للجدران آذان حتى في أميركا!

هناك ارتباك يعم غالبية الأميركيين، بشأن ما يمكنهم قوله وأين يمكنهم قوله. فمهما اختلفنا على تعريف ثقافة الإلغاء، فإن الأميركيين يعرفون أنها موجودة ويشعرون بعبئها
الاثنين 2022/03/21
جدران البيوت لها آذان للتنصت

أن تعترف صحيفة نيويورك تايمز في افتتاحية بأن المجتمع الأميركي يعاني من مشكلة حرية الكلام، فهذا يعني لسنا وحدنا من قُمعنا على مدار عقود وكانت جدران بيوتنا لها آذان للتنصت.

تذكر الصحيفة بأن التنوير الذي عادة ما يوصف به المجتمع الحديث، لم يحول دون افتقاد الأميركيين إلى حق أساسي في بلد حر، يتمثل في التعبير عن آرائهم من دون خوف من النبذ أو وصمة العار.

وأن هذا الإسكات الاجتماعي الذي يمثل درجة متقدمة من الاستهزاء الخطير بقيم أمة قوية ومجتمع منفتح، كان واضحا منذ سنوات.

الأميركيون يعرفون جيدا الدرس التاريخي المتمثل في “فكّر قبل أن تتكلم” وأفسح المجال للآخر في “تحدّث على مسؤوليتك”. فلا يمكن للمرء اعتبار نفسه مؤيدا لحرية التعبير بينما يقوم بمراقبة الكلام وتعقبه أكثر من حمايته. صحيح أننا جميعا قادرون على التكلم، لكن تعلم الصمت أصعب. وذلك أيضا ما تتطلبه حرية التعبير من استعداد أكبر للانخراط في الأفكار التي لا نحبها وقدر أكبر من ضبط النفس في مواجهة الكلمات التي تزعجنا.

وتعزو الصحيفة ذلك إلى أن الحزبين القويين في الولايات المتحدة عالقان في حلقة مدمرة من الإدانة والتهميش حول ثقافة الإلغاء. بالرغم من رفض اليسار الاعتراف بوجود ثقافة الإلغاء، ويرى أن الذين يشتكون منها يقدمون غطاء للمتطرفين لنشر خطاب الكراهية.

◙ الإسكات الاجتماعي الذي يمثل درجة متقدمة من الاستهزاء الخطير بقيم أمة قوية ومجتمع منفتح، كان واضحا منذ سنوات

بينما يمثل اليمين الأميركي الذي لا يخفي سخطه على ثقافة الإلغاء، نسخة أكثر تطرفا من الرقيب باعتباره حصنا لمجتمع سريع التغير، مع قوانين من شأنها أن تحظر الكتب وتخنق المعلمين وتثبط النقاش المفتوح في الفصول الدراسية.

هناك ارتباك يعم غالبية الأميركيين، بشأن ما يمكنهم قوله وأين يمكنهم قوله. فمهما اختلفنا على تعريف ثقافة الإلغاء، فإن الأميركيين يعرفون أنها موجودة ويشعرون بعبئها، وفق الاستطلاع الذي أجرته الصحيفة بالتعاون مع كلية سيينا المهتمة بالعلوم الليبرالية.

ويعتقد 34 في المئة فقط من المشاركين في الاستطلاع أن الأميركيين يتمتعون بحرية التعبير. بينما وجد الاستطلاع أن 84 في المئة من البالغين قالوا إنها مشكلة “خطيرة للغاية” أو “خطيرة إلى حد ما” حيث لا يتحدث بعض الأميركيين بحرية في مواقف الحياة اليومية بسبب الخوف من الانتقام أو النقد القاسي. وعبر 46 في المئة من المستطلعين عن شعورهم بحرية أقل في التحدث عن السياسة مقارنة بعقد مضى.

ماذا تعني تلك النتائج غير وجود أزمة ثقة في أهم حصون الديمقراطية في العالم. فقد كان الرجال الأقوياء الذين كتبوا الدستور الأميركي يرون أن حرية التعبير أمر حيوي لبحث البشر عن الحقيقة والمعرفة. ويمكن للمجتمع الذي يقدر حرية التعبير أن يستفيد من التنوع الكامل لأفراده وأفكارهم. وعلى المستوى الفردي، لا يمكن للبشر أن يزدهروا دون الثقة في المخاطرة والسعي وراء المعلومات والتعبير عن الأفكار التي قد يرفضها الآخرون.

هل يعني هذا أن نتائج الاستطلاع تكشف أن الأميركيين لا يفهمون حرية التعبير، مثلما نزعم في مجتمعاتنا العربية؟ أم أصبح الأناس هناك في جنة الديمقراطية المزعومة يعانون من تأثير آرائهم السياسية على الروابط الأسرية، بطريقة للجدران آذان!

20