف توثيق الموروث الوطني والثروة الفنية والثقافية وحفظها من السرقة أو التشويه بالطرق الحديثة على اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي.وتناول اللقاء أيضا تكثيف الجهود والتنسيق المشترك على مستوى المنظمات الدولية، منها منظمة اليونسكو والمنظمة العالمية لحماية الملكية الفكرية، من أجل محاربة التعدي على ذاكرة ليبيا.

كما تم بحث آليات حقوق الملكية الفكرية والإجراءات التي تتخذها الإدارة العامة للمطبوعات والمصنفات الفنية بقسم الملكية الفكرية، حيث يذكر مدير إدارة المطبوعات يوسف موسى أن الإدارة تعمل وفق الاختصاص على تنفيذ قانون المطبوعات رقم 76 لسنة 1972 والقانون رقم 9 لسنة 1968 بشأن حماية حق المؤلف والقانون رقم 7 لسنة 1984 بشأن إيداع المصنفات الفنية، وأنه من ضمن مهامها وما يقوم به قسم الملكية الفكرية المعتمد بموجب القرار رقم 527 لسنة 2017 كأحد الأقسام الرئيسية بالإدارة، ويتم إجراء توثيق حقوق الملكية الفكرية وفق إجراءات وكل ما يرد إليها من القطاع العام والخاص.

◙ وزارة الثقافة تهدف إلى وضع آليات قانونية تمكّن من حماية التراث الليبي حتى لا يتمّ نسب عناصره إلى دول أخرى

وأكد الشويهدي أن الإدارة ترحب بكل من لديه أعمال يريد توثيقها سواء كان شاعرا أو ملحنا، وما عليه إلا أن يتواصل مع قسم الملكية الفكرية لإتمام المطلوب وفق الإجراءات المتبعة في هذا الشأن، وأن الإدارة قامت بتوثيق الكثير من الأعمال الفنية والأدبية والمخطوطات التي ترد إليها.

وبحسب الوزيرة، فإن وزارة الثقافة تهدف إلى وضع آليات قانونية تمكّن من حماية التراث الليبي حتى لا يتمّ نسب عناصره إلى دول أخرى، مع التأكيد على ضرورة تكاتف جهود كل المؤسسات العامة ومؤسسات المجتمع المدني والمختصين في صون وتثمين الموروث الثقافي الوطني.

وجاء الاجتماع وتصريحات الوزيرة في سياق الجدل الحاد الذي شهدته وسائل إعلام وصفحات اجتماعية ليبية ردا على مزاعم وردت على لسان المغنية التونسية لطيفة بأن أغنية “ريت النجمة” من التراث التونسي في حين أنها تعود إلى الموروث الشعبي الليبي في منطقة الواحات، وأداها الفنان الراحل محمد حسن في عمله الفني الضخم “الواحة” الذي قدمه في تسعينات القرن الماضي بالاشتراك مع الشاعر عبدالله منصور.

وتعج ليبيا بالألوان الفنية والموسيقية التي يمكن الترويج لها واعتمادها دوليا وتصنيفها في سجلات التراث الإنساني ومن بينها "المرسكاوي" و"المجرودة" و"غناوة علم" و"الشتاوة"، لكن هناك شبه إجماع على أن البلاد عرفت خلال السنوات الخمسين الماضية إهمالا متعمدا لموروثها الثقافي بما جعله عرضة للنهب والاستغلال على أكثر من صعيد.

وتعد القوانين الليبية قديمة وغير مواكبة للتطورات في مجال حماية المؤلف على مستوى العالم، لاسيما بعد ظهور وسائل النشر الإلكترونية، واتساع دائرة اعتماد الحقوق المجاورة وهي حقوق فناني الأداء، مثل الممثلين في المسرحيات والأفلام والعازفين في الفرق الموسيقية وغيرهم، وهؤلاء لديهم حقوق مختلفة تسمى الحقوق المجاورة لحق المؤلف.

◙ اجتماع للنظر في سبل حماية التراث
◙ اجتماع للنظر في سبل حماية التراث

وتفتقد ليبيا للأجهزة التنفيذية القادرة على تطبيق القوانين والتعامل مع نظيراتها في الدول الأخرى، والتي بإمكانها جمع الحقوق المادية وتأمين الحقوق الأدبية لمنتسبيها، ورعاية المبدعين وتوفير الضمانات الثقافية والاجتماعية والقانونية التي يحتاجونها. علما وأن المعيار الحقيقي للحماية الدولية لحق المؤلف يكمن في إسهام الدول في وضع وتطبيق واحترام الاتفاقيات الدولية واتخاذ ما يلزم من تدابير، ويقع ذلك على عاتق الدول والمنظمات الدولية.

ووفق القوانين الدولية، فإن حقوق المؤلف تحظى بالحماية لمدة 50 عاما بعد وفاته، فيما أن الأعمال التراثية التي لا يعرف صاحبها تعتبر تراثا إنسانيا ويمكن الاستفادة منها من قبل من يشاء ولكن دون أن ينسبها إلى نفسه.

وفي نوفمبر الماضي انضمت ليبيا رسميا إلى اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي وذلك ضمن فعاليات الدورة 42 للمؤتمر العام لليونسكو بمشاركة وفد ليبي قاده وزير التربية والتعليم في حكومة الوحدة الوطنية موسى المقريف الذي قدم وثيقة المصادقة على اتفاقية حماية التراث العالمي غير المادي مع ثماني دول أخرى.

◙ القوانين الليبية قديمة وغير مواكبة للتطورات في مجال حماية المؤلف على مستوى العالم لاسيما بعد ظهور وسائل النشر الإلكترونية

وكان مجلس النواب قد صادق على الاتفاقية بقرار رقم 9 لسنة 2022 وتم اعتمادها من وزارة الخارجية والتعاون الدولي بحكومة الوحدة الوطنية. وقالت وزارة الثقافة والتنمية المعرفية بحكومة الوحدة الوطنية إن انضمام ليبيا إلى اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي جاء تتويجا لجهود وزارة الثقافة خلال السنوات الماضية، مشيرة إلى أن الوزيرة مبروكة توغي شكلت لجنة مختصة لإعداد مذكرة للمصادقة عليها من قبل السلطة التشريعية في ليبيا.

وأكدت وزارة الثقافة والتنمية المعرفية أن انضمام ليبيا إلى اتفاقية التراث الثقافي هو تأكيد لاهتمام الدولة الليبية بالهوية والتراث الثقافي الليبي وإبرازه والتعريف به في المحافل الدولية. وتهتم اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي التي تم إعلانها رسميا في أكتوبر 2003 بالتراث غير المادي وهو الممارسات والتمثيلات وأشكال التعبير والمعرفة والمهارات، وكذلك الأدوات والأشياء والمصنوعات اليدوية والأماكن الثقافية المرتبطة بها، والتي تعترف بها المجتمعات والجماعات كجزء من تراثها الثقافي.

وتشترط الاتفاقية على الدول الأعضاء أن تتم إعادة هذا التراث الثقافي غير المادي، الذي ينتقل من جيل إلى جيل، باستمرار من قبل المجتمعات والمجموعات استجابة لبيئتها وتفاعلها مع الطبيعة وتاريخها، بما يمنحها إحساسا بالهوية والاستمرارية، وبالتالي تعزيز احترام التنوع الثقافي والإبداع البشري.

ووفقا لنصوص الاتفاقية، فإن التراث الثقافي غير المادي يمثل التقاليد والتعبيرات الشفوية، بما في ذلك اللغة بوصفها أداة للتراث الثقافي غير المادي والفنون المسرحية، وكذلك الممارسات الاجتماعية والطقوس والمناسبات الاحتفالية، والحرف اليدوية التقليدية.وبحسب المهتمين يحتاج التراث الليبي الثري إلى تثمين من قبل جهات داخلية فاعلة شريطة ألا تخضعه لدوامة الفساد التي تضرب كل المجالات، والتي جعلت التراث نفسه جزءا من لعبة الصراعات السياسية والمصالح المادية لبعض النافذين، كما أن الحديث عن أغنية أو لحن موسيقي تعرض للسرقة أو الاقتباس يأتي في سياق ذر الرماد على العيون ومجافاة القضية الأصلية وهي تهميش الفنان الليبي وعدم تمكينه من الرعاية التي يستحقها وحماية إبداعاته سواء كان حيا أو ميتا.

14