لم يعد أمام الحكومة المصرية سوى التكنولوجيا لوقف تسريب الامتحانات

القاهرة – أجبرت وقائع تسريب امتحانات الثانوية العامة في مصر، الحكومة على استبدال الأساليب التقليدية في إدارة الامتحانات، والانخراط في عالم التكنولوجيا التي لطالما عجزت عن تطبيقها طوال السنوات الماضية.
وبعد الهزيمة التي منيت بها في تأمين الامتحانات، اضطرت الحكومة إلى تغيير أنظمة الامتحانات برمتها في جميع المراحل التعليمية، بحيث يتم إبعادها عن التدخل البشري، والاعتماد بدلا عن ذلك على وسائل تكنولوجية حديثة.
وشهدت امتحانات الثانوية العامة في مصر سلسلة من التسريبات على مواقع التواصل الاجتماعي، وجرى بيع عدد منها لمعلمي الدروس الخصوصية بمبالغ مالية وصلت إلى 20 ألف جنيه للامتحان الواحد (حوالي ألفي دولار)، وتم القبض على عدد من المتهمين بوازرة التعليم لضلوعهم في تسريب الامتحانات.
وقالت مصادر بوزارة التربية والتعليم المصرية لـ”العرب” إن التوجه الجديد في الامتحانات يعتمد كليّا على التكنولوجيا الحديثة “إذ لم يعد مقبولا أن يحارب الطلاب والمعلمون الوزارة بأجهزة إلكترونية حديثة يسربون من خلالها الامتحانات، وفي المقابل تصر الوزارة على مواجهتهم بأنظمة قديمة تعود إلى العشرات من السنين”.
وكشفت المصادر، المشاركة في لجنة تطوير الامتحانات، عن اقتراحين؛ الأول أن يتم إلغاء الاستخدام الورقي تماما في الامتحانات على أن يعرض الامتحان داخل اللجان من خلال “لوحة (سبورة) ذكية” تتصل مباشرة عبر الإنترنت بوزارة التعليم، وتعرض الامتحانات عليها إلكترونيا بجميع اللجان في توقيت واحد، وهذا النظام سيمنع التسريب تمامًا.
ويتمثل الاقتراح الثاني في تغيير شكل الامتحان تمامًا، بحيث يكون لكل ورقة أسئلة برقم سري، يتصل مباشرة عبر الإنترنت بالموقع الرسمي للوزارة، على أن تجري طباعة الامتحان داخل اللجنة، وليس بالنظام المعمول به حاليًا، بطبع الامتحانات قبل موعدها بشهر كامل.
ويشمل هذا الاقتراح أيضا تغيير شكل الامتحان ومنع وجود أسئلة “سهلة في الغش أو التسريب” مثل “اختر الإجابة الصحيحة”، بحيث تعتمد 70 بالمئة من الأسئلة على الفهم و30 بالمئة على الإبداع والابتكار.
ويرى خبراء في التربية أن تطبيق أي من الاقتراحين سيشكل مجازفة محفوفة بالمخاطر، إذ أن كليهما يعتمد على التكنولوجيا بشكل أساسي، وهو ما يعني ضرورة توافر الوسائل التكنولوجية في جميع اللجان.
|
كما سيتطلب كل منهما ضمان عدم انقطاع التيار الكهربائي طوال فترة الامتحانات، وهو أمر صعب للغاية في ظل عدم استقرار الكهرباء بالبلاد، إضافة إلى صعوبة مد اللجان بالإنترنت، فضلا عن مسألة التعامل مع الطلاب المصابين بصعوبات في الإبصار وقدرتهم على الاستجابة لـ”اللوحة الذكية”.
وقال محمود أبوالنصر، وزير التربية والتعليم الأسبق، إن “الامتحانات المشفّرة هي الحل الأمثل لوقف عمليات التسريب التي تحدث كل عام، ولم يعد ممكنًا مواجهة سلبيات تكنولوجيا الجيل الرابع والخامس بحلول تقليدية، لأن استخدام التكنولوجيا الحديثة في الامتحانات يقضي على جميع سلبياتها، سواء أكانت تسريبات أم غشّا جماعيّا”.
وأضاف لـ”العرب” أن “الامتحان المشفر يطبع مع انطلاق وقت الامتحان في كل اللجان على التوازي بالتعاون مع وزارة الاتصالات من خلال كود مشفر يسمح لرئيس اللجنة بطباعة الامتحان بعد دخول الطلاب اللجان، وهذا للقضاء على أخطر مرحلة تمر بها الامتحانات وهي مراكز التوزيع ومرحلة نقل الأسئلة”.
وأكدت مصادر حكومية رفيعة لـ”العرب” أن تغيير أنظمة الامتحانات “قادم لا محالة، لأن هناك توجيهات مشددة من رئيس الجمهورية بالانتهاء من المنظومة الجديدة للامتحانات خلال أسابيع قليلة لعرضها على الرأي العام الغاضب جدا من التسريبات، وتهدئة الشارع وطمأنة أولياء الأمور، خاصة أن الأكثرية من المصريين ينظرون إلى النظام كله باعتباره فشل في إدارة الامتحانات وتأمينها”.
والسبب الرئيسي في تسريب الامتحانات بمصر هو مرورها بنحو 10 مراحل حتى وصولها إلى الطالب داخل اللجنة، ما بين وضع الأسئلة وكتابتها بطريقة خاصة وطبعها وتغليفها ووضعها في صناديق ووزنها للتأكد من نوعية أوراقها وإرسالها إلى مراكز توزيع الأسئلة عبر سيارات وطائرات.
وتساعد كل هذه المراحل على التسريب، وتحاول الحكومة اختصارها في مرحلة واحدة في الامتحانات، من الأجهزة السرية في الوزارة إلى الطالب مباشرة.
ومن ضمن آليات المشروع وجود رقم جلوس الطالب بعلامة مائية على ورقة الأسئلة حتى يصعب تسريب الامتحان.
وحظي اقتراح “اللوحة الذكية” بتأييد رأفت جودة، أستاذ نظم تطوير الامتحانات بجامعة الإسكندرية، بحيث يتم تجنب طباعة الأسئلة نهائيا، عن طريق وجود شاشة عرض “بروجكتور” في كل لجنة امتحان متصلة بشبكة معلومات الوزارة.
ويظهر على الشاشة الامتحان بشكل تلقائي أمام الطلاب لحظة بداية الامتحان دون الحاجة إلى طباعة، ويكون التواصل بين الوزارة والطالب مباشرة، و”مادام هناك تدخل بشري في الامتحانات لن يتوقف التسريب”.
وقال لـ”العرب” إن القضية برمتها تحتاج إلى “إرادة سياسية، وثورة للتغيير وليس للإصلاح فقط، وغير مبرر أن يتحجج البعض بأزمة الكهرباء وانخفاض معدلات الإنترنت بالمدارس، لأن هذه أزمة دولة، وإذا كان هناك تخوف على ضعاف البصر، فيمكن عمل لجان بمواصفات خاصة لمثل هذه الحالات”.
وقال إن الحديث عن قطع الإنترنت أثناء الامتحانات “حل مجنون لن يؤتي ثماره، والمطلوب تغيير نظام الامتحانات ومضمونها كليّا، وإلغاء كل الطرق التي تعتمد على الحفظ والتلقين، وزيادة أسئلة الفهم والإبداع، لأنه لا يمكن تسريبها أو الغش فيها، وكل طالب يعتمد على نفسه فقط، وبالتالي فإن التكنولوجيا الحديثة مع مضمون جديد للامتحانات أقوى سلاح، ولا يمكن تجاهل أحدهما على حساب الآخر”.