لماذا يعادي زبانية الولي الفقيه برهم صالح ومصطفى الكاظمي

صالح والكاظمي يملكان صلاحيات رمزية ولكنهما حتى بقصر ذات اليد حيال آليات عمل نظام المحاصصات الطائفية قدما معيارا لإدارة المنصب لا يتوافق مع طبيعة النظام ولا مع مصالح الذين يقفون وراءه.
الثلاثاء 2021/12/07
أمامه فرصة واحدة لكي يبرز كقوة تغيير حقيقية

الرئيس برهم صالح ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي يستحقان العداء، بل حتى محاولات القتل، من جانب زبانية الولي الفقيه في العراق وميليشياته لثلاثة أسباب على الأقل.

الأول، هو أن هذين الرجلين أعادا الاعتبار إلى قيم النزاهة في المسؤولية. فلم يتورطا بأعمال فساد ولا حاولا أن يجعلا منصبيهما مناسبة للثراء الشخصي كما فعل الأسبقون منذ نشأة “العراق الجديد”، ولا وظفا المنصب لمراعاة حزب أو طائفة. فكان ذلك أمرا من باب العجب بالنسبة إلى أزلام الولي الفقيه الذين إنما أفسدوا، لأن الفساد كان مطلوبا منهم لكي يُفسدوا العراق وينهبوه ويحولوه إلى ضيعة تابعة للحرس الثوري الإيراني.

والثاني، هو أنهما تصرفا في منصبيهما كعراقييْن. وهذه مصيبة. فصفة “العراقي” بالنسبة إلى أي مسؤول، إنما تُذكر الولي الفقيه بما يخاف ويكره. فالانتماء إلى العراق والعمل لخدمته وتعزيز مقومات بقائه تنذر بعودة العراق القديم، كما تنذر بانهيار آليات التخريب التي تكفل أزلامه وغلمانه بجعلها هي القوة التي دفعت العراق إلى ما هو فيه الآن.

والثالث، هو أنهما يستندان إلى مشروع إصلاح يدفع بالعراق لكي يدور في مدار وطني جامع تجاه التمزقات التي أقامها النظام الطائفي؛ وفي مدار مستقل تجاه دول المنطقة، وذلك من أجل أن يستأنف مسارا للتنمية قائما على الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة، وليس على قيم اللصوصية والولاء لإيران والارتباط بأجندتها السياسية.

وهذه الأسباب لا يكفيها العداء. لأنها تخرب كل شيء حاول الولائيون أن يجعلوا منه معيارا لتولي المناصب.

اللصوصية والاستيلاء على المال العام وتهريبه وإقامة مشاريع وهمية وتحويل الفساد إلى نظام قائم بذاته كانت هي الأرضية التي سمحت بتبديد التريليون ونصف التريليون دولار التي حصل عليها العراق من عائدات النفط خلال الأعوام الـ18 الماضية، بينما ظل العراقيون يعانون أسوأ الظروف المعيشية، ويرزحون تحت نير الفقر والجوع والبطالة والتشرد والمرض.

لا أحد يجهل إلى أين كان يذهب ذلك المال. ولا أحد يجهل من هم الزبائنيون الذين وفروا لإيران السبيل لكي تمتص من دم كل عراقي، بالمعنى الحرفي للكلمة، وكأنها حشرة جريمة وحشية، تغرس أنيابها في كل جسد.

العراق الذي أصبح تحت سلطة جماعات الولي الفقيه من أكثر دول العالم فسادا تحوّل الفساد فيه إلى نظام له معاييره ومريدوه وآلياته ومرجعياته. وكان يتعين أن يظل عرضة للنهب والخراب والفشل. وكان من غير الجائز، بحسابات الولائيين، أن يظهر على رأس السلطة رجال يضعون العصي في دواليب ذلك النظام.

لم يملك صالح والكاظمي إلا صلاحيات رمزية. ولكنهما حتى بقصر ذات اليد حيال آليات عمل نظام المحاصصات الطائفية قدما معيارا لإدارة المنصب لا يتوافق مع طبيعة النظام، ولا مع مصالح الذين يقفون وراءه.

نظام المحاصصات الطائفية هو بالتعريف نظام لصوصية وفساد وأعمال نهب، لأنه ينظر إلى موارد البلاد على أنها “حصص” تتوزع على كل أفّاق من أفاقي الولي الفقيه، بينما يكسب الولي الفقيه نفسه الحصة الأكبر منها ليرعى جلاوزته وحراميته الذين، بدورهم، أفقروا إيران، وجعلوا أكثر من 40 في المئة من مواطنيهم يعيشون تحت خط الفقر.

المئات من المليارات التي تم نهبها جهارا ونهارا من عائدات العراق، كيف لم تنفع الإيرانيين أنفسهم؟ وإلى أين ذهبت؟ ولماذا بقيت البنية التحتية في إيران تتداعى ليس بأقل مما تداعت في العراق؟

الجواب، هو أن عقلية النهب لا تُملي نفسها في مكان إلا لتكون هي نفسها في كل مكان آخر.

والجواب، هو نظام الفساد القائم في العراق كان في الواقع مرآة لنظام الفساد في إيران الذي يرعاه ويشرف عليه الزبانية.

والجواب، هو أن المال الحرام لا بد وأن يسلك سبل الحرام.

ولو ظهر في إيران رئيس مثل برهم صالح أو رئيس وزراء مثل مصطفى الكاظمي لقتلوهما بطائرات مسيرة لا تخطئ الهدف.

أعادا الاعتبار إلى قيم النزاهة في المسؤولية.
أعادا الاعتبار إلى قيم النزاهة في المسؤولية

وهناك من سجناء المعارضة لسلطة الولي الفقيه مثل مير حسين موسوي ومهدي كروبي من لا ينتظرون إلا الموت البطيء لأنهم أرادوا إصلاح نظام قائم على الفساد، وعلى الطغيان فيه، حتى لم تنفع الإيرانيين لا موارد بلادهم، ولا ما تم نهبه من العراق.

المئات من المليارات كان بوسعها أن تفعل الكثير أينما وضعتها، إلا أنها تبددت كما يتبدد الماء من بين الأصابع هنا وهناك.

ولأنه “نظام” قائم على شبكة ترتيبات وأزلام وعصابات وميليشيات، وله معايير خاصة به، فإن أي أحد يسعى لكي يقدم معايير مختلفة سوف يُعد تهديدا، حتى ولو ظلت معاييره محدودة الصلاحيات. لماذا؟ لأنها تكشف عورات الولي الفقيه، وعورات أزلامه، وتحولها إلى فضيحة سياسية وأخلاقية لا يمكن لنظام الفساد أن يتحملها.

عندما اجتمع أزلام الولي الفقيه مع مقتدى الصدر تحت “سقيفة هادي العامري” صاروا جميعهم مناهضين للفساد وداعين إلى محاربته. كيف؟

على سبيل “التقية” والدجل، فإن كل قول ممكن، إلا أن تتحول مكافحة الفساد إلى عمل حقيقي. وهم يريدون في الواقع المشاركة في الحكومة، بأي ثمن، لكي يفسدوا محاولات مكافحة الفساد ويقوموا بتسويف ما نهبوه، ولكي لا يتعرضوا للمساءلات عن الـ450 مليار دولار التي قال عادل عبدالمهدي إنها “ضاعت” من الحسابات.

فكيف يجوز أن يجعل صالح والكاظمي من مكافحة الفساد هدفا رئيسيا من أهدافهما؟ وكيف يجوز السماح ببقائها في السلطة؟ بل كيف يجوز أن يبقيا على قيد الحياة أصلا؟

مقتدى الصدر يعرف هذه “الأورطة” وهو يحاول أن يتساوم معها، لكي يُبقي فرص قيادته للعراق قائمة من دون منغصات.

إلا أنه لن ينجو إذا تراخى. مشروعه الداعي إلى المحافظة على استقلال العراق وإعادة بنائه سوف ينهار إذا ما سمح لسوسة الفساد أن تمتد إليه، وإذا ما سمح لآليات التسويف أن تعطل قدرته على إنجاز ما يريد.

التنازل لزبانية الفساد، ولو بمجرد إبعاد صالح والكاظمي، إنما يعني أن سوسة التسويف هي التي فازت في الانتخابات وهي التي باتت تقود السلطة، لا هو.

لا يحسن بالصدر أن يُخادع نفسه إذا ما خادعوه. فهم بعد أن ينتهوا من مواجهة الخطر، سوف يلتفتون إليه شخصيا.

كما لا يحسن بالصدر أن يتجاهل حقيقة أن “التيار الصدري” الذي أصبح منافسا وتهديدا لجماعات الولي الفقيه، قائم على شخصه هو. فإذا ما قُتل فإنه سوف ينهار. كما أنه سوف ينهار إذا سمح لسوسة الفساد والمساومات أن تفعل فعلها فيه.

اليوم يملك الصدر درعا يحميه. والمساومة مع زبانية الولي الفقيه سوف تجعله أهلا للقتل، ولن يكلفهم ذلك الكثير.

لقد توفرت للصدر فرصة واحدة لكي يبرز كقوة تغيير حقيقية. وهذه الفرصة لن تتكرر. وإذا ما أحبطها بنفسه، فإن المآسي التي وفرت له الفرصة، لن تتوقف عليه إذا ما تراجع هو عن السير بها إلى الأمام.

8