لم نستعد حياتنا بعد

عندما يتعلق الأمر بمن خرج سالما من كورونا صحيا واجتماعيا وماليا، فإنهم لم يستعيدوا قوتهم كاملة بعد تضاؤلها خلال أشهر الوباء، لأننا في حقيقة الأمر لم نستعد حياتنا بمجرد إعادة تعريف علاقتنا الجديدة بالمنزل والعمل والأصدقاء بعد أكثر من سنة في الحجر المنزلي.
لسنا وحدنا نعيش سوء فهم للمخاطر مع انحسار الوباء، فالعلماء والفلاسفة والسياسيون ما زالوا متمسكين بردة الفعل السلبية أيضا.
واليوم لا أحد بإمكانه الإجابة بشكل واضح على سؤال، هل جعلتنا محنة الوباء أشخاصا أفضل؟ عادة ما يستعيد الذين يندفعون في تفاؤلهم للإجابة على هذا السؤال، الإيثار الذي ساد بين الناس والعلاقة الافتراضية الأكثر ودية، وتراجع حدة التنافس… لكن إلى أي حد يستمر ذلك بعد تلاشي الوباء ودوران عجلة الحياة والأعمال؟ من المرجح أن نضع كل ذلك وراءنا في أقرب وقت ممكن.
يمكن استخدام كل تلك الذكريات الإنسانية من الناحية النظرية لاستلهام العبر كي نكون أكثر تفكيرا وحكمة. غير أننا لم نصل بعد إلى درجة الرضا عن اتساقنا مع حياتنا الجديدة وبعد أكثر من سنة من تغيرها تماما.
لكن الروائية والباحثة البريطانية لورا سبيني، ترى من العدل أن ينسى الناس صدمة وباء كورونا في أسرع وقت ممكن.
وتقول سبيني مؤلفة كتاب “الإنفلونزا الإسبانية عام 1918 وكيف غيرت العالم” إذا كان الماضي بمثابة مقدمة صالحة لمستقبلنا فإن تجارب الأوبئة عبر التاريخ تقول لنا إننا نمر بدائرة من الذعر والرضا عن النفس، نشعر بالذعر عندما يعلن الوباء عن نفسه، ثم ننسى الأمر بمجرد زواله.
كيف نفسر هذا التناقض الإنساني؟ تجيب الباحثة البريطانية بأن البشر يفهمون الحياة من خلال القصص المقنعة، ولهذا السبب يتم تسجيل بعض الأحداث في ذاكرتنا التاريخية، ولكن البعض الآخر يطويه النسيان، فالحروب والكوارث تنسى من الذاكرة الإنسانية لكن تبقى حاضرة في النصوص الروائية والأفلام السينمائية والكتب.
مع ذلك يحتاج التعافي إلى وقت لا يمكن أن تقرره النظريات الفلسفية ولا استراتيجية الحكومات القلقة. قد تنسى صدمة الوباء الطبية لكن تداعياتها النفسية على حياة هذا الجيل ستبقى ماثلة.
فهل تفكر دولة ما أن تقيم نصبا تذكاريا لكورونا؟
في فرنسا هناك أكثر من 170 ألف نصب تذكاري للحرب العالمية الأولى تذكّر بمن فقدوا حياتهم وهم بالملايين، لكنه لا يوجد نصب تذكاري واحد يذكّر بمن قتلهم وباء الإنفلونزا الإسبانية عام 1918، مع أنهم أكثر من ضحايا الحرب العالمية، ويتراوح عددهم ما بين 50 إلى 100 مليون شخص.
اليوم نحن جميعا نتذكر بألم من فقدناهم بفايروس كورونا، لكننا نفكر أكثر بحياتنا القادمة!