لقد ولدوا بالفعل

المرأة حرّة بجسدها دون شك، على ألاّ تكون تلك الحرية عدواناً على الآخرين.
الجمعة 2022/07/01
بشرية تدمّر كوكبها

استحضر الجمهوريون في الولايات المتحدة، خلال الأيام الماضية شريطاً قصيراً من خطاب للرئيس الراحل رونالد ريغان قال فيه ببلاغة نادرة “أرى أن جميع الذين يطالبون بشرعنة الإجهاض، أناس قد ولدوا بالفعل ولم يتم إجهاضهم”.

هذا التعليق على إلغاء قرار ”رو ضد وايد“ الذي اعترف عام 1973 بالحق الدستوري للمرأة في الإجهاض، يلخّص المشكلة بالفعل، فلو كان الحق بالإجهاض باباً مفتوحاً على مصراعيه بلا ضوابط، لما كان أكثر من نصف البشرية قد رأى النور، دون غض النظر بالطبع عن الضرورات التي تباح بها كل المحظورات في أيّ زمان ومكان.

المرأة حرّة بجسدها دون شك، على ألاّ تكون تلك الحرية عدواناً على الآخرين، وتلك الأمشاج التي في أعماقها باتت إنساناً لديه نفس حقوقها أمام القانون، وهكذا يصبح الإجهاض حكم إعدام يصدر ممّن لا يملك الحقّ بمنح الحياة أو نزعها، وهنا جوهر الخلاف العميق، الفكري أساساً، مَن الذي يَهبُ الحياة، حيوانيةُ الإنسان أم قداسة روحه؟

حتى قبل أربع سنوات مضت، كانت نسبة مؤيدي الإجهاض في أميركا قد بلغت 90 في المئة حسب وكالة غالوب لاستطلاعات الرأي، وهذا رقم مرعب يدلّ على تراجع الشعور بالمسؤولية عن حق بالحياة يُسلب من جنين يتكوّن في رحمٍ ليس مسؤولاً عن الطريقة التي وضع فيها، نسبةٌ تعامله على أنه ”شيء“.

رحم الله الشاعر العربي الكبير بدوي الجبل الذي قال ”ويا ربِّ من أجلِ الطفولةِ وحدَها، أَفِضْ بركاتِ السِّلمِ شرقاً ومغربا، وصُنْ ضِحكةَ الأطفالِ يا ربِّ إنها، إذا غَرَّدتْ في مُوحِشِ الرملِ أعشَبا“، فكل ما يجري في العالم الآن يستهدف الطفولة ويضيّق عليها، والسياسيون الذين يدعمون مثل هذه القرارات منشغلون بخفض عدد سكان الأرض أكثر من مشاعر النساء، ولو كان لديهم حرص على المرأة لما سلبوها حقوقها الأخرى، ومن بينها أنها وحدها سيدة الجمال والفتنة، ولا ينبغي أن ينافسها عليهما الرجال، وهي ملكة الأسرة، ولا يصحّ أن تتم شرعنة أسرة لا تقوم على المرأة، وهي وحدها صاحبة الحقّ في النظر إلى نفسها كسليلة لعشتار وفينوس وإنانا وابنة الشرق مريم العذراء، لا كسليلة القردة ”لوسي“.

حتى لو كان تراثُ الإنسان العريق المتعلّق بالمرأة، أمّ الجميع وينبوع الخصب والحياة، مجرد أساطير وخيالات، فإن خيار البشرية الأوحد من أجل استمرارها ”راقية“ هو البقاء مؤمنة به، كي لا تنحدر في سلّم الكائنات.

ولكن ومع ذلك، وأمام بشرية كالتي نرى اليوم، تدمّر كوكبها وتنسفُ أكبر منجز لديها ”الأسرة“، تجد نفسك ميالةً إلى التصويت بإجهاض كثيرين لا يتمتعون بالذكاء الكافي لـ”حفظ نوعهم“ من الانقراض.

20