لبنان يدفع باهظا ثمن برنامج الدعم

يقترب لبنان من نفاد احتياطات العملة الصعبة اللازمة لتمويل الدعم الذي يشهد اتساعا لتشمل القائمة مواد أخرى مما يعني ذلك رفع الكلفة وزيادة الضغوط ويسلط الأنظار على ضعف هذه المنظومة التي تكافح التهريب وعدم وصول الدعم إلى مستحقيه مما بات يهدد مرافق الحياة الأساسية على غرار قطع التيار الكهربائي ونقص الأدوية.
بيروت - بات انخفاض احتياطيات لبنان من العملة الصعبة يثير الانزعاج لاسيما مع اتساع برنامج الدعم ليشمل مسحوق الكاكاو والكاجو والزعفران مما يزيد الضغوط ويرفع الكلفة في وقت يواجه فيه البلد شح الموارد وأزمات لا حصر لها.
واستهدفت تلك الخطوة دعم المنتجين المحليين الذين ينتجون هذه السلع أو يستخدمونها كمواد خام كما استهدفت استكمال دعم الأسعار لأصناف أساسية مثل الوقود والقمح للناس العاديين الذين وجدوا أنفسهم وسط أزمة مالية متصاعدة.
غير أن معارضي الحكومة رأوا في هذه الإضافات علامة على أن نظام الدعم مترهل ويعاني من سوء الإدارة ولا يصل دائما إلى مستحقيه ويشجع على التهريب ويبدد الاحتياطيات الثمينة.
وقال هاني بحصلي رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية والمنتجات الاستهلاكية والمشروبات عن القائمة الموسعة “الدعم يجب أن يكون لدعم الأساسيات لا لصناعة بأسرها”.
وأضاف “هل تحتاج حقا لدعم مسحوق الكاكاو وصناعة الكعك؟”.
وأضيف إلى القائمة حوالي 300 سلعة مثل الكاجو ونبات الفطر المعلب. وقال بحصلي إن القائمة تقلصت الآن لتشمل حوالي 150 سلعة، وهو عدد لا يزال أكبر من اللازم.
وسئل راوول نعمة وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال عن سبب وجود سلع كثيرة على القائمة حتى الآن فقال إن الحكومة كانت تأمل في الانتقال بسرعة إلى برنامج جديد لتقديم دعم مباشر للأسر نقدا.
وقال أيضا إن أي نظام للدعم عرضة للتهريب وإنه عندما بدأ العمل بهذا النظام قبل عام كان المستهدف أن يبقى ساريا بضعة أشهر فقط.

هاني بحصلي: الدعم يجب أن يكون لدعم الأساسيات لا لصناعة بأسرها
وينفق لبنان ستة مليارات دولار تقريبا على الدعم ويعاني من حالة شلل سياسي ومن دين هائل ويواجه صعوبات في تدبير أموال من الدول والمؤسسات المانحة.
وفي مارس بلغت احتياطيات المصرف المركزي ما يزيد قليلا على 15 مليار دولار بالمقارنة مع أكثر من 30 مليار دولار قبل الأزمة الاقتصادية التي حلت بالبلاد في 2019. ولم ينشر المصرف المركزي أرقاما أحدث من ذلك.
وقالت حكومة تصريف الأعمال إن أموال الدعم قد تنفد في نهاية مايو ما سيمثل صدمة كبرى لشعب يعيش أكثر من نصفه في فقر.
وحذر وزير الطاقة ريمون غجر من أن لبنان قد يعاني من انقطاع التيار الكهربائي، كما قال نقيب الصيادلة إن الأدوية بدأت تنفد في لبنان.
وفي ظل النظام الحالي يتولى مصرف لبنان المركزي توفير العملة الصعبة للمستوردين بسعر الصرف القديم البالغ 1515 ليرة مقابل الدولار لشراء الوقود والقمح والدواء وبسعر 3900 ليرة مقابل الدولار لتغطية سلة من السلع الأساسية.
ومع تضاؤل الاحتياطيات قالت الحكومة إن من الضروري تقليص الدعم لكنها لم تصل إلى حد إنهاء العمل به وذلك لحين موافقة مجلس النواب على نظام بديل يقوم على الدعم النقدي.
من ناحية أخرى يواجه بعض من هم في أمسّ الحاجة إلى السلع الرخيصة صعوبات في الحصول عليها. فمن الممكن على سبيل المثال أن يؤدي إصدار لائحة تنص على أن تكون السلع الغذائية من المستورد إلى تاجر التجزئة مباشرة إلى استبعاد تجار الجملة الذين يصلون إلى منافذ بيع أصغر ومناطق نائية.
ويمكن للمتسوقين شراء الزبد الفرنسي غالي الثمن بخمس قيمته في أحد متاجر السوبر ماركت الراقية في بيروت بينما يتشاجر آخرون على زجاجة من زيت الطعام في أماكن أخرى.
كذلك ظهرت سلع عليها ملصقات الدعم اللبنانية في أسواق بعيدة في أوروبا وآسيا.
فقد نشرت مستخدمة على تويتر صورة لعبوة بُن مدعومة ظهرت في متجرها المحلي في دولة بنين وقالت معلقة عليها “من أفريقيا مع حبي”.
وتشمل عمليات التهريب على نطاق أكبر بنودا أساسية أخرى منها الماشية الحية والقمح والوقود.
لبنان ينفق ستة مليارات دولار على الدعم ويعاني من حالة شلل سياسي ومن دين هائل ويواجه صعوبات في تدبير أموال من الدول والمؤسسات المانحة
وقال حاتم أبو العشرة تاجر الماشية في مدينة طرابلس الشمالية إن من الممكن تحقيق أرباح كبيرة بشراء رؤوس الماشية من الخارج بدولارات مدعمة ثم تهريبها إلى دولة ثالثة بالمخالفة للقانون بربح كبير.
وأضاف أن الخراف المستوردة من أرمينيا مقابل حوالي 100 دولار للرأس يمكن على سبيل المثال أن تباع في الخليج بأكثر من 200 دولار.
وتابع “إذا أوقفوا هذا الدعم فسيصبح اللحم أرخص لأن التجار الأصليين سيبدأون في النشاط المعتاد من جديد”.
وأكبر بند تنفق عليه الحكومة وبفارق كبير هو الوقود الذي يمثل حوالي نصف فاتورة الدعم السنوي أي ثلاثة مليارات دولار.
وأصبح عدد كبير من محطات الوقود مغلقا لعدم توفر الوقود كما أن المحطات العاملة تجتذب طوابير طويلة من السيارات.
وقال محمد مكتبي المهندس العائد من الخارج لقضاء عطلة عيد الفطر “في بيروت كلها لم أعثر على أيّ محطة للوقود.. هذه أول محطة أجدها عاملة”. وكان واقفا في الطابور لمدة تتجاوز 20 دقيقة.
وقال وزير الطاقة في منتصف أبريل الماضي إن تهريب الوقود إلى سوريا، حيث يباع بعشرة أمثال سعره في لبنان، هو السبب الرئيسي في نقص المعروض.
وتقع قرى صغيرة مثل القصر في منطقة بعلبك والهرمل في لبنان على الحدود مع سوريا في مواقع مثالية للتجارة غير المشروعة.
ويتنقل سكان القرى الذين يعيشون على بعد أمتار من سوريا بحرية عبر الحواجز الأمنية ويتم نقل عبوات من الوقود على دراجات نارية عبر الحدود بغية الربح.
وقال ضابط بالجيش اللبناني يشارك في دوريات بمنطقة الحدود إن الوقود والقمح يهرّبان إلى سوريا مع الملابس والسجائر وسلع غذائية أخرى. وأضاف “تمكنا من إيقاف نسبة كبيرة من هذا”.
وقد أقام الجيش نقاطا أمنية وأبراجا للمراقبة على الجبال الشرقية التي تفصل بين البلدين.