لجوء السيدات للولادات القيصرية يزعج السلطات الصحية في مصر

بعض العائلات تتعامل مع الولادات القيصرية من زاوية الوجاهة الاجتماعية.
الاثنين 2022/09/12
جل الأطباء ينظرون إلى الولادة القيصرية بمنطق الربح المادي

دعت السلطات الصحية في مصر منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الثقافية والفكرية والإعلامية إلى التحرك لنشر ثقافة الولادة الطبيعية وذكر مزاياها، مقابل الحديث عن السلبيات العديدة للولادة القيصرية، وذلك كرد على كثرة إقبال النساء على ذلك النوع من الولادات، وما يجلبه من مخاطر صحية للأم وطفلها. وتعد مصر الأولى عربيا من حيث عدد الولادات القيصرية.

القاهرة - دفعت الأرقام المفزعة للولادات القيصرية في مصر وزارة الصحة للتحرك لتغيير ثقافة الأسر التي صارت تدمن عمليات “شق البطون” كبديل عن الولادة الطبيعية بحجة أنها مريحة للطفل والأم وآمنة من مخاطر قد تؤدي إلى الوفاة.

كشف المسح الصحي الذي أعلنه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (حكومي) قبل أيام ارتفاع معدلات الولادة القيصرية لمستويات قياسية وغير مسبوقة في تاريخ البلاد، حيث وصلت النسبة إلى 84 في المئة في المناطق الحضرية مقابل 70.6 في المئة بالريفية.

ووصلت النسبة إلى 76 في المئة في محافظات الصعيد بجنوب مصر، على الرغم من أن نسبة كبيرة من سكانها معروف عنهم تقديس العادات والتقاليد والموروثات عند الزواج والإنجاب، فيما كانت النسبة الأقل في المحافظات الحدودية بحوالي 53 في المئة، وهي نسبة لا تتوافق مع الطبيعة القبلية لهذه المناطق.

وكانت أعلى نسبة وصلت إليها مصر في معدلات الولادة القيصرية عام 2014 عندما سجل المسح الصحي 50 في المئة فقط، ما يعني أن النسبة ارتفعت 34 في المئة خلال ثماني سنوات، وهو أمر وصفته وزارة الصحة بـ”الكارثة” التي تهدد الأسرة المصرية، وبشكل خاص الأبناء والأمهات.

منح النساء حرية القرار في شكل وطريقة الولادة من جانب العائلة جعل غالبيتهن يخترن القيصرية كنوع من الراحة والأمان

وقال خالد عبدالغفار وزير الصحة في تصريحات له أخيرا إن الاستمرار في زيادة معدلات الولادة القيصرية يجلب الكثير من الأزمات الصحية للأسرة المصرية، داعيا منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الثقافية والفكرية والإعلامية إلى التحرك لنشر ثقافة الولادة الطبيعية وذكر مزاياها، مقابل السلبيات العديدة من وراء القيصرية.

واتخذت الوزارة جملة من الإجراءات للحد من عمليات الولادة القيصرية غير الضرورية، وتقليل النتائج السلبية الشديدة له، لأن شق البطون يعرض الأم لعدة مخاطر، منها الإصابة بالمشيمة المتوغلة، واستئصال الرحم أثناء الولادة، ونزيف الولادة الهائل، إلى جانب مضاعفات يتعرض لها الأطفال من زيادة في الجراثيم المعوية والسمنة، والحساسية، والتوحد، والسكري، وأمراض المناعة.

ولجأ مسؤولون عن القطاع الصحي في مصر إلى إجراء هو الأول من نوعه للتقليل من عمليات الولادة القيصرية، حيث قرروا مساواة التكلفة المالية التي يتحصل عليها الأطباء والطواقم الطبية عن الولادات الطبيعية بمثيلتها عن الولادات القيصرية مع تخصيص حافز مالي للفريق الطبي الذي يحقق معدلات أعلى للولادة الطبيعية.

وتستهدف الحكومة من وراء الخطوة تقييد حرية أطباء النساء والتوليد في تحديد أسعار الولادات القيصرية والتربح من ورائها باعتبار أنها تتكلف مبالغ مالية كبيرة نظير راحة الأم في أثناء الولادة، حيث وصلت في بعض المستشفيات الخاصة إلى 1500 دولار (الدولار يساوي 20 جنيها تقريبا)، وهو رقم مبالغ فيه، لكن تضطر أغلب الأسر لدفعه إلى الطبيب.

وأكدت فاطمة محمد لـ”العرب”، وهي استشارية متخصصة في النساء والتوليد أن عددا كبيرا من الأطباء يفضلون الولادة القيصرية خشية تعرض الأم للوفاة نتيجة الولادة الطبيعية، ولذلك تعتزم وزارة الصحة وضع تشريعات لطمأنة الطبيب وأطقم التمريض وإزالة الخوف من حدوث آثار جانبية تنتج عن تطبيق الولادات الطبيعية.

وأضافت فاطمة أن الإجراءات الجديدة لن توقف استسهال الولادة القيصرية، لأنها أصبحت جزءا من ثقافة الأسرة المصرية، وصارت المرأة التي تلد ابنها بشكل طبيعي رجعية في نظر الأهل والجيران، وربما المجتمع، لافتة إلى أن المشكلة الأكبر تكمن في تعامل عائلات مع القيصرية من زاوية الوجاهة الاجتماعية.

وقررت وزارة الصحة زيادة جلسات التثقيف النفسي للنساء اللاتي يعانين الخوف من الألم عند الولادة مع إجراء استبيانات ودراسات في المناطق السكنية التي تشهد ارتفاعا في معدلات الولادات القيصرية لمعرفة أسباب الظاهرة، هل نفسية أم ثقافة أسرية، أم ناجم عن تحريض من بعض الأطباء، وذلك لأجل اتخاذ قرارات واقعية تضمن الحد من هذه العادة السيئة.

وتخطت مصر حاليا جميع الدول من حيث نسبة الولادة القيصرية، ما دفع متخصصين في الطب واستشاريين في العلاقات الأسرية مطالبة الحكومة بسرعة التدخل والتعامل مع الظاهرة بالمزيد من الجدية، أسوة بدول أخرى كثيرة عملت على إطلاق مشروع قومي لتغيير سلوك الأطباء وتثقيف الأمهات والآباء لتفضيل الولادة الطبيعية.

2014

السنة التي شهدت أعلى نسبة وصلت إليها مصر في معدلات الولادة القيصرية

ويشتكي البعض من الأطباء في مصر من تدني الرواتب، ما يجعلهم ينظرون إلى الولادة القيصرية بمنطق الربح المادي، مع أن هناك دولا نسبة الولادة القيصرية فيها تبلغ حوالي 10 في المئة فقط، إذ أنه محظور على الأطباء الاستفادة المادية من العمليات الناجمة عن التمادي في القيصرية.

وقالت هالة حماد، وهي استشارية نفسية وباحثة في شؤون العلاقات الأسرية بالقاهرة، إن الزواج المبكر وعدم نضج الفتاة من الأسباب الرئيسية للولادة القيصرية، كما أن منح النساء حرية القرار في شكل وطريقة الولادة من جانب العائلة جعل غالبيتهن يخترن القيصرية كنوع من الراحة والأمان، والكثير من الرجال لا يتدخلون في المسألة كي لا يُفهم ذلك على أنهم يوفرون في النفقات المالية عند الولادة، ما يترك انطباعا سلبيا لدى المرأة عندما تشعر أن شريكها لا يخاف عليها.

وأوضحت لـ “العرب” أن الحياة الحديثة والرفاهية لدى بعض النساء خفضتا من كثرة حركتهن، مع أن الرياضة والنشاط الزائد يسمحان باتساع وتقوية حوض المرأة بشكل يساعد على الولادة الطبيعية، والأجيال الجديدة أغلبها من النوع الذي اعتاد على الراحة، عكس ما كان يحدث في الماضي، حيث تلد الزوجة في دقائق معدودة ودون طبيب متخصص أحيانا، من كثرة حركتها وأعمالها المنزلية والمشقة التي تعانيها، أما الفتيات في الوقت الراهن فلا يتحملن الألم وبعضهن يفكرن في جمال أجسادهن فقط.

وهنلك سيدات يفضلن الولادة القيصرية لأسباب واهية، كأن تكون الأم واعية أثناء العملية الجراحية لتشرف بنفسها على كل إجراءات استقبال طفلها، وتستطيع بسهولة أن تختار يوم ميلاده وتحديد موعد ولادتها والترتيب لكل ذلك مسبقا، مع متابعة الجنين منذ لحظة خروجه من بطنها دون أن تشعر بألم.

ولا تدرك هذه الفئة من النساء أن الزوجة التي تجري عملية القيصرية لأول مرة تكون جميع الولادات اللاحقة قيصرية، والمعضلة أن بعض الأطباء يمنحون الحرية للنساء لاختيار طريقة الولادة، وبات من الطبيعي أن تختار الغالبية منهن العمليات القيصرية لسهولتها، رغم عدم استبعاد احتمال إصابة الأم بنزيف في الدم وزيادة الأنيميا، وحدوث التصاقات في البطن تؤثر على الولادات المستقبلية.

وتتفق الأصوات الرافضة للقيصرية على أنه لا بديل عن إطلاق مشروع توعوي يستهدف تثقيف الأسرة والنساء بالمخاطر الكبيرة التي تحدث نتيجة شق البطون، والأمراض التي تنتج عن هذا السلوك، مع عدم الانصياع لرغبات الأطباء ووضع ضوابط تحول دون التجارة بآلام الزوجات بغرض التربح المادي.

17