لا حدود بين تغطية الإرهاب والدعاية له في دول الساحل

باماكو - أعلنت وزارات الإعلام في مالي وبوركينا فاسو والنيجر فتح تحقيق حول وسيم نصر الصحافي في فرانس 24، بسبب مصادر معلوماته في أوساط الجهاديين، ومتهمة إياه “بالتواطؤ والدعاية للإرهاب”. واتهمت الوحدات القضائية المتخصصة لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية في بيانات صحفية نشرتها في وقت واحد، الصحافي نصر بالانخراط “في تعليقات مغرضة في اليوم التالي لكل هجوم إرهابي ارتكب ضد دول اتحاد دول الساحل”.
ويعتبر وسيم نصر من أبرز الصحافيين المتخصصين في شؤون الجماعات الإرهابية في الشرق الأوساط وأفريقيا، وكانت له مقابلات مع عدد من رموزها البارزين في سياق ما يعتبره الإعلام الفرنسي اختراقا لحصون وأفكار الجهاديين.
ورفضت القناة هذه الاتهامات، مؤكدة أن نصر يقوم بتقديم صورة موضوعية، إخبارية ودقيقة للأحداث في تلك المنطقة، ويقوم بعمله وفقا لمنهج مهني يحترم قواعد أخلاق المهنة، والتأكد من صحة معلوماته من عدة مصادر، بما في ذلك الأنظمة التي تطلق هذا التحقيق. واعتبرت فرانس 24 أن هذا التحقيق ما هو إلا مرحلة جديدة في مسار التضييق على حرية الصحافة، سواء على المستوى المحلي أو الدولي، في منطقة وصفتها منظمة “مراسلون بلا حدود” في تقريرها العام الماضي، بأنها “الثقب الأسود للأخبار”.
وتشير السلطات في الدول الثلاث إلى انزعاجها من تغطية الصحافي وقناة فرانس برس التي يعمل لديها للأحداث الإرهابية التي زادت وتيرتها بعد طرد القوات الفرنسية منها. وذكرت البيانات أن في بوركينا فاسو، قام نصر خلال الهجوم الإرهابي الذي وقع في جيبو في التاسع والعشرين من نوفمبر 2023، بشرح طريقة العمل التي استخدمها الإرهابيون، مع تكهناته بعدد الضحايا والأضرار المادية ، وذلك بالاعتماد على مصادره الخاصة.
وزعمت أن “في آخر ظهور له في السابع عشر من سبتمبر 2024، بعد الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها العاصمة المالية باماكو، أشار الصحافي إلى أنه كان على اتصال بالمهاجمين الذين أبلغوه في الوقت الحقيقي بأهداف هجماتهم ومواقعها وما نتج عن ذلك من خسائر بشرية ومادية”. وقالت الوحدة القضائية المتخصصة في قمع الأعمال الإرهابية في بوركينا فاسو، إنها فتحت تحقيقا ضد الصحافي وسيم نصر، “بسبب دعمه الصارخ والمتكرر للجماعات الإرهابية المسلحة الناشطة في منطقة الساحل”، وفق نص الدعوى.
ويرى المراقبون أن القضية التي تطرحها دول الساحل تندرج في إطار موقفها من الإعلام الفرنسي الذي تتهمه بالتآمر ضدها بعد التحولات السياسية والتطورات الجيوسياسية في المنطقة على إثر التضييق على نفوذ باريس في مستعمراتها السابقة مقابل تمدد معلن في النفوذ الروسي وخاصة في الدول الثلاث. ومن جانبه، رفض نصر التعليق على الاتهامات، وقال في رسالة نشرها على منصة إكس “أفكر في زملائي في منطقة الساحل وفي كل من يعاني من تعسف هذه الأنظمة بشكل مباشر”.
◙ القضية التي تطرحها دول الساحل تندرج في إطار موقفها من الإعلام الفرنسي الذي تتهمه بالتآمر ضدها
ويشير المراقبون إلى أن سلطات مالي والنيجر وبوركينا فاسو اتهمت دولا أجنبية بدعم الجماعات الإرهابية، وهو ما فتح باب السجال واسعا حول علاقة أجهزة المخابرات الغربية مع الجماعات المتشددة واستعمالها في صراعاتها السياسية كما حدث في دول عدة مثل أفعانستان والعراق وسوريا ودول الساحل والصحراء، وما يمكن أن يقوم به الإعلام من دور في هذا السياق.
كما يرى البعض أن من الصعب تحليل طبيعة العلاقة بين الإرهابي والإعلامي، ومعرفة أي من الطرفين يستخدم الثاني في تحقيق أهدافه وإبلاغ رسالته، لاسيما أن الجماعات الإرهابية نفذت في مناسبات عدة عمليات قتل واختطاف لمراسلين صحافيين فيما فتحت أبواب كهوفها لصحافيين آخرين واستقبلتهم بالأحضان وأصبحت تمنحهم الأسبقية في الحصول على الأخبار ومتابعة المستجدات.
وتعتقد المراكز القضائية المتخصصة في مكافحة الإرهاب في الدول الثلاث أن التحليل المشترك لمختلف تدخلات نصر على مختلف وسائل الإعلام التي يظهر فيها، “يكشف عن مواقف وتعليقات تشبه أعمالا سافرة من أعمال الإرهاب”، ومن ذلك الدعاية والدعم للإرهابيين وأعمال الجماعات الإرهابية المسلحة العاملة في منطقة الساحل.
ومن هذا المنطلق “يتم تحليل هذه الأفعال جنائيا على أنها يمكن أن تشكل جرائم بموجب القانون الجنائي، ولاسيما جرائم الارتباط الإجرامي في ما يتعلق بمشروع إرهابي، والدعوة إلى الإرهاب، والتواطؤ في أعمال إرهابية”. وقررت بوركينا فاسو ومالي والنيجر فتح تحقيق ضده وضد جميع المؤلفين والمؤلفين المشاركين والمتواطئين مع قادة أعمال التنظيم الإجرامي المرتبطة بمشروع إرهابي حتى يقدموا تفسيرات لأفعالهم أمام العدالة.
وتحدث المدعي العام في مالي، للرأي العام الوطني والدولي قائلا إنه لاحظ منذ فترة أن “صحافي قناة فرانس 24 الفرنسية ينغمس في تعليقات مغرضة في اليوم التالي لكل هجمة من الهجمات الإرهابية المرتكبة ضد دول اتحاد دول الساحل”. وأدى الهجوم المزدوج الذي وقع في باماكو في السابع عشر من سبتمبر 2024 إلى مقتل ما لا يقل عن 70 قتيلا و200 جريح في صفوف قوات الدفاع والأمن وهي واحدة من أسوأ الخسائر في السنوات الأخيرة.
وفي ذلك اليوم، هاجم اثنان من قوات الكوماندوز التابعة لجماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” الإرهابية مدرسة للدرك في وسط العاصمة والمطار، حيث ألحق الجهاديون أضرارا جسيمة (دمرت أربع طائرات عسكرية وأضرمت النيران في الطائرة الرئاسية) بعد سيطرتهم على العاصمة. وذلك لبضع ساعات. وقال الصحافي نصر لوكالة أسوشيتد برس إن الهجوم أظهر أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين لديها القدرة على شن هجوم واسع النطاق، كما أنه يظهر أيضا أنهم يركزون على الأهداف العسكرية، وليس الهجمات العشوائية على المدنيين.
وفي مارس 2023 تمكن نصر من إجراء حوار حصري مع زعيم تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” أبوعبيدة يوسف العنابي، الذي تحدث عن قضايا إقليمية ودولية عدة، منها التهديدات الإرهابية ضد فرنسا، ورحيل قوات برخان الفرنسية من مالي، ونشاط التنظيم في الجزائر والرهينة الفرنسي أوليفييه دوبوا.
وبخصوص التهديدات الإرهابية التي تحدق بالأراضي الفرنسية، قال العنابي إن القيادات الغربية تعرف وتعي ما هي أهداف جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” وتنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، أي إنها حسب ما قال “تركز على القتال في أفريقيا ولم تجهز لأي عمليات في الغرب أو على الأراضي الفرنسية”. وهذا تأكيد رسمي جديد حسب نصر.
وكان العنابي خلف عبدالمالك دروكدال، الزعيم التاريخي لتنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” في 2020 بعد مقتله على يد الجيش الفرنسي بشمال مالي خلال عملية عسكرية. وكانت الدول الثلاث قد أوقفت بث قنوات مثل “فرانس 24” وعدد من وسائل الإعلام الدولية الأخرى بسبب تغطيتها للتمرد في منطقة الساحل.