لغتنا العربية بالكوينتيليون

قضيت نصف الشهر الماضي ومطلع هذا الشهر في تجربة كورونا حادة، مشوبة بالهلوسات اللغوية، وقرأت خلالها أن علماء اللغة العرب، الذين أرى استمرارهم موجودين بحد ذاته خبراً جيداً، مستنفرون حالياً، بسبب استشعارهم لتأثير الذكاء الاصطناعي على اللغة العربية.
سبب ذلك هو تصاعد أنظمة الترجمة الآلية إلى العربية وبالعكس خلال العقود الماضية، ولاسيما مشروع غوغل للترجمة الذي غزا كافة المشاريع الأخرى السابقة عليه.
تعال نتعرّف أكثر على القصة؛ في العام 2017 كشفت غوغل عن التحول من نظام ”الترجمة الإحصائية“ التي تفكّك الجمل إلى كلمات وتترجمها منفردة، معلنة عن نظام جديد أسمته ”الترجمة الآلية العصبية“ يقوم على التعلّم الذاتي للبرمجية، وتم تعميم هذا النموذج على الشركات التي تتعامل مع اللغة العربية.
يقال إن اللغة الإنجليزية تلد كلمة جديدة كل 98 دقيقة، أي نحو 15 كلمة يوميا وقرابة 5365 كلمة جديدة سنويا. اللغة العربية تطوّرها أسرع، باعتبارها تحوي نظاماً هندسيا مستقرّاً أكثر من غيرها من اللغات الأخرى. لكن مهما بلغت العربية من تفوّق فلن يمكنها اللحاق بإمكانات الذكاء الاصطناعي التي تسبقها بمراحل هائلة.
وقد تتبع الأكاديمي خليفة بن الهادي الميساوي علاقة اللغة العربية بالحوسبة، وحاول أن يبيّن أن الرقمنة باتت واقعا ملموسا منذ النصف الثاني من القرن العشرين الذي انطلقت خلاله ثورة معرفية هائلة مسّت جميع المجالات والاختصاصات ومن بينها اللغات. ففكّر العلماء في هندسة اللغات وحوسبتها، والسؤال المهم هنا؛ هل استفادت اللغة العربية من هذا المحتوى الرقمي الجديد الذي يقوم على الذكاء الاصطناعي في واقعها الراهن؟
كل ذلك يقوم على إنذار مبكّر تم طرحه قبل سنوات، وقد تجاوزنا توقيته دون أن ننتبه، بفعل انشغالنا بوباء كوفيد، إذ أن العلماء حددوا أنه بحلول العام 2020 لن يكون المستهلكون بحاجة إلى معرفة أن جهة التعامل معهم ليست بشرية، لأن نظم الذكاء الاصطناعي سوف تحيط بنا من كل جانب.
خُذْ هذه المعلومة؛ ينتج العالم يوميا نحو 2.5 كوينتيليون بايت من البيانات، أي مليار مليار، والكلمة الواحدة تتألف من 5 بايتات في المتوسط، ما يعني أن عالم المعلومات ينتج اليوم 500 مليون مليار كلمة يوميا.
ويفترض الخبير المعلوماتي عبدالقادر الكاملي أن واحدًا من كل 100 ألف كلمة منتجة بحاجة إلى ترجمة إلى لغة واحدة فقط، وأن المترجم الواحد قادر على ترجمة ألفي كلمة في اليوم، وذلك يعني أن العالم بحاجة إلى 2.5 مليار مترجم. فكم مترجماً معتبراً لدينا في عالم اللغة العربية، في عصرٍ صار فيه الذكاء الاصطناعي غير مرئي يا عرب؟