كيم يونغ أون "الخليفة العظيم" الذي يحير إيران بعد انهيار اتفاقها النووي

البدء بـ”إجراءات تقنية” لتفكيك موقع التجارب النووية. هكذا كان إعلان وزارة خارجية كوريا الشمالية قبل يومين. وحسبما نقلت وكالة الأنباء الرسمية الكورية الجنوبية “يونهاب” عن وزارة الخارجية في جارتها الشمالية، فإنّ بيونغ يانغ أكّدت أنها “تتخذ إجراءات تقنية لتفكيك موقع التجارب النووية في فعالية تمتد بين 23 و25 مايو الجاري”.
ويضيف الإعلان أن كوريا الشمالية تخطط لإغلاق موقع “بيونغ غيري للتجارب النووية”. مشيرة إلى أنّ قرار تفكيك الموقع يهدف إلى “ضمان الشفافية في التوقف عن الاختبار النووي”.
يتزامن هذا مع إعلان الرئيس الأميركي عن موعد رسمي للقائه مع الزعيم الكوري الشمالي كيم يونغ أون، الذي ستشهده سنغافورة يوم 12 يونيو القادم.
ويبدو أن الرسالة التي بعث بها كيم يونغ أون إلى الولايات والمتحدة والعالم قد وصلت بالفعل واستقرت على سطح مكتب ترامب، الذي أكد وزير خارجيته مايك بومبيو مؤخرا على ضرورة أن تقدّم الولايات المتحدة “ضمانات أمنية” لبيونغ يانغ، استجابة للخطوات التي قام بها كيم يونغ أون في الطريق إلى توقيع اتفاق لنزع سلاح كوريا الشمالية النووي.
لكن ثمن ذلك لن يكون سهلا، لا على الأميركيين ولا على العالم باتجاهاته السياسية، ولا على الكوريين أنفسهم. إذ حين يتم سؤال واشنطن: ولكن ما هو ثمن كل ذلك؟ هل قدمتم له وعودا تضمن بقاءه في السلطة؟ يسارع بومبيو إلى القول “لا شك في أنه سيكون علينا تقديم ضمانات أمنية لكيم”.
ثمن النووي
هكذا إذا. الصفقة الأميركية هي “الحكم مقابل التخلي عن سلاح الدمار الشامل”، الأمر ذاته كان قد اتبع مع القذافي في الماضي، حين تم تفكيك ترسانته من أسلحة الدمار الشامل. لكن هذا لم يقدم أو يؤخر شيئا حين جاءت إدارات مختلفة أرادت إحداث التغيير بالقوة، ففعلت، وكانت النتيجة ما نراه في ليبيا.
ولكن من جهة أخرى، يبدو الأمر مثيرا للاهتمام، في عالم القيم السياسية المعاصرة، حيث يتسابق البعض في أنحاء العالم، لامتلاك أسلحة كي يقايضوا عليها. وليس بعيدا عن هذا المنطق، ما حصل مع إيران في الطريق إلى الاتفاق النووي الذي انسحب منه ترامب مؤخرا. وقبل ذلك اتفاق الكيماوي مع نظام بشار الأسد الذي أبرمه كل من سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي وجون كيري وزير الخارجية الأميركي الأسبق.
يقول بومبيو إنه لا شك في أن مصلحة أميركا “تكمن في منع خطر إطلاق كوريا الشمالية سلاحا نوويا يستهدف لوس أنجلس أو دنفر أو المكان حيث نحن هنا في واشنطن”. إذا يمكن عقد الصفقات مع أميركا بمجرد إشعارها بالخطر والتهديد، وهذا ما أتقن كيم يونغ أون اللعب به جيدا منذ أن ورث الحكم في كوريا الشمالية بعد رحيل والده.
وحتى بدايات هذا العام 2018 الحالي، كان العالم يحبس أنفاسه تخوفا من اندلاع حرب نووية كبرى بسبب تهور كل من مالكي الزرين النوويين الأميركي والكوري، بسبب لاعقلانية كل منهما، كما بدا للجميع حينها، لكن ليس كل ما يظهر في عالم السياسة يعكس الحقيقة.
فمن كان يشكل التهديد الكبير يقول عنه بومبيو اليوم إن “الولايات المتحدة ستسمح لقطاعها الخاص بالاستثمار في كوريا الشمالية”، مضيفا “سيأتي أميركيون من القطاع الخاص للمساعدة في بناء شبكة الطاقة في كوريا الشمالية التي تحتاج إلى كميات هائلة من الكهرباء”. مؤكدا على أن الأميركيين سيساعدون أيضا في الاستثمار في البنية التحتية لكوريا الشمالية، وفي قطاع الزراعة أيضا، لتأمين الطعام لشعبها.
كان كيم يونغ أون غامضا في شتاء العام 2011، حين ظهر من المجهول ليخلف والده كيم يونغ إيل الذي عرف بـ”الزعيم العزيز″، والذي كان يعده لخلافته. وفور موت الأب أخذ الكوريون يطلقون على كيم يونغ أون لقب “الخليفة العظيم” وتمت تسميته خلال وقت قصير رئيسا للحزب والدولة والجيش.
صراع على السلطة
ومنذ ذلك الحين انصب اهتمام كيم يونغ أون على تطوير الترسانة النووية لكوريا الشمالية وتعزيز برنامجها الصاروخي. وأخذت تنتشر عنه أخبار فظيعة، عن معاملة قاسية ووحشية بحق أقاربه من مسؤولي الدولة. كانت ذروتها اتهامه باغتيال أخيه غير الشقيق كيم يونغ نام في مطار كوالالمبور الدولي.
هو الابن الأصغر لكيم يونغ إيل وزوجته الثالثة كو يونغ هوي الراقصة اليابانية الأصل، وهو حفيد الزعيم كيم إيل سونغ الذي يعتز الكوريون بأنه هو من حرر البلاد من اليابانيين. وكل ما يعرفه العالم عنه، أنه تعلم في سويسرا في كلية تدرّس باللغة الإنكليزية. وكان تحت حضانة خالته كو يونغ سوك وزوجها.
وقد وصفه مدرسوه وزملاؤه في الدراسة الذين لم يكونوا على علم بأنه ينتمي إلى الأسرة الحاكمة في كوريا الشمالية، بأنه كان صبيا خجولا يحب التزلج على الثلج وأفلام النجم السينمائي جان كلود فان دام وحسب.
إيران تسعى بكل قوة لخرق القانون وبشكل يومي، بنشر ميليشياتها في الدول العربية، بينما ظلت كوريا الشمالية تعرض وقفا طوعيا لتجاربها الصاروخية، صحيح أنه انهار عام 2006، بعد سنوات قليلة من انهيار الاتفاق الإطاري، الذي جرى التوصل إليه مع الولايات المتحدة عام 1994. ما يعني لنا ولإيران أن انهيار الاتفاقات النووية أمر ليس بالجديد على سياسة واشنطن، وليس بالضرورة أن يكون نهائيا أيضا
ويبدو أن الصراع الدائر تحت الرماد في كوريا الشمالية، قد حسم، ومعه حسمت واشنطن ميلها نحو المنتصر القوي. كما جرت العادة.
ففي ديسمبر من العام 2013 كان الزعيم المحبب لترامب اليوم، يصدر أوامره بإعدام عمه تشانغ سونغ ثيك، الذي أعلنت وسائل الإعلام الكورية الشمالية وقتها أنه كان يدبر مؤامرة انقلابية. بينما يؤكد المدافعون عن حقوق الإنسان أن نظام كيم يونغ أون يحتجز ما بين 80 و120 ألف شخص في معتقلاته.
لكنه أبقى على شقيقته وشقيقه بالقرب منه في دوائر القرار الضيقة. فالرفيقة كيم يو يونغ تتولى منصبا رفيعا في حزب العمال، أما الأخ الأكبر كيم يونغ شول، فهو موجود في الصورة، ولكنه لا يتولى أي منصب رسمي معلن. كل ذلك كان يتردد حول كيم يونغ أون قبل أن يبادر إلى لقاء نظيره الكوري الجنوبي.
كان والده مرحلة في تاريخ كوريا. لم تنشر له صورة واحدة وهو يبتسم. كان صارما وحاد الطباع. لكن كيم يونغ أون يتجاوز والده نحو جده كيم إيل سونغ، الذي يتعمد التشبه به في كل شيء بدءا من تسريحة شعره ولباسه.
حالتا كوريا وإيران
ويتساءل المحللون السياسيون في العالم عن المكاسب التي في ذهن الزعيم الكوري الشمالي من وراء كل هذه الخطوات التطمينية، بما فيها لقاؤه مع نظيره الكوري الجنوبي الرئيس مون غاي إن على الخط الفاصل ما بين البلدين، والتفاهمات التي توصلا إليها.
ففي الوقت الذي نشهد فيه صراعا دائرا مع إيران ليل نهار من أجل إيقاف برنامجها النووي والتحكم به، نلاحظ موقفا مغايرا تماما من كيم يونغ أون، الذي يقرر تجميد تجاربه النووية طوعا، وإغلاق موقع للتجارب النووية، بعد أن أنتجت كوريا الشمالية أسلحة نووية بالفعل.
دول أخرى سبقت كيم يونغ أون بالوصول إلى التقنية النووية، لكن لم يطالبها أحد بتفكيك برنامجها، بل تم ضمها إلى النادي النووي وانتهى الأمر. كما في حالة الهند وباكستان التي أجرت كل منهما ست تجارب نووية حتى العام 1998.
وقد حمل العامان 2016 و2017 أخبارا هائلة للعالم عن تطور كوريا الشمالية النووي. فقد كانت التجربتان النوويتان في تلك الفترة هما الأبرز، متمثلتان بقنبلة نووية معيارية ومضغوطة، يمكن تركيبها على الأنواع المختلفة من الصواريخ، قصيرة ومتوسطة المدى، والصواريخ البالستية عابرة القارات.
ويعادل الإنتاج المتوقع من هذه القنابل الفائقة، ضعفين أو ثلاثة أضعاف القوة التفجيرية، التي ألقتها الولايات المتحدة على ناكازاكي اليابانية، في الحرب العالمية الثانية. وتبدو كوريا الشمالية في هذه الحالة، بوضع لا يمكن معه ترك هذه الدولة تعيش كدولة مارقة، فالتقدم التكنولوجي النووي لديها بات أمرا لا يمكن السيطرة عليه بالعقوبات فقط.
أعلن كيم يونغ أون أيضا وقف تجارب الصواريخ البالسيتية العابرة للقارات. بعد أن أجرت بلاده ثلاث تجارب صاروخية فقط، لصواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية، تصل بسهولة إلى أراضي الولايات المتحدة المجاورة لها. ولم يتضمن أي من تلك التجارب إطلاق صاروخ، في مسار مشابه للمسار الذي قد يكون ضروريا لتنفيذ هجوم نووي.
ولا يبدو أن إيران المنشغلة في نشر ميليشياتها على امتداد الإقليم في العراق وسوريا ولبنان واليمن، في وضع مشابه لوضع كوريا الشمالية. الذهنيتان تختلفان وكذلك الأداء السياسي.
وفي حين تسعى إيران بكل قوة لخرق القانون وبشكل يومي، كانت كوريا الشمالية تعرض في العام 1999 وقفا طوعيا لتجاربها الصاروخية، لكنه انهار عام 2006، بعد سنوات قليلة من انهيار الاتفاق الإطاري، الذي جرى التوصل إليه مع الولايات المتحدة عام 1994.
ما يعني لنا ولإيران أن انهيار الاتفاقات النووية أمر ليس بالجديد على سياسة واشنطن، وليس بالضرورة أن يكون نهائيا أيضا.
المكسب الكبير الذي يراهن عليه كيم يونغ أون هو اعتراف واشنطن به وجلوسه إلى جوار الرئيس الأميركي في لقاء القمة المرتقب، والذي سيضمن له توطيد حكمه في الداخل، بينما تعتقد إيران أنها ليست بحاجة إلى كل ذلك، فهي قد حققت أكبر من تعزيز مكانة النظام في الداخل الإيراني، وذلك بتأسيس نظام ولاية الفقيه العابر للجنسيات. وولاء أتباعها لها يسير وفقا لذلك النظام في البلدان التي تهيمن عليها.
لكن ولأنه كثيرا ما قيل، إن على حلفاء الولايات المتحدة أن يشعروا بالتهديد أكثر من أعدائها، فقد أكد وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، خلال جلسة للجنة الاعتمادات في مجلس الشيوخ التابع للكونغرس، أن “وجود قوات الولايات المتحدة في أراضي كوريا الجنوبية لن يناقش خلال المفاوضات الأولية”.
وأشار ماتيس إلى أن القوات الأميركية المنتشرة في كوريا الجنوبية والتي يبلغ عددها 28.5 ألف عسكري، تلعب دور عامل إرساء الاستقرار في المنطقة.
ولكن حتى هذا الأمر لم يجعل منه كيم يونغ أون مشكلة. فقد كان رئيس كوريا الجنوبية أعلن سابقا أن بيونغ يانغ لم تدرج على الإطلاق، مطلب سحب الولايات المتحدة قواتها من شبه الجزيرة الكورية، وأوضح “أنهم لم يطرحوا شروطا لا تستطيع الولايات المتحدة قبولها”.
يبدو العالم، في جوانب منه، أكثر بساطة ما يبدو للعرب. لكنه أكثر تعقيدا حين يعمل العرب فيه ذهنياتهم السياسية التي تدور حول المواضيع ولا تذهب مباشرة إلى أهدافها. ولذلك ليس أكيدا أنهم سيتمكنون من استثمار الإخفاق الإيراني في الاتفاق النووي مع واشنطن. ومن يدري، ربما سهلت سياسات عربية طائشة لطهران العودة من جديد لتوطيد اتفاقها مع ترامب الذي يريد من كيم يونغ أون أن يكون نموذجها المصغر، لما يجب أن تكون عليه الأمور، في نظام ترامب العالمي الجديد.