لو بطلنا نحلم نموت

إن كان الإنسان البدائي ينظر إلى النوم على أنه لحظة خارقة، يخبرنا العلم اليوم أنه "لو بطلنا نحلم نموت" بالمعنى الحرفي للكلمة.
الأربعاء 2025/04/30
أهمية النوم والحلم لاستمرار النوع البشري

“لو بطلنا نحلم نموت.. لو عاندنا نقدر نفوت.. لو عدينا مرة خلاص.. لو ردينا ضاع الخلاص.. حبة صبر حبة حماس.. يبقى الحلم صورة وصوت.. لو بطلنا نحلم نموت..”. هكذا ردد محمد منير في العام 1994 كلمات عصام عبدالله التي لحنها مصطفى علي إسماعيل، ضمن ألبوم عنوانه “افتح قلبك”، بث به “الكينغ” الحماس والأمل في قلوب محبيه.

أتساءل عما كان يفكر فيه الشاعر عصام عبدالله عندما كتب هذه الأغنية، وأنا أقرأ مقالا عن أهمية النوم في حياتنا وتحديدا الأحلام وبصورة أوضح المرحلة التي نحلم فيها خلال نومنا ليلا، لأن الطبيعي في الحياة منذ الإنسان البدائي أن ينام الإنسان ليلا ويسعى نهارا.

الفكرة الأقرب إلى المنطق هي أنه كان يريد أن يعبّر عن روح التحدي والعزيمة والأمل في تحقيق مستقبل أفضل، أرادها أغنية تشجع جمهور منير من الشباب على المضي قدما في تحقيق أحلامهم ويصبح الحلم يوما “صورة وصوتا”.

لا أظن أنه كان قد قرأ عن أهمية النوم والحلم خلال النوم لاستمرار النوع البشري وكل الحيوانات ذات الدماء الساخنة كالقطط والكلاب والأحصنة.

نعم، نحن مخلوقات الحلم جزء مهم في حياتها، جميعنا نحلم، حتى الجنين في بطن أمه يحلم ابتداء من شهره السادس، هكذا يقول العلم. كل إنسان يحلم بمعدل عشرين دقيقة كل ساعة ونصف الساعة من النوم، كلنا دون استثناء سواء افتكرت ما حلمت به أو نسيته.

تحدث هذه الأحلام خلال مرحلة من النوم تسمى حركة العين السريعة، وهي مرحلة مهمة جدا لعقلك ولذاكرتك ولاستمرار حياتك بالكامل. قد تسأل، الإنسان يحلم وهذا أمر بشري طبيعي، إنما الحيوانات كيف تم اكتشاف قدرتها على الحلم؟

يشترك البشر مع الكائنات ذات الدماء الدافئة في جزء يقع خلف المخ يسمى nucleus coeruleus ، وظيفته أن يشل حركتك عندما تحلم، كي لا تطير أو تقود سيارتك أو حتى تقتل زوجتك التي لم تعد تطيق العيش معها وتحلم بالخلاص منها. ستكون أشبه بمن يرتدي نظارة الواقع الافتراضي الذي يتحرك دون وعي منه.

عند تعطيل عمل هذا الجزء عند الحيوانات، اكتشف العلماء مثلا أن القطط تحلم بأنها تصطاد وتركض خلف فريستها. بعض الحيوانات لا تحلم، وأشهرها السمك، من هنا نفهم لم يقال عن الذاكرة الضعيفة لأي شخص “ذاكرة السمكة”؟

السمك لا يملك ذاكرة طويلة المدى، وأنت لو فقدت القدرة على الحلم، ستفقد جزءا كبيرا من ذاكرتك طويلة المدى التي يعيد عقلك ترتيبها كل مرة تنام فيها وتحلم، ستفقد قدرتك على التعلم وتخزين ما تعلمته من تجارب ومعلومات وسلوكيات وستقع كالسمكة فريسة للطعم ذاته كل مرة، جيلا بعد جيل، فردا بعد آخر.

من هنا نفهم لم اعتمدت أشهر أنظمة التعذيب الحرمان من النوم كأقصى العقوبات للمساجين؟ إنها بذلك تحرمهم ذاكرتهم، تركيزهم، إدراكهم، حياتهم، وحتى قدرتهم على الإبداع، واستقرارهم النفسي. ونفهم لم من يتناولون بعض الأدوية المخصصة للأمراض النفسية ويفقدون القدرة على الحلم، تتدهور صحتهم العقلية والجسدية والنفسية أكثر؟

نعم، الحلم يأتيك برسائل تعالجك، تمنحك قرارات “افتراضية”، تجعلك تضرب من لم تضربه وأنت واع، وتبوح بحبك لمن ترددت في القرب منه، تجعلك تراجع برنامجك الجيني بأكمله وتحدثه بما يتماشى مع مستوى وعيك الحديث.

أحلامك عادة ستدور حول الأكل والجنس والأمان، وهي الاحتياجات الأساسية للبشر جميعا من أجل البقاء. الحلم عملية معقدة جدا، لو استيقظت خلالها أو بعدها مباشرة، قد تخطر على بالك أفكار إبداعية مدهشة وأسئلة وجودية وربما حلول لمشكلاتك المعقدة. 

وإن كان الإنسان البدائي ينظر إلى النوم على أنه لحظة خارقة، يخبرنا العلم اليوم أنه “لو بطلنا نحلم نموت” بالمعنى الحرفي للكلمة، فيزيائيا، وحتى معنويا كما غنى محمد منير.

18