لن أفرط بها ثانية

حسنا! فشلَ تاريخ الفلسفة في متراجحة تفسر الرفاهية والمال عندما يتعلق الأمر بالمشاعر. إذ لا توجد أي علامة للرفاهية عندما يستيقظ ملياردير صباحا بقلب مقبوض ويرفض مغادرة السرير، على الأقل لتفقد كم من المال أضيف في ذلك اليوم لثروته!
سنحصل على إجابات معروفة جدا عن المال وعلاقته بالسعادة، لكننا سنفشل حتما عندما يتعلق الأمر بعلاقته بالمشاعر. آمل ألا يفهم هنا، أنني ضد جمع المال، وإلا لماذا نعمل ونطمح بمنازل واسعة وملابس ثمينة.
ما أسعى إليه هنا فهم ما يتعلق بالمشاعر في علاقتها مع المال والسياسة والاقتصاد والحب والذائقة والمكان.
المشاعر مهمة. هذا واضح بما فيه الكفاية. الأمر الأقل وضوحا هو ما يجب أن نفعله حيال ذلك.
ينبغي لنا ألا ننسى أيضا أن جمع البيانات حول المشاعر الأكثر أملا يحفز على العمل الإيجابي، لأن الأشخاص الذين يؤمنون بمستقبلهم هم أكثر استثمارا فيه.
خذ مثلا ما تقترحه علينا الكاتبة آني ديوك في فهم تحيزاتنا المعرفية بكتابها الذي يحمل فعل أمر "استقل"، فهي ترى أننا عنيدون للغاية، نتمسك بفكرة، أو وظيفة، أو شريك حياة، أو رفض أمر ما، حتى عندما يكون من الواضح أننا ارتكبنا خطأ. اسأل عن المشاعر عندها لتجد التفسير.
أو وفق تفسير كاتبي المفضل تيم هارفورد "كل ما تتوقف عن فعله يفتح لك مجالا لتجربة ما هو جديد. كل ما ترفضه يعطيك فرصة لقبول شيء آخر".
فجملة "لست مستعدا لاتخاذ القرار" تشير وفق ديوك إلى أن عدم اتخاذ قرار هو قرار بعينه. لكنك لم تفهم البعد الأعمق خلف مشاعرك السريعة التي ظهرت لك آنذاك، عن ثقة أو مكابرة.
أكثر من يتجاهل مشاعر الناس هم رجال الاقتصاد لأن العلاج متاح لديهم في تلك البنوك، لكنه ليس مثل علاجات الكلام والأدوية التي يمنحها الناس والأطباء. دعك من السياسيين الذين يدفعون ضريبة الكلام المجرد للتأثير على المشاعر، وهم في حقيقة الأمر لا يعبأون مطلقا بها، بذريعة المصلحة العليا، وكأن هذه المصلحة لا تتحقق إلا بإيذاء الغالبية والتسبب بالضرر أيا كان نوعه.
لذلك يقترح كاتبي المفضل، وهو محلل صحافي من طراز فذ، على الاقتصاديين التواصل أكثر مع مشاعر الناس. كان يدفع بدعوته باتجاه الإنقاذ، الإنسان والاقتصاد معا.
الدراسات الجديدة بدأت تقيس مستوى سعادة الناس، بعد ارتفاع منسوب التعاسة وكأن الحال يستعد للانفجار، بفهم أعمق لتأثير المشاعر، بعد أن عجز الباحثون عن إيجاد سبب واضح للقلق في دول ارتفعت فيها مداخيل الأفراد، لكن لم يقلل ذلك من الجحيم النفسي.
واحدة من دراسات مؤسسة غالوب التي تتبع الرفاهية في جميع أنحاء العالم، توصلت إلى وجود انقسام حاد في مشاعر الأشخاص تجاه حياتهم.
دعك من النتائج التي توصلت إلى الاضطرابات العقلية والثقة في الحكومة. وعزت ذلك لحياتنا الرقمية وسطوة الهواتف الذكية على مشاعرنا. إننا بحاجة إلى بيانات مفصلة عن مشاعر الاستياء والإحباط والغضب والتخلف عن الركب. هناك نقمة مستمرة على كل ما يحيط بنا.
لقد تهكمت في مقال هنا قبل سنوات على الأثرياء البائسين مستعينا بتفسير طبيب الأغنياء كلاي كوكريل، الذي وصف مرضاه من الأثرياء بأنهم يفتقرون إلى الإحساس بالهدف، ويصارعون الشعور بالذنب والخوف، وأحيانا يصل إلى الخزي.
كان ينبغي عليّ حينها أن أسأل كاتبي المفضل عن مشاعره وهو يكتب مقالات عميقة، بلغة مصفّاة، تطوف على حزمة أفكار. في أشهر الصحف البريطانية، بينما يجلس مسترخيا في شقته بباريس. ذلك ما شعرت به أخيرا، وعرفت مكمن سعادتي التي فرطت بها لسنوات!