لماذا يميل القارئ العربي إلى الأعمال الأدبية المترجمة

بدأت المترجمة والكاتبة مروة هاشم رحلتها في عالم الترجمة مقدمة عددا من الأعمال المهمة تعاونت فيها مع مشروع كلمة بهيئة أبوظبي للثقافة والسياحة، منها المجموعة القصصية “ترجمان الأوجاع″ و”الحلقة المفقودة” و”ظلال الاستهلاك” و”اثنا عشر عاما من العبودية” و”التطريز في الهند وباكستان” و”الكيمونو”، وكذلك نشرت مؤخرا طبعة محدثة من كتاب “عبودية الكراكيب” مع المركز القومي للترجمة في مصر.
تحديات الترجمة
وفي حوارنا معها تؤكد مروة هاشم أن التحديات التي تواجهها الترجمة كثيرة، منها أزمة التمويل والنشر والتوزيع والكلفة الباهظة للحصول على الحقوق من دور النشر الأجنبية.
ينطوي مجال الترجمة على العديد من التحديات المتعلقة خاصة بنقل النص من لغة أجنبية إلى العربية، لأن عملية الترجمة ليست قاصرة على مجرد نقل معاني كلمات النص وإنما تشمل أيضا ترجمة السياق الثقافي واختيار الألفاظ والعبارات التي تعبر بصدق عن وجهة نظر المؤلف، إضافة إلى عراقيل مادية وتنظيمية وغيرها، رغم ما للترجمة من أهمية ملحة اليوم. “العرب” كان لها هذا الحوار مع عضو لجنة الترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة، المترجمة والكاتبة مروة هاشم حول واقع الترجمة اليوم.
وتقول إن “المترجم في العالم العربي يعاني بشدة لنشر أعماله المترجمة، ويضطر في كثير من الأحيان إلى التنازل عن حقوقه المادية، التي تكون متدنية في أغلب الأحوال، لا سيما إذا كان في بداية حياته المهنية، من أجل الحفاظ على حقوقه الأدبية إذا ما وافقت إحدى دور النشر على نشر أعماله. وعلاوة على ذلك، يواجه المترجم في بعض الأحيان إشكالية في عدم إمكانية التفرغ لمهنة الترجمة، وذلك بسبب ندرة المشروعات الكبرى التي تعنى برعاية المترجمين وتنمية قدراتهم. وعلى الرغم من أهمية مهنة الترجمة فإنه حتى الآن لا توجد نقابة للمترجمين في مصر، كما أن العديد من غير المتخصصين يمارسون مهنة الترجمة وتستعين بهم مكاتب وشركات الترجمة الخاصة التي تهتم بالكم بغض النظر عن مستوى الترجمة، وبالتالي انخفضت أسعار الترجمة في مصر مقارنة بالخليج على سبيل المثال، الخلاصة أنه لا يوجد ضوابط لممارسة المهنة وهذا ينعكس بالسلب على المترجم المؤهل جيدا”.
وترى هاشم أن النهوض بحركة الترجمة ودعم المترجمين يحتاج إلى المزيد من المشروعات والمبادرات الوطنية الرائدة مثل المركز القومي للترجمة في مصر ومشروع كلمة للترجمة في أبوظبي، وثمة حاجة أيضا إلى إدراك أهمية دور المترجم الذي لا يقل عن دور المؤلف، ومن الأمور الشائعة لدى الكثير من دور النشر تجاهل وضع اسم المترجم على غلاف العمل أو التعامل معه باعتبار أن دوره ثانوي رغم المجهود الشاق الذي يبذله من أجل نقل أفكار المؤلف، وربما يكون إنشاء نقابة للمترجمين والتعامل مع الترجمة باعتبارها مهنة مثل غيرها هو السبيل لبداية حل بعض المشكلات التي يواجهها المترجمون.
وتشدد هاشم على أن المترجم لا بد أن يجيد لغة النص الأصلي واللغة التي يترجم إليها، مضيفة “المترجم يجب أن يتحلى بالصبر والمثابرة في البحث عن المعنى الصحيح والدقيق للمفردات والعبارات، وأن يقوم بمراجعة النص بعد ترجمته أكثر من مرة للتأكد من تطابقه مع النص الأصلي والوصول إلى أفضل جودة ممكنة، وأعترف أن هذا الأمر يشكل تحديا في بعض الأوقات نظرا إلى ضيق الوقت الذي تحدده بعض الجهات لترجمة أعمالها. أما المعايير المطلوبة لاختيار عمل لترجمته فأعتقد أن أهمها أن يشكل إضافة معرفية مفيدة للقارئ العربي في المنطقة، وألا يكون قد سبق ترجمته لأن هذا إهدار لا داعي له، ولعلنا الآن في أشد الحاجة إلى ترجمة الأعمال العلمية والاكتشافات الحديثة والتجارب الاقتصادية الرائدة على مستوى العالم من أجل الاستفادة منها”.
تشير هاشم إلى أن المترجم مدعو طوعا إلى ترجمة بعض الأعمال الأدبية، كمبادرة منه للإسهام في الشأن الثقافي، وتقول “المترجم إذا لم يتم تكليفه بترجمة عمل بعينه، فهو يقوم بذلك فعلا قبل البحث عن دار نشر توافق على إصدار العمل سواء كان أدبيا أو في أي مجال آخر، المترجم يترجم طوعا في كثير من الأحيان ويحتاج إلى نوافذ لنشر أعماله، إذا كانت جيدة بالطبع، للمساهمة في الشأن الثقافي، ولكن المترجم لن يكون قادرا على ذلك إلا حينما يتوفر لديه دخل ثابت من عمل آخر أو أن يكون مستقر مادياً”.
الريادة للأدب
تلفت مروة هاشم إلى أن دور النشر الخاصة تسعى وراء الربح من خلال جذب انتباه القارئ بالقضايا التي تشغله، وهذا حقها، وهذه الظواهر السياسية هي جزء من واقع نعيشه في الوقت الراهن ويحتاج فعلا إلى الفهم والتحليل ومعرفة وجهات نظر متعددة في ما تشهده المنطقة العربية من أحداث وتوازنات سياسية وإقليمية لم تكن موجودة من قبل، ولكن مازالت الأعمال الأدبية تحتل القسم الأكبر من الاهتمام خصوصا لدى الشباب، وهناك اهتمام في الوقت الراهن بالأعمال الأدبية اليابانية والصينية والكورية.
الأعمال الأدبية تحتل القسم الأكبر من الاهتمام بالترجمة خصوصا لدى الشباب، وعلينا أن نهتم أكثر بترجمة العلوم
وتنفي هاشم أن تكون الترجمات الأدبية سواء سردية أو شعرية أو نقدية نظرية وتطبيقية لا تحقق رواجا أو حضورا كبيرا في الساحة الثقافية والإبداعية، وتقول “الترجمة الأدبية لا تزال تحقق رواجا كبيرا في الساحة الثقافية وبين القارئ العربي، ويكفي ملاحظة الكم الكبير للأعمال الأدبية المترجمة في معارض الكتب والأسواق ويوجد إقبال على شرائها، وهو ما يدفع دور النشر إلى ترجمة المزيد منها، رغم أنها ليست كلها ترجمات جيدة من وجهة نظري، ولكنها تحقق رواجا بين القراء”.
وتؤكد هاشم أن الترجمة جزء أصيل من الحركة الثقافية فلا شك أن أزمة الثقافة عامة تنعكس على مجال الترجمة، والأزمة هنا ليست في مدى الرواج لدى القارئ؛ فثمة إقبال شديد على الروايات المترجمة رغم رداءة الترجمة في بعض الأحيان، وإنما الأزمة في جودة الترجمة وقلة الاهتمام بترجمة الكتب العلمية والاكتشافات الحديثة والأهم من ذلك ضعف التمويل. واللافت للنظر أن القارئ الآن يتجه أكثر للأعمال المترجمة لضعف مستوى المؤلفات العربية من حيث القصة والحبكة واللغة، وحتى إذا كانت الترجمة رديئة فإن القارئ يستمتع على الأقل بالقصة في حد ذاتها.
وتضيف هاشم أن الترجمة هي الجسر الذي لا يمكن الاستغناء عنه أبدا في عملية التواصل الثقافي بين الشرق والغرب، إنها أداة التواصل ولذلك يجب دعم حركة الترجمة بكل الإمكانات المتاحة، وما تشهده الساحة الإقليمية الآن يزيد من أهمية الترجمة من أجل فهم الآخر واستشراف المستقبل، وحاليا تهتم بعض مراكز الترجمة العربية والمراكز البحثية العربية بترجمة التحليلات السياسية ذات الصلة وإقامة فعاليات مع مراكز دولية لتبادل وجهات النظر، ولعل المزيد من التعاون والتضافر بين مراكز الترجمة العربية يمكن أن يقود إلى تحقيق نهضة حقيقية لحركة الترجمة بشكل عام.
وتختم مروة هاشم أن المشهد الثقافي العربي لا يزال يبحث عن موقعه لدى المواطن العربي في ظل التحولات السياسية الجذرية التي تشهدها المنطقة ككل، والترجمة موجودة ضمن هذا المشهد الثقافي رغم المحاولات المستمرة لتهميش دورها ودور المترجم.