لبنان يستأنف المفاوضات مع إسرائيل مشتتا

ميشال عون يواجه اتهامات بمقايضة الحقوق اللبنانية بمصالح ذاتية.
الثلاثاء 2021/05/04
تنازلات لفك عزلة العهد

يستأنف لبنان مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وهو منقسم حول مرسوم يقضي بتوسيع المساحة البحرية التي يطالب بها، والتي سبق وأن انتقدته إسرائيل بشدة ملوحة باتخاذ إجراءات موازية.

بيروت – ينتظر أن تستأنف الثلاثاء المفاوضات بين إسرائيل ولبنان حول ترسيم الحدود البحرية بينهما برعاية الوسيط الأميركي، في ظل سجالات في الداخل اللبناني حول امتناع رئيس الجمهورية ميشال عون عن توقيع مرسوم يقضي بتوسيع الرقعة البحرية التي يطالب بها لبنان.

وترأس عون الاثنين اجتماعا لأعضاء الوفد اللبناني الذي يتولى المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود مع إسرائيل، بحضور قائد الجيش العماد جوزيف عون. وشدد الرئيس اللبناني للوفد الذي يقوده العميد الركن الطيّار بسام ياسين، على أهمية تصحيح الحدود البحرية وفقاً للقوانين والأنظمة الدولية، وكذلك على حق لبنان في استثمار ثرواته الطبيعية في المنطقة الاقتصادية الخالصة.

ولفت الرئيس عون إلى أن تجاوب لبنان مع استئناف المفاوضات غير المباشرة برعاية الولايات المتحدة واستضافة الأمم المتحدة، يعكسان رغبته في أن تسفر عن نتائج إيجابية من شأنها الاستمرار في حفظ الاستقرار والأمان في المنطقة الجنوبية.

سامي رماح: نحذر من وجود صفقة سياسية تجري تحت الطاولة
سامي رماح: نحذر من وجود صفقة سياسية تجري تحت الطاولة

وبدأت في أكتوبر الماضي المفاوضات بين لبنان وإسرائيل، بعد جهود دبلوماسية حثيثة من الإدارة الأميركية السابقة على مدى ثلاث سنوات، في محاولة لحل النزاع على الحدود البحرية بينهما، لكن بعد أربع جولات لم تسفر تلك المفاوضات عن أي تقدم ما أدى إلى إعلان توقفها إلى أجل غير مسمى.

وأعادت إدارة جو بايدن تحريك هذا الملف مجددا، وأوفدت قبل أيام وكيل وزارة الخارجية ديفيد هيل إلى بيروت لبحث هذا الموضوع تحديدا، ويعتقد أن تلك الزيارة كانت خلف تعديل الرئيس اللبناني لموقفه لجهة الامتناع عن التوقيع على مرسوم يقضي بتوسيع المساحة البحرية التي يطالب بها لبنان.

وكان عون برر امتناعه عن توقيع المرسوم بعدم انعقاد جلسة لمجلس الوزراء، مع أن رئيس حكومة تصريف الأعمال ووزير الدفاع ووزير الأشغال كانوا وقعوا عليه.

وأعلنت رئاسة الجمهورية أن “تعديل المرسوم 6433 يحتاج إلى قرار الحكومة (مجلس الوزراء) مجتمعة، وفقا لرأي هيئة التشريع والاستشارات حتى مع حكومة تصريف أعمال، نظراً لأهميته والنتائج المترتبة عليه”.

وينص المرسوم على توسيع المنطقة الاقتصادية الخالصة (جنوبي البلاد) بـ1430 كيلومترا مربعا في البحر. وبذلك تصبح المساحة المتنازع عليها مع إسرائيل نحو 2300 كيلومتر مربع.

وأثار ذلك المرسوم غضب تل أبيب، واعتبر وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينتز، أن الخطوة اللبنانية ستخرج المفاوضات عن مسارها بدلا من أن تساعد في العمل على التوصل لحل مشترك. وقال شتاينتز في بيان “بالطبع سترد إسرائيل على الإجراءات اللبنانية أحادية الجانب بإجراءات موازية”.

ويرى محللون أن امتناع عون على توقيع ذلك المرسوم لا يخلو من خلفيات سياسية لاسيما في ظل ما يستشعره العهد من عزلة دولية متزايدة. ووصف العميد المتقاعد سامي رمّاح قرار عون بـ”الخيانة العظمى”، مستغرباً “توقيع الرئيس العشرات من المراسيم ‘بشكل استثنائي’، أي من دون انعقاد مجلس الوزراء، بينما يتمنّع عن توقيع تعديل المرسوم 6433، على الرغم من أهميته البالغة في حفظ ثروة لبنان النفطية”.

وحذّر رمّاح من وجود صفقة سياسية تجري تحت الطاولة، لافتاً إلى أن “عدم توقيع عون على تعديل المرسوم تزامناً وزيارة هيل، سببه أن هناك محاولة لفرض مقايضة بين رفع العقوبات الأميركية عن جبران باسيل وعدم التوقيع على تعديل المرسوم”.

وكانت واشنطن فرضت 6 نوفمبر الماضي، عقوبات على باسيل (صهر عون، ووزير الخارجية السابق) بسبب “تورطه في الفساد والعلاقات مع حزب الله” المصنف تنظيما إرهابيا على اللوائح الأميركية.

ولفت رمّاح، وهو عضو في مجموعة “جبهة 17 أكتوبر” المعارضة، إلى أن “توقيع تعديل المرسوم يمنع إسرائيل من استحضار شركات التنقيب عن الغاز في هذه المنطقة الحدودية، على اعتبار أنها متنازع عليها، وإلا نحن أمام سرقة ثروة لبنان النفطية وحرمان الأجيال المقبلة منها”.

Thumbnail

و”لا يختلف اللبنانيون في ما بينهم بشأن حقوقهم النفطية، ولا يمكن لأحد أن يكون ضد تأمين وتعزيز الحقوق في المنطقة الحدودية”، هذا ما أكد عليه وزير الداخلية الأسبق المحامي زياد بارود، إلا أنه أوضح أنه وفق الدستور فإن “تعديل المرسوم” يحتاج إلى اجتماعٍ لمجلس الوزراء وإن كان في حالة تصريف الأعمال.

وشرح بارود أنه، وفق الدستور اللبناني، “هناك نوعان من المراسيم، العادية التي تستوجب فقط توقيع الوزراء المختصين ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، والمهمة التي تُتخذ بقرار من مجلس الوزراء (الحكومة) مجتمعاً”.

ولفت إلى أن “المرسوم 6433 ليس مرسوماً عادياً بل مرسوم ملحّ، وعندما صدر عام 2011 اتخذه مجلس الوزراء مجتمعاً، ولذلك لا يمكن التعديل إلا بمرسوم شبيه له، تماما مثلما لا يمكن تعديل قانون إلا بقانون أو قرار إلا بقرار”.

وأوضح بارود أن “لا شيء يمنع دستورياً من أن يجتمع مجلس الوزراء لأمر مهم كهذا”. لافتاً إلى أن “اعتماد طريقة ‘التوقيعات الاستثنائية’ للمراسيم غير منصوص عليها في الدستور، إنما هي بدعة لبنانية يتم اللجوء إليها تسهيلاً لأمور الدولة”.

وفي خضم هذه السجالات يلتزم حزب الله الصمت، وعدم التعقيب الأمر الذي يعزز موقف بعض التكهنات من أن المسألة الحدودية باتت جزءا من سلة متكاملة يجري التفاهم حولها بين إيران والمجموعة الدولية.

ويأمل لبنان مستقبلاً من خلال ثروته النفطية في جذب استثمارات أجنبية، إذ يعاني، منذ نحو سنتين، أسوأ أزمة اقتصادية منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990)، واستقطابا سياسيا حادا، في مشهد تتصارع فيه مصالح دول إقليمية وغربية.

2