لا دبابات في تلك الحرب

حرب البرامج الضارة. تلك حرب مستمرة ومتصاعدة لا تصل إطلاقاتها لأجسادنا وقنابلها لمبانينا، ولكننا نشعر بصدمتها بمجرد أن تصبح هواتفنا غير ذكية! أو ما يسميه الخبراء اليوم "حالة الطوارئ المستقبلية".
الاثنين 2022/03/07
برنامج خبيث "يمسح ويدمر"

كانت هناك قاعدة تاريخية في أبجديات جوهر الصحافة، عندما كانت تضرم شرارة الحروب بطرقها الكلاسيكية. اليوم كسرت هذه القاعدة فلم تعد وسائل الاعلام أول من يدخل ميدان القتال وآخر من يغادره. دعك من سيطرة الكرملين على خطاب وسائل الإعلام وإقصاء الصحافيين المستقلين، وإن لم يكن لخطاب صحيفة برافدا مكانا مقبولا كما كانت في الأمس. دعك أيضا من حظر الاتحاد الأوروبي رسميا، لقناة روسيا اليوم ووكالة سبوتنيك.

المعركة الإعلامية الأخرى ما يمكن أن نسميه بحرب البرامج الضارة. تلك حرب مستمرة ومتصاعدة لا تصل إطلاقاتها لأجسادنا وقنابلها لمبانينا، ولكننا نشعر بصدمتها بمجرد أن تصبح هواتفنا غير ذكية! أو ما يسميه الخبراء اليوم “حالة الطوارئ المستقبلية”. عندما يكون بمقدور القراصنة تلويث مياه الشرب مثلا.

فقبل ساعات قليلة من توغل الدبابات الروسية في أوكرانيا، انطلقت أجهزة الإنذار داخل مركز استخبارات التهديدات في شركة مايكروسوفت، محذرة من برنامج خبيث “يمسح ويدمر” قواعد بيانات الوزارات الحكومية والمؤسسات المالية الأوكرانية بطريقة لم يسبق لها مثيل.

وفي غضون ثلاث ساعات من ذلك وجدت شركة مايكروسوفت نفسها في أتون الحرب، الأمر الذي دفع آن نويبرجر مساعدة الرئيس الأميركي للأمن القومي، للاتصال بإدارة مايكروسوفت وحثها على التفكير في مشاركة تفاصيل أنظمة الحماية الإلكترونية مع دول البلطيق ودول أوروبية أخرى، خوفا من انتشار البرامج الضارة خارج حدود أوكرانيا، مما يؤدي إلى شل بنوك أوروبا الغربية. فكلما صمدت المقاومة الأوكرانية ضد الجيش الروسي لفترة أطول وأكثر فاعلية، زاد إغراء موسكو للبدء في استخدام أسلحتها الإلكترونية لتدمير أنظمة الاقتصاد الأوكراني.

فجاءت الإجابة من رئيس مايكروسوفت براد سميث بأنهم مجرد شركة وليسوا دولة، مع أن دورهم ليس محايدا في هذه الحرب الروسية - الأوكرانية.

على الجانب الآخر أغلقت شركة ألفابيت الأميركية خدمة توفير معلومات بشأن حركة المرور في أوكرانيا ضمن برنامج غوغل ماب الملاحي، بالاتفاق مع سلطات كييف.

في المقابل اعتبر مدير وكالة الفضاء الروسية دميتري روغوزين أن روسيا ستتعامل مع أيّ اختراق لأقمارها الصناعية كمبرّر للحرب.

ذلك يفسر لنا السماح لكبار مدراء الشركات التكنولوجية الكبرى في الولايات المتحدة بالاطلاع على الإحاطات التي تعرضها وكالة الأمن القومي الأميركي، إلى جانب السلطات الأمنية البريطانية. مدراء تلك الشركة التكنولوجية يتقلدون اليوم دور جنرالات أركان الحرب وبرتب أعلى من ضباط الأمس. تلك هي الحرب التي لا تأخذ إلا هامشا في تغطية أخبار القتال المستمرة على طوال الساعة.

لذلك يرى تايلور كوين الأستاذ في جامعة جورجميسون الأميركية أنه إذا كان الكثيرون يرون أن السؤال الأهم على جدول أعمال البشرية الآن هو كيفية مواجهة ظاهرة التغير المناخي، فالواقع يقول إن السؤال الأهم الآن وفي كل وقت هو كيف نعمل دون تحول التكنولوجيات الحديثة إلى أسلحة ضدنا؟

20