ليبيا أمام صدام منتظر بين تحالف مجلسي النواب والدولة والبعثة الأممية

اتفق أعضاء مجلسي النواب والدولة الليبيين المجتمعون في العاصمة المصرية القاهرة على إعادة تشكيل السلطة التنفيذية في البلاد، مع إبقاء العملية السياسية بيد المؤسسات الرسمية، وتحت رعاية بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا.
انتهى 96 عضوا من مجلس النواب الليبي و73 عضوا من مجلس الدولة الاستشاري، بعد اجتماعهم في القاهرة إلى الاتفاق على ضرورة إبقاء العملية السياسية بيد المؤسسات الرسمية، وإعادة تشكيل السلطة التنفيذية، وأكدوا على أهمية دور البعثة الأممية للدعم في ليبيا، شريطة أن يظل في إطاره المحدد بقرار إنشائها والمتمثل في دعم المؤسسات الليبية وفقا للاتفاق السياسي.
في المقابل تعمل البعثة الأممية على تنفيذ مبادرتها التي ستعتمد فيها على لجنة استشارية غير منتخبة، والتي تسعى من ورائها إلى تجاوز ما اتفق عليه مجلسا النواب والدولة سابقا بخصوص الانتخابات وقوانينها وتشكيل حكومة جديدة، والاتجاه نحو التأسيس لمرجعية جديدة لن تساهم إلا في المزيد من تأخير الحل السياسي .
ويرى مراقبون أن حديث رئيسة البعثة حنّا سيروا تيتيه عن التزامها بالعمل مع جميع الأطراف الليبية المعنية لدعم عملية سياسية شاملة يقودها الليبيون، ليست في الأخير سوى خطاب دبلوماسي يفتح باب الاستمرار في الصراع بين الفرقاء الأساسيين الرافضين لمبدأ الاتفاق، ويساهم في ما وصفته تيتيه بتآكل وحدة ليبيا.
الموقف المصري يتفق مع موقف مجلسي النواب والدولة بضرورة تشكيل حكومة موحدة على أنقاض الحكومتين الحاليتين
وأجرى أعضاء المجلسين المجتمعون بالقاهرة مشاورات حول مختلف القضايا وسبل الدفع بالعملية السياسية الليبية نحو حل شامل من شأنه أن ينهي حالة الانقسام بمؤسسات الدولة ويصل إلى إنجاز الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، واتفقوا على تفعيل مخرجات اللقاء الثلاثي الذي عقِد بالقاهرة برعاية جامعة الدول العربية بتاريخ 10 مارس 2024، وإعادة تشكيل السلطة التنفيذية، كما أكدوا على أهمية دور البعثة الأممية للدعم في ليبيا، داعين إلى ضرورة أن يظل في إطاره المحدد بقرار إنشائها والمتمثل في دعم المؤسسات الليبية وفقًا للاتفاق السياسي.
وجرى اجتماع القاهرة تلبية لدعوة من سلطات القاهرة، وأكد المستشار أحمد سعد، وكيل مجلس النواب المصري، أن مقاربة بلاده تجاه ليبيا ترتكز على عدة مستهدفات رئيسية، أبرزها الحفاظ على وحدة الأراضي الليبية وسلامتها، تعزيز تماسك الدولة الليبية ومؤسساتها، دعم تطلعات الشعب الليبي نحو التنمية والاستقرار، وتشجيع الحلول الليبية – الليبية دون تدخل خارجي.
وأشار إلى الدور الجوهري لمجلسي النواب والدولة في المضي قدمًا نحو تنفيذ خارطة الطريق الليبية، واستكمال الاستحقاقات الدستورية، مشيدًا بالنجاحات السابقة في التوافق حول المسار الدستوري والمناصب السيادية، مؤكدًا استعداد مصر لتقديم كافة أشكال الدعم والاستشارات للمجلسين.
وشدد سعد على ضرورة خروج جميع القوات الأجنبية من ليبيا دون استثناء، تنفيذًا للقرارات الدولية، معتبراً أن ذلك ضمانة أساسية لاستقرار البلاد، مؤكداً أن توحيد المؤسسات الليبية هو السبيل الأمثل لتمهيد الطريق نحو انتخابات رئاسية وبرلمانية نزيهة، تضع ليبيا على طريق الاستقرار والتنمية.
وكان رئيس مجلس الشعب المصري حنفي الجبالي أكد في نص الدعوة التي توجه إلى كافة أعضاء المجلسين للاجتماع بالقاهرة أن مبادرته جاءت “انطلاقا من حرص مصر على تحقيق الاستقرار السياسي والأمني لليبيا” وهي التي تعتبر أن “استقرار ليبيا هو جزء لا يتجزأ من استقرارها.”
وفي رسالة توجه بها إلى رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، أرجع الجبالي سبب المبادرة إلى “ما تشهده الساحة الليبية والإقليمية من تطورات، بالإضافة إلى تعزيز أواصر التعاون البرلماني بين المجلسين،” معبرا عن ثقته في أن “زيارة وفد مجلس النواب ستعطي دفعة إضافية للعلاقات بين البلدين وهي ترسيخ للشراكة لما فيه مصلحة وخير الشعبيين الليبي والمصري.”
ويتفق الموقف المصري مع موقف مجلسي النواب والدولة بضرورة تشكيل حكومة موحدة على أنقاض الحكومتين الحاليتين، تكون قادرة على تهيئة الظروف الملائمة لتوحيد مؤسسات الدولة وتنظيم الانتخابات التي طال انتظارها، وهو ما يرفضه تحالف المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة المنتهية ولايتها وأمراء الحرب ودار الإفتاء بقيادة الصادق الغرياني.
كما جاءت الدعوة المصرية بهدف توحيد المواقف بين الفرقاء الليبيين في مواجهة أيّ محاولة لسحب البساط من تحت أقدام المؤسسة التشريعية المتمثلة حاليا في مجلس النواب ومجلس الدولة المنقسم على نفسه نتيجة تنازع منصب الرئاسة بين خالد المشري الداعم لمبدأ التوافق مع مجلس النواب ومحمد تكالة المتحالف مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة.
مراقبون يعتبرون حديث رئيسة البعثة حنّا تيتيه عن التزامها بالعمل مع جميع الأطراف الليبية سوى خطاب دبلوماسي يفتح باب الاستمرار في الصراع بين الفرقاء
وأكد رئيس مجلس النواب عقيلة صالح أن الدولة الليبية تقوم على نظام قانوني ينظم الوصول إلى السلطة، مشددا على ضرورة الاحتكام إلى القوانين التي تنص على تشكيل حكومة وإجراء الانتخابات، وقال في مقابلة تلفزيونية إن بعض الأطراف التي تتمسك بمواقعها ترفض الذهاب إلى الانتخابات، لكنها لن تستطيع تعطيل إرادة الشعب الليبي الذي يجب أن يقرّر مصيره عبر صناديق الاقتراع، لافتا إلى أن هناك توافقا واسعا بين الليبيين، وأن التقارب بين مجلسي النواب والدولة أصبح واضحا، إلا أن بعض الأفراد يحاولون عرقلة العملية السياسية للحفاظ على الوضع القائم، مضيفا أن أيّ محاولات للتشكيك في الإجراءات أو إثارة المخاوف المستقبلية تصبّ في مصلحة من يسعون إلى استمرار الأزمة.
كما أكد رئيس مجلس النواب على أن الحكومة التي يطمح إلى تشكيلها يجب أن تعمل في أيّ منطقة، حتى تتمكن من تنفيذ الانتخابات، وجدد رفضه أيّ تدخل خارجي أو محاولات لفرض حلول غير ليبية، داعيا الجميع إلى دعم الليبيين في بناء سلطتهم الجديدة، معربا عن ثقته في أن الليبيين لن يلجأوا إلى الاقتتال مجددا، بل سيحترمون نتائج الانتخابات، داعيا إلى الاحتكام للقضاء في حال وجود اعتراضات.
وبحسب محمد أبوسنينة، عضو مجلس الدولة الاستشاري، فإن اللقاءات بين مجلسي النواب والدولة ليست جديدة، بل تأتي امتدادًا لاجتماعات متكررة على مستويات عدة، سواء على مستوى القيادات، أو اللجان، أو الأعضاء، وقال إن إدارة العملية السياسية في ليبيا تقع على عاتق مجلسي النواب والدولة، مشددًا على أن أيّ أدوار إقليمية أو دولية، بما فيها دور البعثة الأممية، تظل داعمة ومساندة فقط، بينما يبقى القرار بيد الليبيين.
وبخصوص الملفات الرئيسية المطروحة في الاجتماعات، والتي تشمل ملف المناصب السيادية حيث تم إنجاز جزء كبير من هذا الملف، وشُكّلت لجان من المجلسين، وفتح باب القبول للمرشحين، أكد أبوسنية أنه يتم حاليا وضع اللمسات الأخيرة للخروج بنتائج نهائية، كما أن ملف الحكم المحلي الذي يُعد من الملفات بالغة الأهمية، قد تمت دراسته من قبل لجان متخصصة من المجلسين، مع توقع انعقاد لقاء مرتقب لحسمه، وتشكيل حكومة وطنية موحدة، مؤكدًا أن هذه الخطوات ستأتي تباعًا بعد حسم الملفات السابقة، مشيرًا إلى أن النجاح في خطوة يفضي إلى نجاح الخطوة التالية.