لماذا لا تكتب عن ماجد المهندس؟

يدرك ماجد أن شرف الأغنية يكمن في إخلاصها لبيئتها، كما في إخلاص المطرب لقيمة الإرث الفني من دون أن يسقط في وهم وغرور الشهرة والمال.
الاثنين 2024/09/23
ماجد المهندس عندما كان يحلم بأداء ألحان الخفاف

لم أجهد نفسي في البحث عن إجابة لهذا السؤال الذي تكرر أمامي كثيرا على مدار السنوات الماضية، ولم أبحث أيضا عن ذريعة وأنا أعرض عنه، لسبب بسيط يكمن في أنني لا أعرف هذا المطرب منذ البداية ولم أستمع إليه بما يكفي لتكوين رأي ذوقي أو نقدي عن صوته وغنائه فهو من جيل ظهر بعد مغادرتي العراق، وغلب على أبناء هذا الجيل الأمية في علوم الغناء بينما سنحت لماجد فرصة نادرة لإنقاذ نفسه كي لا يحسب على هذا الجيل.

فضيلة تكرار السؤال أمامي من قبل زملاء وأصدقاء فنانين أغلبهم من المعجبين بغناء المهندس، كانت تدفعني إلى الاستماع إلى غنائه. وبدا لي اليوم من المفيد أن أقترح إجابتي من دون أن أراها تأخرت، على الأقل أمام نفسي، ومن دون أن أفكر أيضا كثيرا بجمهور المهندس الواسع. فهذا المقال لن يكون في الأغلب جزءا من اهتمامه.

إن الثورة الغنائية العربية على مدار العقود الثلاثة الماضية لم تجد لها معادلا نقديا، وكان اتساعها بغض النظر عن قيمتها الموسيقية، يقابله تراجع نقدي مضر بالغناء، وليس غناء ماجد وحده من حظي بهذا الجمهور الشاسع من دون أن يوضع صوته وأداؤه تحت مجهر التحليل النقدي.

كذلك يقع أغلب المعجبين بأداء ماجد المهندس تحت حاجة شخصية تكمن في لمسة “الدفء” الضئيلة الكامنة في صوته، لكن ذلك ليس سببا كافيا لجعله من المطربين التعبيريين في الغناء العراقي أو العربي، بمجرد أن ندرك فشله بعد كل هذه السنوات في تعلم نطق مخارج الحروف بشكل سليم.

◙ اعتراف ماجد بقيمة الخفاف قبل أن يستولي على ألحانه
◙ اعتراف ماجد بقيمة الخفاف قبل أن يستولي على ألحانه

وبوسعي أن أقول إن صوت ماجد محدود المساحة قياسا بالأصوات الكبيرة التي تغني ضمن مساحة أوكتاف ونصف حتى أوكتافين. وهو صوت بسيط ناعم لا يمتلك المديات العالية قياسا بالأصوات التي تتمكن من الغناء بنفس المساحة.

ولا يمكن لأدائه أن يغادر المنطقة الوسطى. فـ”تون” طبقة صوته بلا قرار غليظ “الباص” ولا جواب عالي “السوبرانو”. وهو يدرك بحكم معرفته الموسيقية أن صوته محدود لذلك لا يقترب من غناء أعمال كبيرة تحتاج إلى قوة صوت عريض وتكتيك أدائي عال وتنقلات مقامية صعبة. لذلك اختار وبذكاء فني يحسب له الأغاني التي تتناسب مع مساحة صوته المحدود وعوض هذا النقص في اختياراته، سواء كانت من ألحانه أو لغيره من الملحنين. ويمكن أن نعزو ذلك إلى مقدرته الجيدة في العزف على العود.

تعلم ماجد كثيرا من تقليد أداء الفنان كاظم الساهر، لكن وفق التقويم النقدي المفرط بالتفاؤل لا يمكن المقارنة بين الاثنين، لأن هناك ما يمكن أن نسميه بالمستقبلية في ألحان الساهر الباهرة تفوق قدرات ماجد اللحنية والأدائية، فضلا عن كونه حتى الآن لم يتعلم من قيمة الألحان العراقية منذ جيل الوصول الصعب حتى جيلي الخمسينات والسبعينات في صناعة الجملة الموسيقية.

في النهاية يدرك ماجد أن شرف الأغنية يكمن في إخلاصها لبيئتها، كما في إخلاص المطرب لقيمة الإرث الفني من دون أن يسقط في وهم وغرور الشهرة والمال، وذلك للأسف لم يحدث، عندما استحوذ المهندس على ألحان فنان بقيمة جعفر الخفاف ولم ينسبها لمبدعها وبصلافة غريبة! فأغنية “بعدها الروح” مازال شاعرها محمد المحاولي ومطربها محمود أنور وملحنها الخفاف أحياء، فعن أي أخلاقية فنية نتحدث عندما يعيد ماجد هذه الأغنية ويوثقها تلفزيونيا تحت تسمية “لحن قديم”! تكرر ذلك مع أشهر ألحان الخفاف لرضا الخياط “بين العصر والمغرب” وتجرأ أكثر عندما أعاد فاصلة لحنية باهرة في الغناء العراقي صنعها الخفاف في نص كريم العراقي وصوت صلاح عبد الغفور في أغنية "خسرتك ياحبيبي" من دون أن يذكر أصلها الحقيقي. وبعد كل ذلك هل يمكن للشهرة أو المال أن تنقذ المغني من هذا الجحود عندما يسيطر عليه الغرور؟ أشك بذلك! 

 

18