"للموت".. انتقام بارد من ماض كئيب باسم الحب
نجح مسلسل “للموت” في جذب الجمهور العربي للقصص والقضايا المجتمعية المظلمة التي عالجها في إطار التشويق والغموض والصدمات، متسلّحا بنخبة من الممثلين اللبنانيين والسوريين ضمن الأعمال التي تنتمي إلى خانة ما يسمّى بـ”بان أراب” أو الدراما المختلطة.
بيروت- بين طفولة معذبة ومتعبة مليئة بالفقر والتشرّد، وشباب يضجّ بالطاقة والمال والجمال، تدور أحداث المسلسل المشترك السوري اللبناني “للموت”، الذي عُرض في الموسم الرمضاني الماضي، وتُعيد بثه حاليا بعض الفضائيات العربية.
والعمل من بطولة كل من ماغي بوغصن، محمد الأحمد، دانييلا رحمة، خالد القيش، أحمد الزين، رندة كعدي، صباح الجزائري، كارول عبود، باسم مغنية، وسام صبّاغ، بديع أبوشقرا، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الممثلين اللبنانيين الشباب الذين أتيحت لهم الفرصة لإثبات مواهبهم أمام نص الكاتبة نادين جابر وعدسة المخرج فيليب أسمر.
ويروي العمل قصة سيّدتين في ريعان الشباب هما ريم وسحر، نشأتا في ظروف صعبة جراء تشرّدهما وعدم وجود عائل لأي منهما، وسط مجتمع قاس لا يرحم أطفالا أرهقتهم الحياة.
الضحية تتحوّل إلى جلاد لضحية جديدة
فسحر (ماغي بوغصن) تتعرّض وهي صغيرة للاغتصاب من قبل أبيها، وتضطر والدتها إلى نجدتها بتصويب المسدس صوب زوجها المغتصب وصوب جسدها أيضا. أما ريم (دانييلا رحمة) فبعد هروبها من الميتم، تتحوّل إلى متسوّلة وسارقة، وتتعرّض كذلك للاغتصاب، وتحمل بنتا توهمها رفيقتها بأنها توفيت، لكن نكتشف في ما بعد أن سحر وهبتها إلى شقيقها والأخير قام بتربيتها في بيته.
تجمع بين السيّدتين علاقة صداقة عميقة منذ الطفولة التي تشاركتا فيها الجوع والخوف والمرض، وحافظتا خلالها على علاقتهما الأخوية مع عمر، وهو شاب شاركهما مرارة الطفولة وعذاباتها.
تتّجه السيّدتان للثأر من الحياة تحت اسم الحب والعاطفة باندفاع من يشعر أن كل من حوله أسهم في حفلة ظلمه، ذنبهم أنهم لم يشاركوا الضحية معاناتها ولم يشعروا بوجعها حتى دون أن يعرفوها بشكل مباشر، لكنهم حتما مرّوا بجانب ضحية ما ولم يعيروها انتباههم.
وفي حالات كهذه يجرّ فيها الظلم ظلما آخر أشدّ وطأة، فالضحية تتحوّل إلى جلاد لضحية جديدة، وبدا ذلك بوضوح من أسلوب الاحتيال الذي اتبعته السيّدتان لسرقة أموال رجال أغنياء.
تتزوّج ريم من هادي (محمد الأحمد)، وهو شاب ناجح يملك شركة للإعمار والبناء، يقع في غرامها منذ اللقاء الأول فيتزوّجها بعد تعارف عمره شهران، دون معرفته أن ريم اختارته قبل أن يختارها واصطادته لتتزوّجه، والخطة تقتضي أن تظهر سحر في حياة هذا الزوج وتجرّه لخيانة زوجته، وبعد ذلك تكتشف الزوجة الخيانة، فتنهب جزءًا من ثروته قبل أن تتابع طريقها نحو زوج جديد وخيانة جديدة ضريبتها ثروة رجل مخدوع آخر.
امرأتان تلتقيان على الإخلاص والانتقام
تمشي الرياح بالاتجاه الذي تختاره سحر، العقل المدبّر والمحرّك لعمليات النصب والاحتيال باسم الحب، إلى أن تقع ريم في حب زوجها فعلا، وينسف هذا الحب كل خطط الصديقة الناقمة على طفولة الفقر والذكريات التي تغذّت على الحرمان، ما يضع كل من الصديقتين في ميدان حرب أعصاب باردة تتأرجحان فيها بين التآخي والعداوة.
وتتصاعد الأحداث بإيقاع مداده العاطفة أو الإيهام بها ثانيا، إلى أن يظهر زوج مخدوع سابق من أشباح الماضي، ويضع ماضي السيّدتين بالصور والمستندات على طاولة هادي، الزوج المثالي الذي اكتشف أن ما كان يعيشه مع ريم هو مسرحية وليس زواجا أساسه الحب.
ومن ضمن القضايا التي سلّط عليها “للموت” الضوء هو زواج القاصرات، وجسّدت هذا الدور الممثلة اللبنانية الشابة ريان حركة التي أدّت دور لميس بأوجاعها بعد زواجها قسرا من جابر جابر (خالد السيد)، الذي يكبرها سنا.
وتقول الفنانة الشابة عن دورها “تألّمتُ كثيرا وأنا أؤدّي دور لميس والتجربة المرّة التي واجهتها، حزنتُ وأنا أجسّد دورا رأيت فيه قاصرات سجينات هذا العالم، علمت أنّ وجعي سينتهي لدى انتهاء دوري، فيما هناك فتيات يعانين في الواقع من هذا الوجع، يتعرّضن للتعنيف والزواج القسري، صدقي في تجسيد دور لميس أتعبني جسديا ونفسيا”.
أما بطلة العمل ماغي بوغصن فأكّدت أن دور سحر الذي قدّمته في هذا العمل فرض عليها معادلة ورؤية أصعب لانتقاء شخصية جديدة تحدث صدمة لدى المُشاهد، وهو ما تم لها فعليا، حيث أحب الجمهور دورها رغم كرهه لشخصيتها المخادعة والانتهازية.
من ضمن القضايا التي سلّط عليها “للموت” الضوء هو زواج القاصرات، وجسّدت هذا الدور الممثلة اللبنانية الشابة ريان حركة
وفي المقابل اعتبرت دانييلا رحمة دور ريم من أنضج الأدوار التي قدّمتها إلى اليوم، وقالت “أتعبتني كثيرا شخصية ريم بسبب التقلّبات المزاجية التي كانت تمرّ بها، لاسيما كفاحها لأجل نسيان الماضي وغرقها في حب هادي الذي لأجله قرّرت أن تتخلّى في مكان ما عن أغلى ما عندها لأجل دقات قلبها على حساب الصداقة المقدّسة التي جمعتها بسحر”.
ووصف الفنان السوري محمد الأحمد شخصية هادي التي جسّدها في العمل بأنها شخصية عنيدة، وقال “هادي أتعب الجمهور لمعرفة ما يجول في تفكيره، هو صاحب العقل الغامض الذي يخوض صراعا داخليا بعدما وقع في فخ حب مزعوم، وهو في ذلك كحال ريم التي تعرّضت للظلم، فوقع ضحية أفعالها، وهو الذي أحبّها كما أحبّته ولو بشيء من التأخير”.
و”للموت” مسلسل يلفت الأنظار إلى إخراج مميز تصدّى له فيليب أسمر قدّم من خلاله صورة مشبعة بالإيحاء النفسي وشاعرية الصورة، بالإضافة إلى سيناريو وحوار مكتوب بعناية وواقعية من قبل نادين جابر بعيدا عن المبالغات المفتعلة لاستدرار عطف المُشاهدين.
ورغم حالة التصعيد الدرامي التي شهدها العمل المكوّن من ثلاثين حلقة، فإن باب النهايات بقي مفتوحا على جزء جديد منه، يجيب عن الأسئلة التي تركها العمل في جزئه الأول.
