لماذا يغيب الحدث السياسي عن الدراما الخليجية

الدراما الخليجية أصبحت في السنوات الأخيرة قيمة في حد ذاتها وتفوقت على نظيراتها في مصر وبلاد الشام وذلك بفضل عوامل تتعلق بالانفتاح الفني والاجتماعي المرتبط أصلا بقرارات سياسية جريئة.
السبت 2022/04/09
في غياب الشأن السياسي

دراما الخليج العربي تحضر في رمضان هذا العام بكامل ثقلها ونضجها الفكري من حيث اختيار مواضيعها المطروحة، وكذلك طرق معالجاتها الفنية واتساع جمهورها الذي لم يعد مقتصرا على المنطقة الخليجية.

باتت لهذه الدراما هويتها الخاصة، فلم تعد مهجنة كما كانت في السابق، وانتهى زمن الحاجة إلى التطعيم والاستعانة بعناصر وخبرات من خارجها كي تقوم على قدميها وتحظى بالقبول والمشاهدة.

لقد أصبحت الدراما الخليجية في السنوات الأخيرة قيمة في حد ذاتها، تنافس ذاتها بل وتتفوق حتى على نظيراتها في مصر وبلاد الشام، وذلك بفضل عوامل تتعلق بالانفتاح الفني والاجتماعي المرتبط أصلا بقرارات سياسية جريئة.

أمام هذه الخطوات غير المسبوقة التي حققها الإنتاج التلفزيوني في الخليج بعد مرحلة التأسيس المشوبة بالتعثر الفني نتيجة الضعف التمثيلي والشح الدرامي المختصر في مواضيع هزيلة ومكررة، جاءت المرحلة التي مدت فيها هذه الصناعة خطواتها بشكل أرحب، وتحررت من قيود كثيرة كانت تكبلها وتمنع تطورها.

الانفتاح السياسي وتراخي يد الرقابة مكّنا من حرية اختيار المواضيع والالتصاق أكثر بقضايا اجتماعية راهنة بدل الدوران في حلقة مفرغة طالما اجترتها الدراما الخليجية فملها الجمهور وانصرف عنها لأنها لم تعد تشبهه وسط تطورات كثيرة قد طرأت على بنيته.

لم تعد مواضيع الثأر والتخاصم حول الميراث وتعدد الزوجات تغري منتجي الدراما في الخليج وتشد الجمهور إليها.. ولا حتى إدمان المخدرات والانخراط في الجماعات الإرهابية، كما هو الحال في إنتاج سنوات ما بعد سبتمبر 2001، بل انفتحت الكاميرا الخليجية في العشرية الأخيرة على ما هو أكثر جرأة في كسر المحظور وصل إلى حد نقد السياسات الداخلية والتطرق إلى قضايا كانت شبه محرمة في السابق.

طبعا، لا يمكن وضع كل حالات الانفتاح هذه في سلة واحدة ولا النظر إليها بمقياس واحد، على اعتبار أنها تنتمي إلى حيز جغرافي متشابه، فالتقدم الذي أحرزته الدراما السعودية والإماراتية لا يمكن مقارنته بما آلت إليه قرينتهما الكويتية مثلا، وعلى الرغم مما كانت عليه الأخيرة من تألق في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي.

من أخطر ما يصيب الدراما الاجتماعية هو تجاهلها للشأن السياسي ظنا منها أنها تنحو في اتجاه العفوية والبراءة في حين أنها تقتطع من الواقع باسم "الواقعية"

يبدو أن هناك انزياحات كثيرة حصلت في هذا المجال بحكم ردات وارتدادات سياسية بحتة، أما على مستوى الانفتاح الاجتماعي وما يرافقه من تطورات فنية، فلا أظنه معزولا عن الشأن السياسي وتأثيراته سلبا أو إيجابا.

وفي هذا الصدد، لا ينبغي أن نتناسى على سبيل المثال، أن القفزة النوعية التي حققتها الدراما السورية أواخر الثمانينات، كانت بفضل القرار الصارم الذي اتخذه الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، والذي أعطى الأوامر بجعل الدراما السورية تغزو الفضائيات العربية، وذلك على سبيل البروباغندا والدعاية السياسية بدرجة أولى طبعا.

نفهم انطلاقا من هذا النموذج الأنصع عربيا أن الإنتاج الدرامي لا يمكن له أن يتطور بمعزل عن المساندة السياسية لا بل التحريض السياسي، وإن كان ذلك بدافع الدعاية السياسية.. فليكن – يقول القائل – ذلك أن تطورا بدافع الامتثال الحميد للإرادة السياسية أفضل بكثير من “التقاعس الخبيث” بدافع المعارضة السياسية.

الأمثلة كثيرة في هذا الصدد، وعلى صعيد تجارب متنوعة أرادت أن تنهض بالفن والثقافة في بلدان أوروبية كثيرة بعد الحرب العالمية الثانية، فلماذا ينظر إلى هذا الأمر في عالمنا العربي على أنه شكل من أشكال الخنوع للسلطة السياسية وقد أرادت من وراء ذلك الانفتاح والتطور بدل المحافظة والجمود.

يجب أن نعترف بما لا يدفع للشك أن من مهمات السلطة السياسية هي وضع برامج شاملة للتطوير الاجتماعي والثقافي، وليس هذا بأكثر من مزية وعطية تخصص لها المهرجانات الخطابية والاحتفاليات الدعائية، لكن حدوثها يُصنف ضمن باب الاعتراف بالجميل على أي حال.

أما الحديث عن غياب الشأن السياسي في الدراما الخليجية فالمقصود من خلاله هو أن يغفل الإنتاج التلفزيوني الرمضاني هذا العام عن التطرق إلى ما يحدث من تفاعلات درامية مع المحيط السياسي، وكأن الأمر لا يعني العاملين والمنشغلين بهذا القطاع.

كيف للدراما السعودية أن تصد أذنيها وتغمض عينيها عما استجد من تطورات في الحرب ضد الحوثيين في اليمن، وأقلها تلك المسيرات التي استهدفت مواقع مدنية ومنشآت حيوية في المملكة، وراح ضحيتها مدنيون من سعوديين وغير سعوديين عاملين ومقيمين في المملكة؟

كذلك ينطبق الأمر عما حصل في أرض الإمارات من اعتداءات كادت تهز أمن واستقرار أكثر من مئتي جنسية مقيمة في هذا البلد الذي يضرب به المثل في التعايش على المستوى الدولي.

أما عن الكويت، الدولة الخليجية التي كان يضرب بها المثل في الحريات السياسية والفكرية، فلقد عكر صعود التيار الإسلامي صفو المشهد البهيج الذي كان سائدا منذ عقود، وتسبب هذا التيار في انتكاسات اجتماعية ارتدت بهذا البلد وجعلته يعاني من غلاة التشدد في مرحلة لم يسبق لها مثيل.

ما الذي يمنع هذا الإنتاج الدرامي الصاعد من التنبه إلى ما يحدث على الصعيد السياسي، وتحييده في فن كان الأجدر به أن يلم بجميع ما يحدث بل أن جميع ما يحدث لا ينفصل عن الحدث السياسي، خصوصا في بلاد لا يمكن الفصل فيها بين الشأنين العام والخاص وهل أن عدم التطرق للشأن السياسي يغني السردية الدرامية أم يفقرها؟

الحقيقة أن إدارة الكاميرا الخليجية ظهرها للمستجدات والتطورات السياسية يجعلها “حولاء” تنظر بعين واحدة وتتجاهل أزيز الطائرات وقذائف المدافع، وحتى البيانات السياسية التي تلعب دورا مهما في تأثيث المشهد الدرامي كشخصيات فاعلة وليس مجرد فضاء تدور ضمنه الأحداث.

إن من أخطر ما يصيب الدراما الاجتماعية هو تجاهلها للشأن السياسي ظنا منها أنها تنحو في اتجاه العفوية والبراءة في حين أنها تقتطع من الواقع باسم “الواقعية”.

9