لنبحث في التاريخ عن بطل نخلده

السينما في تكريسها شخصية البطل المنقذ تبحث عما هو أبعد من صدقية السيرة الذاتية إلى ما ينعش الخيال.
الأحد 2021/08/29
شخصيات أسطورية خالدة

صورة الأبطال المنقذين لم تنفصل يوما عن ذاكرة الشعوب عبر التاريخ، فكل أمة تريد وتنتظر بطلا فذّا منقذا بشكل ما تضع فيه آمالها، وليصحح لها ما اختل من توازنات على شتى الأصعدة، وبما في ذلك خوض صراع ضد عدو ما يصبح مشتركا بين الناس وبين البطل المنقذ.

هذه المقدمة تنطبق على السينما عبر تاريخها بوصفها فنا دراميا قوامه وركيزته هي الشخصية الدرامية القوية التي تصارع خصومها وتنتصر عليهم، وتلك في الواقع ليست إلا نمطية درامية تعود في جذورها إلى فن المسرح الضارب في أعماق التاريخ، وحيث أن الدراما هي جوهر العمل المسرحي ولتكتمل المسرحية بالصراع التقليدي والأزلي ما بين قوّتي الخير والشر ثم التطهير وما إلى ذلك.

لكننا اليوم صرنا نتفاعل مع أبطال منقذين مختلفين، وخاصة ما صرنا نشاهده من فئة السوبر باور والسوبرمان والإنسان الهجيني الذي يجمع بين قدراته الجسمانية البشرية وبين الذكاء الاصطناعي والقدرات الروبوتية.

وثمة فئة من أبطال اليوم خلّدتهم السينما الأميركية من خلال الأفلام المأخوذة عن قصص الكوميكس ومن إنتاجات مارفيل بالتحديد، وهذه لوحدها تقدم لنا تراكما ملفتا للنظر في تمثل شخصية البطل المنققذ سواء في “كابتن أميركا” أو سلسلة “سوبرمان” أو “الرجل الحديدي” أو “حراس المجرة” أو “متسابقو المتاهة” أو غيرها، وجميعها تخصص مساحة واسعة وأهمية كافية للبطل المنقذ، حتى صار الجمهور العريض معتادا على هذا النوع الذي يلقى شعبية واسعة ولا يزال كلما عرض يجد له أصداءه.

والملاحظ خلال ذلك أن هذا النوع من الدراما السينمائية يقدم مزيجا مما هو خيالي وما هو مرتبط بالواقع في بعض الأحيان، وتلك ميزة تتيح للشخصيات الدرامية، ممثلة بالبطل المنقذ، أن تبرز قدراتها الخارقة ومهاراتها في الاقتصاص من الأشرار غالبا والانتصار للخير، وهو ما ينتظره الجمهور بفارغ الصبر وهو يحشد مشاعره مع ذلك البطل المنقذ الذي سوف يصحح المسارات وينعش الأمل لدى الجمهور العريض.

وأما إذا انتقلنا إلى السينما العربية فهي الأخرى كانت معنية إلى حد ما بإيجاد أبطالها المنقذين، ولكن ليس بتلك الصورة المتضخمة والمبالغ فيها التي قدمتها السينما الأميركية، فالثورات العربية والانتفاضات ضد الاستعمار أو ضد الأنظمة والانقلاب عليها كانت هي السائدة في الغالب، بمعنى أنها شخصيات واقعية ولها سيرتها المعلومة، وأما أنه قد تم تحريفها أو تعديلها فتلك قصة أخرى.

ربما سوف نتذكر سعد زغلول وعبدالناصر والسادات وعمر المختار وجميلة بوحيرد وعبدالقادر الجزائري الذي قدم وثائقيا وكثر الجدل عن تقديمه روائيا، وعبدالكريم الخطابي وغيرهم.

وهنا نجد أن تقييد الخيال هو السمة الأبرز في مقابل الشخصيات التاريخية التي يجب الحفاظ على صدقية سيرتها دون تدخل ولا تحريف، بينما نجد أن السينما في تكريسها شخصية البطل المنقذ تبحث عما هو أبعد من صدقية السيرة الذاتية، إلى ما ينعش الخيال ويغذي الرغبة في تجاوز الواقع واختراق مصاعبه باتجاه ما هو مدهش واستثنائي، وذلك مقياس اعتباري سينمائي مختلف عما هو سائد على صعيد السينما العربية في منجزها المحدود للغاية، وخضوع موضوعاتها لمعايير صارمة تتعلق بكل بلد عربي وقوانينه المتعلقة بالرقابة وإجازة النصوص، وبذلك اكتسبت شخصية البطل المتفرد مواصفات أخرى مختلفة.

ويحمل التاريخ القديم والحديث شخصيات استثنائية وأسطورية من الممكن البناء عليها وتقديم ذلك النوع من الشخصيات الأكثر جذبا وتأثيرا في الجمهور، وخاصة في إطار البحث في التاريخ والمرويات والميثولوجيا عن مثل تلك الشخصيات الفريدة والاستثنائية..

15