لوحات لمياء نهاري سفيرة الموروث اللامادي المغربي

صار القفطان المغربي في السنوات الأخيرة رمزا للمغرب وتراثه اللامادي، وهو، بعيدا عن كونه زيا تقليديا يميز المغربيات عن غيرهن، هو أيضا ثيمة فنية توضفها الفنانة التشكيلية لمياء نهاري برموزها ودلالاتها وألوانها وتصاميمها لتعبر عن الموروث اللامادي وأهمية الحفاظ عليه.
الرباط - يلعب الفن التشكيلي دورًا حيويًا في توثيق التراث الثقافي، إذ يُعتبر وسيلة فعالة لحفظ الهوية ونقلها للأجيال القادمة، ويأتي الفن التشكيلي كمرآة تعكِس غنى وتنوع التراث اللامادي للمملكة المغربية، ومن ثيمة القفطان المغربي الذي يحتل مكانة بارزة، ليس فقط كزي تقليدي بل كرمز من رموز الثقافة والتاريخ المغربيين.
وفي هذا السياق كان لصحيفة “العرب” لقاء مع الفنانة التشكيلية لمياء نهاري حول معرضها الفني الذي استضافه رواق محمد الفاسي في مقر وزارة الثقافة بالرباط وكان بعنوان “خيوط وأنامل”، وذلك في الفترة بين 21 مايو الماضي إلى 6 يونيو الجاري. نظم المعرض تحت إشراف وزارة الثقافة والشباب والتواصل، وضم مجموعة من اللوحات التي تجمع بين القفطان المغربي الأصيل والتراث المغربي، سعت نهاري من خلالها إلى الترويج للقفطان المغربي كتراث ثقافي، بالتزامن مع تسجيله في قائمة التراث اللامادي لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلم والثقافة “إيسيسكو”.
عن فكرة دمج القفطان المغربي مع الفن التشكيلي في أعمالها تقول لمياء نهاري “في الحقيقة اختيار موضوع القفطان المغربي لم يكن وليد الصدفة بل هو استرجاع لذاكرة الطفولة من خلال عوالم الألوان والقماش والتطريز المتنوع، وهو سفر عبر الزمن في البيئة التي ترعرعت فيها من خلال إبداعات والدتي التي كانت تمارس فن الحياكة والتطريز مثل العديد من نساء المغرب بالمدن العتيقة. هذا الإبداع الذي توارثته النساء المغربيات عبر الأجيال والذي تمتد جذوره في التقاليد المغربية المتنوعة التي تميز مختلف مناطق المغرب”.
وتوضح أن “التعبير عن القفطان من خلال الفن التشكيلي هو مساهمة في التعريف بهذا الموروث الثقافي وجماليته، ومحاولة لإبراز التنوع التراثي الذي يتمتع به الزي المغربي عبر مختلف العصور، وإعطاء صورة إيجابية عن هذا العنصر الثقافي الغني ودعم المبادرات التي تقوم بها المؤسسات المختصة قصد تصنيفه في لائحة التراث الإنساني وحمايته من السرقة التي أصبحت تهدد العديد من المكونات الثقافية الأصيلة للمغرب الحبيب”.
أما عن الرسالة التي تحاول إيصالها من خلال لوحاتها الفنية في هذا المعرض، فتقول “رسالتي هي أن كل المغاربة مطالبون بالحفاظ على المكونات التراثية للثقافة المغربية التي تعد مزيجا وتلاقحا للعديد من الحضارات التي مرت بالمغرب منذ عدة عصور؛ هذا التراث الغني والمتنوع هو كنز حقيقي يجب أن نحافظ عليه من خلال توثيقه وجرده وتثمينه والتعريف به على المستوى العالمي، لأنه يساهم في التعريف بالمغرب وبحضارته. وبصفتي فنانة تشكيلية وباحثة أكاديمية من واجبي أن أعرف بهذا الموروث الثقافي اللامادي من خلال الألوان والتعابير التراثية”.
ويلعب الفن التشكيلي دورا هاما في الحفاظ على التراث الثقافي، خاصة من خلال تجسيد القفطان المغربي في الفن التشكيلي، وتعبر لمياء نهاري عن هذه الفكرة بقولها “الفن التشكيلي هو وسيلة للتعبير عن أحاسيس الفنان وكذلك عن الأفكار التي يتشبع بها والتي يحاول أن يجسدها عبر الألوان والأشكال والمواضيع، وبحكم دراستي الجامعية بسلك الدكتوراه في مجال التاريخ والتراث اكتشفت تنوع الموروث الثقافي المغربي وما يواجه المؤسسات المكلفة بالحفاظ على التراث من صعوبات من أجل الجرد والتوثيق والحماية، خاصة فيما يتعلق بالمجموعات المتحفية التي تخص القفطان المغربي، وما يتطلبه من إجراءات تقنية للصيانة سواء أثناء العرض بالمتاحف أو التخزين. من هنا جاءت فكرة توثيق القفطان المغربي من خلال الفن التشكيلي ومزجه مع خصوصيات تراثية أخرى كالحلي والزليج والمعمار والفرس، وهذه العناصر كلها مستوحاة من الثقافة المغربية الغنية”. وتضيف “هذه اللوحات هي في حد ذاتها مرآة تجسد غنى الموروث الثقافي وتساهم في التعريف به وتوثيقه بطريقة إبداعية فنية عبر المعارض الوطنية والدولية”.
وتوضح “في الحقيقة لم تكن هناك صعوبات كثيرة، باستثناء عامل الوقت بحكم الالتزامات المهنية بوكالة التأمين التي أسير والتي تتطلب مواكبة فورية للملفات والالتزام مع المرتفقين والزبائن، وهو ما دفعني إلى تهيئة ورشة الرسم التي أشتغل فيها بالطابق العلوي لوكالة التأمين وتخصيص وقت للرسم والإبداع بعد العمل، لأن الرسم بالنسبة إليّ هو وسيلة للاستراحة والابتعاد عن ضغوطات العمل التي تقتضي التركيز التام لأنه لا مجال للخطأ في مجال التأمين. وما ساعدني في مقاربة هذا الموضوع الإبداعي هو منهجية العمل التي أتبعها في إنجاز لوحاتي والتي تنهل من تجربتي الدراسية، حيث أقوم باختيار موضوع معين والبحث فيه من خلال المراجع ودراسة التجارب السابقة، ثم القيام بزيارة المتاحف أو المؤسسات الثقافية التي تتناول ذلك الموضوع وبعد ذلك تحديد الأهداف ومنهجية العمل، ثم أطلق العنان للمشاعر الفنية لبلورة تلك الأفكار إلى لوحات تشكيلية”.
ويمكن للفن التشكيلي أن يساهم في تعزيز الوعي بالثقافة المغربية وتنوعها في نظر الفنانة التشكيلية التي تقول إن “الفن التشكيلي هو وسيلة يمكن للمبدع أن يمرر من خلالها مجموعة من الرسائل. وتنوع الثقافة المغربية يفتح المجال للفنان التشكيلي ليوظف العناصر التراثية للتعريف بها وحث المواطن المغربي على اكتشاف الموروث التراثي المغربي، فمثلا متحف الحلي بقصبة الأوداية بالرباط أو متحف باب العقلة بتطوان يعرضان نماذج من القفطان المغربي ترجع للقرن الثامن عشر والتاسع عشر في غاية من الجمال والإبداع تبين عراقة القفطان المغربي، لكن مع الأسف ليست في ثقافة المواطن العادي زيارة المتاحف واكتشاف تنوع الثقافة المغربية، ولوحات الفنان التشكيلي بإمكانها أن تصالح المواطن المغربي مع تراثه الموغل في القدم”.
جهودي حاليا منصبة حول ثيمة القفطان ولازلت أبحث عن عناصر تراثية أخرى من خلال الكتابات التاريخية وكنوز المتاحف
وهناك خطط لمواصلة اكتشاف أنواع القفطان المغربي في أعمال لمياء نهاري الفنية المستقبلية، وهي تقول في هذا الصدد “في الحقيقة جهودي حاليا منصبة حول ثيمة القفطان ولازلت أبحث عن عناصر تراثية أخرى من خلال الكتابات التاريخية ومن خلال كنوز المتاحف الوطنية إذ اطلعت على بعض المعارض الدولية التي نظمتها وزارة الثقافة خارج المغرب، واكتشفت غنى القفطان المغربي، ما حفزني لزيارة عدد من المتاحف للاطلاع على تلك المجموعات المتحفية بشكل مباشر وبالعين المجردة”.
وتتابع “أركز حاليا على موضوع القفطان كمساهمة متواضعة من مواطنة مغربية غيورة على تراثها ولغتها وثقافتها إلى حين تصنيف هذا العنصر في لائحة التراث اللامادي للإنسانية وفي لائحة منظمة اليونسكو وقطع الطريق عن المتربصين بالتراث الوطني وبالهوية المغربية، وتوجيهات العاهل المغربي الملك محمد السادس في الحفاظ على الموروث الثقافي واضحة وترسم خارطة الطريق للمؤسسات المكلفة بالتراث والثقافة، وحماية التراث هي مسؤولية جماعية للحفاظ عليه للأجيال اللاحقة”.
وتكشف أن “هناك في الأفق مواضيع تراثية أخرى من الثقافة المغربية ستكون بنكهة فنية جديدة إن شاء الله”، منوهة أن معرض “خيوط وأنامل لاقى استحسان جمهور مدينتي طنجة وتطوان “سواء خلال افتتاح المعرض أو بعد زيارات المغاربة والأجانب، ولدي إحساس بالفخر عندما أقرأ تعليقات زوار المعرض بمختلف وسائل التواصل الاجتماعي. هذا في الحقيقة سيدفعني إلى المزيد من البحث والاجتهاد في التعريف بالتراث المغربي من خلال الفن التشكيلي وهي مسؤولية جسيمة تتطلب الكثير من التضحيات سواء المعنوية أو المادية، ونجاح هذه المعارض يشكل بالنسبة إليّ تكليفا قبل التشريف”.