"لياقات الكاتب" تمارين لصناعة الكتاب

المعاناة في الكتابة وإرهاقاتها جعلت من الكاتبة والمحرّرة الأدبية الأميركية بجريدة المقال دوروثي براندي (1893 – 1948) المولودة في شيكاغو، صاحبة كتابي «أن تصبح كاتبا» نشر فى 1934 و«استيقظ وعش»، والأخير كان بمثابة دعوة إلى استكشاف المواهب والقدرات الكامنة في داخل الإنسان للسير في طريق النجاح، تكرر التجربة وإن كانت هذه المرة عبر نصائح تتوجه بها إلى الناشئة من الكتّاب بعنوان: «لياقات الكاتب» كما جاء في ترجمته العربية.
قسم الكتاب، الصادر عن دار كلمات للنشر بالكويت، بتوقيع فريق ضاد/ غزة، إلى سبعة عشر فصلا وخاتمة تحتوي على بعض الإرشادات الخاصة بآليات الكتابة وزمانها المناسب والسلوكيات المتبعة أثناء الكتابة. يغدو الكتاب أشبه بكتيب تعليمي للناشئة، يحوي رسائل مُحمّلة بنصائح تدمج بين الإطار النظري والتطبيقي في صورة تمارين تأخذ بيدهم وتصل بهم إلى مقاصدهم في عملية الكتابة.
تمارين للكتابة
تُحدّد المؤلفة غرضها من الكتاب منذ البداية قائلة «سأقوم بكتابة هذا الكتاب لأولئك الجادين في مسعاهم، ويؤمنون بقدراتهم، وبذكائهم، ويعلمون بأن وراء بناء الجملة، وتكوين القطعة هناك جمهور من القراء يطالبهم بتقديم أفضل ما عندهم، ويعرفون المسؤولية المُلقاة على عاتقهم، ويستغلون كلّ فرصة ممكنة لدراسة النثر الإنكليزي لكي يُحسِّنوا من كتاباتهم ويضعوا لرحلتهم الأدبية معايير صارمة ترافقهم على طول الدرب».
الكتاب محاولة لثني آراء بعض مَن يتأرجحون على حافة الانسحاب أو الاستمرار في عوالم الكتابة وإغواءاتها، وكأن الكاتبة تسعى لتأخذ بهؤلاء في رحلة للتغلُّب على صعوبات الكتابة وإرهاقاتها.
وتناقش الأفكار التي تشغل المقدمين على تجربة الكتابة وخاصة المتذَبذبة آراؤهم وفقا لمقولات مغلوطة توضحها الكتابة، فتنشئ حوارا حول صعوبات الكتابة بشكل عام التي تواجه الكتّاب، كانسياب الكتابة الغرير، والمؤلف الواحد، والكاتب الموسمي، ولا تقتصر على تحديد المشكلات فقط بل تُحدد أسباب المشكلة وتحصرها في أنّها ناتجة إما عن صغر السن وإما عن سوء فهم لعملية الكتابة، وإما عن الخجل، كما تشير إلى الصعوبات غير التقنية، وهي مرتبطة بالحالة التي يكون عليها الكاتب أثناء تواجده في ورش الكتابة.
كتاب تعليمي للناشئة، يحوي رسائل محملة بنصائح تدمج بين الإطار النظري والتطبيقي في صورة تمارين للكتابة
يدرج عبدالرحمن أبو عابد الكتاب في المقدمة التي كتبها له في قائمة الأعمال العظيمة والخالدة، لأن الكتاب على حدّ تأكيده اقتفى أثر هذه الأعمال في «القبض على لحظة خالدة من حياة الإنسان» وإن كانت الكاتبة هنا قد قبضت على لحظة من حياة الكاتب. أما مؤلفة الكتاب فتذكر في مقدمتها أن كتابها هذا وليد تجارب متعددة سواء بقراءتها المتنوِّعة للكتب التي تتحدث بجدية عن مشاكل الكتابة أو بإقامتها في مستعمرة كتابية وتحدّثها مع ناشطين وتباين آرائهم في مسألة الكتابة نفسها، وأيضا بعملها كمحرّرة كتب وناقدة، ومن ثمّ كانت مسألة إضافة شيء إلى الكتابة الأدبية أمرا عسيرا ولم يخطر على بالها ذلك قط.
إرشادات شاملة
تقدم براندي النصائح للكاتب الناشئ وهي تدربه على الدخول في معية العملية الكتابية، حيث تدفعه إلى تهيئة الأجواء بالاستماع إلى الموسيقى المحفزّة، أو الابتعاد عن الأرواح المُملِّة أو صديق ذكي يشعرك بالغيض، وعليه أن يعثر على أشخاص يشعر بأنه ممتلئ بالطاقة بعد لقائهم، وإن لم يجد بزيارة المكتبة، فسيجد فيها البديل. وما إن ينتهي من عملية الكتابة عليه أن يحرص على أن تكون ذاته الرئيسية واقفة بجانبه، والفصل بين الشخصيتين ليس معناه إدارة صراع بينهما بقدر ما هو تحقيق التعاون بشكل مذهل.
|
وترى المؤلفة أنه من الممكن وفقا لهذه النصائح التي تقدمها للكاتب الناشئ أن يكتب وفق مخطط زمني. ولكي يصل الكاتب إلى هذه المرحلة التي تأتي بعد تمارين والتزام من الكاتب، عليه مواصلة الانخراط في عملية الكتابة بتخصيص وقت يومي من بين أوقات يومه لذاته، لكي يكتب ويمارس تذكُّر ما حدث، وإذا حدّد وقتًا مُعينا يقوم فيه بالكتابة، فعليه ألا يحيد عنه مهما حدث، ولكي يسير على هذا النهج يجب أن يُلزم نفسه بوعد يقطعه على نفسه ويلتزم به مهما حدث أي شيء، فالأعذار غير مقبولة.
تطارد الكاتبة متدربها بكافة الصعوبات التي تعتريه أثناء ممارسة التمارين المقترحة، بل تتناقش بصوت عال حول الأسئلة التي يمكن أن تخطر في ذهن المتدرب، ففشله في التمرين يستوجب منه المصارحة بعدم قدرته على الكتابة، فتلتزم الشدة والصراحة قائلة “النجاح أو التوقف عن الكتابة”.
بعد الوصول بالكاتب الناشئ وفقا لتمارين الكتابة إلى مرحلة صف الكتّاب، تبدأ مرحلة جديدة تستوجب تقييم ما يكتب وفق نظرة نقدية، بأن يكون الناقد الأوّل لعمله. كما ترى أن الصمت والوحدة جانبان مهمان في عملية الخلق والابتكار، فعلى المؤلف أن يعوّد نفسه على أن يختلي بذاته في مكان لوقت قصير دون أن يتحدث، فقط يتأمل، كما عليه أن يتجاوز مرحلة الغيبوبة الفنية، وهي مرحلة يشعر فيها الكاتب بمرحلة عقم كتابي، ثم فجأة يتبدّل الحال وتزداد الرغبة لديه في الكتابة، فالخمول الذي شعر به من قبل هو خمول على مستوى السطح لا العمق. وتخصص الكاتبة جزءا كبيرا للعبقرية باعتبارها الذات الثالثة للشخصية.
تنهي الكتاب بمجموعة من الإرشادات المعاونة للكاتب الناشئ على كسب الثقة وكلها متعلقة بظرفية الكتابة ووسيلتها، وما يصاحبها من منبهات كشرب القهوة، وصولا إلى إرشادات عن شراء الكتب والمجلات ومحاولة التنويع فيهما. الترجمة جاءت سلسة وإن كانت غلبة الأخطاء النحوية الكثيرة هي التي أفسدت متعة تلقي هذا الكتاب.