لماذا تلاحق القاهرة صُناع المحتوى الرقمي وتُلزمهم بفتح ملف ضريبي؟

أثار القرار الذي اتخذته الحكومة المصرية أخيرا بشأن خضوع صناع المحتوى الرقمي، المعروفين بـ”اليوتيوبرز” و”البلوغرز” للضريبة ردود فعل مختلفة، خاصة أن تقديرات الدخل لدى هؤلاء وصلت إلى أرقام فلكية فتحت شهية بعض المواطنين للتركيز على التجارة الإلكترونية بأنواعها المختلفة التي بدأت تتزايد في مصر مستفيدة من الكثافة السكانية.
القاهرة - تصر مصلحة الضرائب المصرية على ملاحقة جميع صناع المحتوى الرقمي في البلاد، حيث طالبت البلوغرز واليوتيوبرز بفتح ملف ضريبى للتسجيل في مأمورية الضريبة على الدخل، وكذلك القيمة المضافة إذا بلغت الإيرادات نحو 32 ألف دولار خلال عام من تاريخ مزاولة النشاط.
ويقول خبراء اقتصاد إن الحكومة تمعن في فرض المزيد من الضرائب على التعاملات التي تتم عبر المنصات الإلكترونية، وقد ألزمت من قبل الشركات التي تبيع منتجاتها عبر الإنترنت في نهاية يونيو الماضي بالتسجيل في مصلحة الضرائب، وتمت إحالة عدد من الشركات إلى النيابة العامة بعد ممارستها للتجارة الإلكترونية دون التسجيل.
وقال رضا عبدالقادر رئيس مصلحة الضرائب المصرية إن “القرار الجديد يستهدف تحقيق العدالة الضريبية بحصر المجتمع الضريبي بشكل أكثر دقة لتحديد التعاملات التي تتم عبر المنصات الإلكترونية ومعرفة من يقوم بها، لأن أرباح الكثير من المشاهير على منصات التواصل الاجتماعي وصلت إلى أرقام كبيرة”.
وحسب موقع “سوشيال بليد” المختص بتتبع إحصائيات وتحليلات وسائل التواصل الاجتماعي والفيديو، وعمل قوائم تضم أعلى القنوات مشاهدة على منصة “يوتيوب” في كل بلد وحجم أرباحها السنوية، فقد حقق المطرب حسن شاكوش نحو مليوني دولار، ونفس الرقم سجله الفنان محمد حماقي، بينما سجل كل من عمرو دياب ومحمد رمضان وتامر حسني نحو 1.5 مليون دولار.
وأوضحت مصلحة الضرائب أن ثمة ثلاثة أنواع من التجارة الإلكترونية، الأول شركات تعتبر هذه التجارة مجرد وسيلة من الوسائل المتنوعة للبيع أو التوزيع، والثانى شركات تم إنشاؤها وتعتمد بشكل أساسي على البيع وتوزيع منتجاتها وخدماتها عن طريق الوسائل الإلكترونية، والنوع الثالث هو المنصات الرقمية التي شهدت إقبالا.
ودشنت وزارة المالية هيئة متخصصة للتجارة الإلكترونية بمصلحة الضرائب التابعة لها بهدف حصر وتتبع أنشطتها في إطار خطة متكاملة تتبناها مصلحة الضرائب، كما تضمنها قانون 152 لسنة 2020 والخاص بتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وحسب وزارة التموين والتجارة الداخلية وصل حجم التجارة الإلكترونية الرسمية في البلاد إلى 2.5 مليار دولار سنويًا بنهاية 2020، بينما يتضاعف الرقم إلى 10 أمثال في المعاملات غير الرسمية ليسجل نحو 25 مليار دولار سنويًا.
وأكد طلعت عبدالسلام كبير الباحثين بوزارة المالية أنه يجب على اليوتيوبرز والبلوغرز الذين تنطبق عليهم الشروط الذهاب إلى مديرية الضرائب لفتح ملف ضريبي وبعد خمسة أيام يتسلم البطاقة الضريبية دون رسوم أو تكاليف، ومن يقدم محتوى إلكترونيا على صفحات التواصل الاجتماعي لا ينتج عنه ربحا فهو غير خاضع للضريبة.
وقال في تصريح لـ”العرب” إن “الضريبة تضم شقين، الأول ضريبة الدخل والثاني ضريبة القيمة المضافة، وهي تختلف بحسب طبيعة النشاط، سواء كان تجاريًا أم غير ذلك، فالنشاط الذي يقدمه اليوتيوبرز غير تجاري لأنه لا يمارس البيع والشراء”.
وأوضح عبدالسلام أنه في هذه الحالة يقوم الفرد بفتح ملف خاص بضريبة الدخل، وكذلك ملف للقيمة المضافة التي تقدر وفقا للقانون بنحو 10 في المئة يتم توريدها لمصلحة الضرائب.
وتُحسب ضريبة الدخل على صافي الربح لصناع المحتوى، أي قيمة الأموال الصافية بعد خصم المصروفات التي تم إنفاقها على النشاط.
وتتمثل تلك النسبة في إعفاء أول مبلغ من الأرباح وقدره 960 دولارا من الضرائب، ثم تُفرض على الـ960 دولارا الثانية ضريبة 2.5 في المئة، والثالثة 10 في المئة والرابعة 15 في المئة، وهكذا، وهو ما يخضع له اليوتيوبرز والبلوغرز حال تحقيقهم الأرباح المقررة.
ويختلف الأمر في النشاط التجاري، أي الشركات التي تمارس البيع والشراء عبر الإنترنت، إذ تسجل كل شركة وصلت مبيعاتها إلى 32 ألف دولار فأكثر، وتخضع لضريبة الدخل وفقًا لقانون المشروعات الصغيرة، كما تخضع عملياتها لضريبة القيمة المضافة بنسبة 14 في المئة لكل عملية بيع يتحملها المستهلك وليس صاحب النشاط وتورد إلى مصلحة الضرائب.
وتسعى القاهرة بتلك الخطوة لمحاصرة القطاع غير الرسمي وضمه إلى المنظومة الرسمية، إذ دفعت بأهم أوراقها للقضاء عليه قبل أيام بتفعيل الفاتورة الإلكترونية رسميًا، ويتم من خلالها تتبع المعاملات المالية بين طرفي التعاقد، ومراقبة حركة البيع والشراء والتعاملات المرتبطة بها للوصول إلى نظام محكم يراقب الأموال في الأسواق.
وتمكن الآلية الجديدة الحكومة من حصر الاقتصاد الخفي الذي يتجاوز حجمه نصف اقتصاد البلاد، وزيادة موارد موازنتها العامة التي تعتمد على الضرائب، ومن ثم القدرة على تحقيق المستهدف من الحصيلة الضريبية خلال العام المالي الجاري.
وتستحوذ الضرائب على نحو 78.5 في المئة من إجمالي موارد الموازنة الحالية، التي بدأت في مطلع يوليو الماضي وتنتهي آخر يونيو العام المقبل، كما تستهدف وزارة المالية جمع نحو 60.4 مليار دولار من إجمالي الموارد البالغة نحو 80.5 مليار دولار.
وقال خبراء إن قرار مصلحة الضرائب الجديد ليس بدعة، ولا بد من مواكبة التغيرات العالمية، لأن ذلك يبرهن على صحة مناخ الاستثمار ويعزز قدرة الحكومة على استكمال مشروعاتها في البنية التحتية وبرامج الحماية الاجتماعية.
وأيّد أحمد راشد رئيس لجنة الضرائب بجمعية مستثمري السادس من أكتوبر في غرب القاهرة اتجاه الحكومة لفرض ضرائب على صانعي المحتوى الذين يربحون، وكل أعمال التجارة الإلكترونية، ويجب معاملتهم مثل الأشخاص الذين يحصلون على دخل أو المنشأة التي تحقق ربحًا.
وتأتي الخطوة لتحقيق العدالة الضريبية والمساواة في المجتمع، كما أن فرض الضريبة في مجال التجارة الإلكترونية والمحتوى الرقمي هو اتجاه عالمي تنتهجه دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.
وطالب راشد في تصريح لـ”العرب” بـ”ضرورة فرض ضرائب على الشركات العالمية المالكة للمحتويات الإلكترونية في مصر، مثل غوغل ويوتيوب وفيسبوك وغيرها، على غرار الضرائب التي تحصل من شركات التجارة الإلكترونية لأنها تخضع للضريبة في الخارج بينما في مصر لا تخضع بداعي أن مقرها الرئيسي ليس في القاهرة”.
ولم تخترع مصر قانونا ضريبيًا جديدا لمقدمي المحتوى الإلكتروني، لأن اليوتيوبرز ليسوا أسوأ حالاً من موظفي الدولة الذين يخضعون لضريبة الدخل، بل صانعو المحتوى يدفعون الضرائب عقب تلقيهم الأموال من شركات المحتوى الإلكتروني.
وأوضح الخبير الاقتصادي خالد الشافعي أن إخضاع محتوى الإنترنت للضريبة خطوة طال انتظارها لأنها أثرت سلبًا على سوق الإعلانات في مصر مع استخدام المنصات الإلكترونية المتعددة للترويج للمحتوى أو الربح عبر بث فيديوهات من خلالها.
وتعزز استراتيجية مصر بتفعيل الشمول المالي والتحول الرقمي حصر وتقدير أرباح تلك الفئات بمراقبة أنشطتها عن طريق وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، أو عبر كشف حساب من البنوك يظهر قيمة المبالغ التي تقوم الشركات المالكة للمحتويات الرقمية بتحويلها إلى صناع المحتوى، فهم لا يحصلون على الأموال نقدًا بل بتحويلات بنكية.