كيلي كرافت.. موفدة خاصة إلى لهيب الشرق الأوسط

مندوبة واشنطن في مجلس الأمن تتتوعد بتوسيع الاستراتيجية الأميركية حيال طهران مهددة بوسائل استخدام إضافية.
الثلاثاء 2020/03/03
ملكة مناجم الفحم

أعلنت واشنطن عن توجّه وفدين أميركيين رفيعي المستوى، إلى العاصمة التركية أنقرة، وإلى مناطق أخرى متاخمة للحدود التركية السورية، للاطلاع عن كثب على الأوضاع المتدهورة في محافظة إدلب السورية. ولعقد لقاءات مع المسؤولين الأتراك، بعد بدء العملية العسكرية التي أطلق عليها الأتراك اسم ”درع الربيع“. ويضم أحد الوفدين مبعوث ترامب الخاص إلى سوريا جيمس جيفري، بينما تترأس الوفد الآخر مندوبة واشنطن لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت المثيرة للجدل.

كرافت هي السفيرة الأميركية السابقة لدى كندا، وزوجة الملياردير جو كرافت الذي يعمل في مجال تعدين الفحم، وهي ترأس المجموعة الاستشارية “كيلي.جي.نايت”، وعضو في مجلس إدارة جامعة كنتاكي.

ولدت في العام 1962 في غلاسكو بولاية كنتاكي الأميركية لأب كان يعمل طبيبا بيطريا وعضوا فاعلا في الحزب الديمقراطي ترأس اللجنة الحزبية في مقاطعة بارين في ولايته، لكن كرافت وعلى النقيض من والدها، تنتمي إلى فكر وسياسات الحزب الجمهوري الأميركي، وهي ناشطة ضمن صفوفه، لها باع طويل في دعم مرشحي الحزب الجمهوري في الانتخابات، بخاصة في تمويل الحملات الانتخابية الرئاسية لمرشحين متعاقبين من الحزب منهم الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، خلال حملته عام 2004. وإثر خروج الديمقراطيين من رئاسة البيت الأبيض بعد انتهاء فترتيْ حكم الرئيس الأسبق باراك أوباما، تبرعت مع زوجها بالملايين من الدولارات لمرشحين جمهوريين في الانتخابات الرئاسية، وبدأت بدعم مالي كبير لحملة المرشح الرئاسي، ماركو روبيو، وكانت مندوبة حزبية له في كنتاكي؛ ثم تحوّلت لدعم حملة الرئيس دونالد ترامب ماليا وسياسيا.

سيدة المفاوضات الصعبة

كرافت التي تعمل عائلتها الثرية في مجال تعدين الفحم، تعهدت بأن تفسح المجال أمام السياسات المتعلقة بالمناخ
كرافت التي تعمل عائلتها الثرية في مجال تعدين الفحم، تعهدت بأن تفسح المجال أمام السياسات المتعلقة بالمناخ

شغلت كرافت مناصب دبلوماسية حساسة، وعيّنت مندوبة مناوبة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، قبل سنوات. أما في العام 2017 فقد عيّنها ترامب سفيرة لبلادها لدى كندا، وكانت أول امرأة تصل إلى منصب سفير الولايات المتحدة في هذا البلد. وعُرف عنها عملها الدؤوب من أجل تمكين العلاقات بين البلدين. وقد شاركت في المفاوضات الصعبة من أجل اتفاق للتبادل الحرّ في أميركا الشمالية وذلك من خلال القيام بدور قيادي في المفاوضات التجارية التي أسفرت عن التوصّل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا. حينها سعت كرافت بقوة إلى دعم مبادرة استعادة البحيرات الكبرى، وأيضا كان لها دور بارز في تعزيز السياسات الرئيسة للحكومة الأميركية الموجهة إلى الصين وفنزويلا وروسيا خلال شغلها لمنصبها الرفيع ممثلة لبلادها في كندا.

في العام الماضي وإثر استقالة السفيرة نيكي هيلي من منصبها كسفيرة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، خلفتها كرافت في هذا الموقع، وتسلّمته رسميا في ديسمبر من العام نفسه. ومن اللافت أن كرافت تعهّدت خلال جلسة الاستماع في مجلس الشيوخ والتي عُقدت من أجل تثبيت تعيينها بعد عرض برنامجها المرتقب، أنها ستفسح المجال للسياسات المتعلقة بالمناخ بالمضيّ قُدما على رغم أن عائلتها الثرية تعمل في مجال تعدين الفحم. وقالت كرافت لدى مصادقة مجلس الشيوخ على تعيينها إنها لن تشارك شخصيا في أيّ نقاشات في الأمم المتحدة تتعلّق بالفحم. ولم يسجّل لها أيّ موقف واضح من قرار ترامب الانسحاب من اتفاق باريس للمناخ، بل قالت “لا يتعيّن علينا أن نكون جزءا من اتفاق لنكون روّادا“.

وكان ترامب الذي اختار كرافت لمنصبها في الأمم المتحدة قال لدى الإعلان عن ترشيحه لها في فبراير 2019 لتمثّل الولايات المتحدة في أعلى منبر أممي “لقد قامت كيلي بعمل رائع يمثّل الأمة الأميركية، وليس لديّ أدنى شك في أن بلدنا، تحت قيادتها، سيكون ممثّلا بأرقى مستوى”.

أما وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو فقد غرّد على حسابه الرسمي في تويتر قائلا “أنا في غاية السعادة للموافقة على ترشيح كرافت لشغل منصب سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة. أنجزت كيلي مهمتها كسفيرة لدى كندا على أكمل وجه، وسوف تقوم بالإنجاز نفسه في نيويورك لتعزيز سلامة الشعب الأميركي وأمنه وقيمه”.

عالم تشوبه الأزمات

كرافت تزور الشرق الأوسط، في لحظات توتر عال جدا، ووسط صراع عسكري لا يعرف أحد كيف ستكون نتائجه
كرافت تزور الشرق الأوسط، في لحظات توتر عال جدا، ووسط صراع عسكري لا يعرف أحد كيف ستكون نتائجه

إثر خروجها من مكتب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس بعد تقديم أوراق اعتمادها له كممثلة للولايات المتحدة في المنظمة الأممية، أعلنت كرافت عن خارطة الطريق التي رسمتها لنفسها برنامجا لعملها خلال فترة تمثيلها لبلدها.

وأمام العشرات من الصحافيين الذين كانوا في انتظارها قالت إنها تتعهد بالوقوف إلى جانب أصدقاء الولايات المتحدة وحلفائها وأنها ستقوم بالعمل الحثيث من أجل تسوية النزاعات الدولية سلميا كلما أمكن ذلك. وأضافت “أعرب عن امتناني الاستثنائي للقيادة الجريئة للرئيس دونالد ترامب، إنه لشرف شخصي عميق أن أحظى بثقة الرئيس، وهذه الثقة سأسعى إلى أن أحافظ عليها”.

تقول كرافت “أتيتُ إلى الأمم المتحدة ليس فقط بصفتي مبعوثة من الرئيس، بل أنا هنا لأمثّل التزام الولايات المتحدة الثابت بالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وحلّ النزاعات بالوسائل السلمية كلّما كان ذلك متاحا”. وأضافت وهي تقرأ تصريحاتها وقد أعدّتها على شكل خارطة طريق وبرنامج لعملها “في عالم تشوبه الأزمات الإنسانية والتحديات الجيوسياسية تعتبر قيادة أميركا حاسمة؛ وأنا سأواصل الدفاع عن سياسة هذه القيادة وعن القيم الأميركية، كما سأقف باستمرار إلى جانب أصدقائنا وحلفائنا”.

واكتفت كرافت يوم تسلّمها لمنصبها الجديد بتقديم برنامجها للإعلام، بينما رفضت قبول أيّ أسئلة أو مداخلات من الحشد الصحافي الذي كان ينتظرها للحوار معها خارج قاعة مجلس الأمن، خصوصا أنها شغلت الكرسي الأميركي في الأمم المتحدة ومجلس الأمن بعد أن ظل فارغا لمدة تزيد على الستة أشهر إثر استقالة هيلي.

أعلن ترامب مؤخرا عن خطة السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وفق الرؤية الأميركية للحلّ، والتي دعيت إعلاميّا بصفقة القرن، وذلك في مؤتمر صحافي ضخم أقامه في البيت الأبيض، واستضاف فيه رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، كما حضر ممثّلون عن دول كبرى والشرق الأوسط على وجه الخصوص.

تتضمّن الصفقة، والتي واجهت انتقادا ورفضا مباشرا من قبل الحكومة الفلسطينية ورئيس الدولة محمود عباس حال إطلاقها، خطة محكمة لسيطرة تامة ودائمة لإسرائيل على معظم أراضي الضفة الغربية التي احتلتها تل أبيب إثر حرب 1967، بينما يتم ضمّ المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية إلى دولة إسرائيل بصورة رسمية. أما مدينة القدس فتبقى موحدة بين شرقها وغربها، وتكون عاصمة لإسرائيل وتحت السيادة الإسرائيلية. أما بالنسبة إلى أماكن العبادة المقدسة، وتحديدا الحرم الشريف، فسيبقى الوضع الراهن مستمرا كما هو عليه الآن، حيث تقوم إسرائيل بحماية مواقع العبادة الدينية وتضمن حق العبادة للمسلمين والمسيحيين واليهود فيها.

خيار وحيد

وفي الجلسة التي عقدها مجلس الأمن لمناقشة المشروع الأميركي وحضرها الرئيس محمود عباس على كرسي ممثّل فلسطين السفير رياض منصور في المجلس، قال عباس مخاطبا إسرائيل والعالم من خلال سفرائه في المجلس، ورافعا بيده خارطة فلسطين كما ترسمها صفقة القرن وقد شبّهها بـ”الجبنة السويسرية” لما فيها من فراغات وثقوب تفصل بين أطراف الأرض الفلسطينية إن ”مواصلة الاحتلال والاستيطان والسيطرة العسكرية على شعب أخر لن يصنع أمنا ولا سلاما، فليس لدينا سوى خيار وحيد لنكون شركاء وجيرانا كلّ في دولته المستقلة وذات السيادة، فلنتمسك معا بهذا الخيار العادل قبل فوات الأوان”.

كرافت التي حضرت الجلسة حذّرت الفلسطينيين من أن موقف الرئيس الفلسطيني المستاء والرافض لخطة السلام الأميركية لن يؤدي إلا إلى “تكرار النهج الفاشل للعقود السبعة الفائتة”. قصدت كرافت طبعا النهج الذي اتبع في الأمم المتحدة بين شدّ وجذب بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني لم يؤد إلى حلول عادلة ومقبولة لكلا الطرفين. واقترحت على الرئيس الفلسطيني أن يحمل رأيه بالخطة الأميركية إلى مكانه الطبيعي على طاولة المفاوضات ومناقشته هناك حيث يمكن الوصول إلى نتائج من خلال الحوار.

"صفقة القرن" ترى فيها كرافت فرصة استثمارية سياسية كبرى، وتحذر الفلسطينيين من أن موقف محمود عباس الرافض لخطة السلام الأميركية لن يؤدي إلا إلى "تكرار النهج الفاشل للعقود السبعة الفائتة"

تشير كرافت إلى أن الخطة الأميركية للسلام المرفقة بمشروع استثماري ضخم رأسماله 50 مليار دولار قابلة للتطبيق لو أتيحت لها الفرصة. لكنها في الوقت نفسه ردت على موقف عباس في رفضه الخطة بقولها “إن الخطة ليست أمرا منزّلا وهي قابلة للقبول أو الرفض”.

عباس الذي كان قد تراجع عن طرح مشروع الفلسطينيين برفض الخطة الأميركية للتصويت عليه في مجلس الأمن بسبب عدم تمكّنه من حشد دعم دولي لازم لتمرير مشروعه، أكد في كلمته التي استعاض بها عن طرح المشروع “أنه يرفض مقايضة المساعدات الاقتصادية بالحلول السياسية”، مشيرا إلى أن الأولوية هي للحلّ السياسي مع التمسّك بالمقاومة الشعبية السلمية.

أما الموقف الثابت لكرافت فكان التأكيد على استعداد الولايات المتحدة لتسهيل ورعاية إقامة محادثات جدية بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني من أجل الدفع قُدما نحو تطبيق خطة الرئيس ترامب للسلام بما يناسب الجهتين من خلال تبادل وجهات النظر وإبداء الرأي بصورة إيجابية وحرة خلال المفاوضات.

إيران والعراق

تصريحات كرافت تعكس مواقفها من القضايا الإنسانية الملحّة في العالم. تقول “سأدافع عن الفقراء والضعفاء ولن أتوانى عن العمل مع كل من يرغب فعلا بدعم قضية الكرامة الإنسانية“. وهي تشارك ترامب وفريقه القناعة بأن إيران تواصل تهديد أمن الشرق الأوسط على نحو متواصل. وتقول “ستواصل حملة الضغط القصوى على إيران“.

 وبعد مقتل سليماني وتصعيد العقوبات ضد طهران، علّقت كرافت بالقول “لدينا وسائل إضافية لنستخدمها ضد إيران“. مبيّنة أن “مواصلة دعم إيران لحزب الله مشكلة“ وهي تدين باستمرار، الاعتداءات التي يتعرّض لها المتظاهرون السلميون في ساحات العراق، وتؤكد على" رفض أي انتهاكات بحق متظاهري العراق"، ملوّحة بجلسات في مجلس الأمن سوف تخصّص لمتابعة الأوضاع في العراق.

مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن تتتوعد بتوسيع استراتيجية بلادها حيال إيران والتي بلغت ذروتها في تشديد العقوبات وقتل سليماني، مهددة بالقول "لدينا وسائل إضافية لنستخدمها"

وحول الملف السوري تقول كرافت “سندعم تقديم المساعدات للملايين من السوريين الذين يعانون على الحدود التركية“. وهي التي أعلنت مؤخرا أنّ ”روسيا انتهكت ونظام الأسد اتفاقات أستانة لوقف إطلاق النار في 3 أحداث منفصلة، وأنّ كسر صيغة أستانة لا يمكن إصلاحه”، داعية “روسيا إلى وقف طائراتها على الفور“.

وتلفت كرافت إلى أنّه “وفق ما أوضح الرئيس ترامب، فإنّه يتعيّن على نظام الأسد وروسيا وإيران أن يوقفوا هجومهم قبل قتل أو نزوح المزيد”، مضيفة “نحضّ الأمم المتحدة على بذل كل ما في وسعه للتوسّط في وقف إطلاق النار، فأهل سوريا يصلّون من أجل الخلاص”.

13