كيف نعرف؟

كان من بين أهم مواد الحصاد الفكري خلال نوفمبر الماضي، سيمفونية نشرها موقع “ساينتفيك أميركان” وترجمها معدّاها إلى مقال بعنوان “كيف نعرف أننا متعَبون؟”.
حسنا، التفكير الذي افتتح به الموقع حديثه كان اكتشاف الإرهاق من خلال صور السيلفي التي نلتقطها لأنفسنا بالهواتف الذكية، مستندا إلى دراسات أجراها باحثون ضمن ما أسموه بـ"سيلفي الجراحة". حيث أجرى باحثون من جامعة أدنبرة تجربة سريرية عشوائية شملت 492 مريضا لمعرفة ما إذا كان يمكنُ استخدام "السيلفي" لاكتشاف أعراضِ العدوى وتشخيص الإصابات بوقت مبكّر.
سيضيف البحث تفاصيل عن دراسة نشرتها دورية "موليكولار سيل" أن التعب يتزايد في أجسادنا حين نكون مستيقظين، بينما يعود إلى الانخفاض خلال النوم. بسبب تراكم الحمض النووي التالف الناجم عن فناء الخلايا العصبية، والذي يكون بمثابة سمّ حقيقي بوجود عوامل مثل الأشعةِ فوقَ البنفسجية وغيرها.
وعلى الرغم من أن البحث وصل إلى أسماك الزرد والفئران المخبرية والقراد، وخنازير غينيا، إلا أني أعترف بعجزي عن العثور على جواب للسؤال “كيف نعرف أننا متعبون؟”. لم أعرف.
هناك هلوسة علمية دارجة هذه الأيام، بحيث لم تعد تدري إن كان العلماء يستهدفون موضوعا بعينه، أم أن غرضهم القول إنهم يعملون، إذ لا بد لكل بحث من أن يأتي على سيرة العدوى، واللقاحات، والمناعة. هو نوع من نشر الثقافة، وهو على كل حال ليس سلبيا، لكنه يضيّع العقل في طريق تقوده إلى السؤال الأعظم “كيف نعرف؟”.
ليس مهما ماذا نعرف، المهم أن نتدرّب على المعرفة، والتعامل معها، وحيازتها، وما الذي يتوجب فعله بعد ذلك. هذا أهم من التفاصيل، لأنها ستكون عندئذ تحصيل حاصل.
بطريقة أخرى، كتب طفل في قرية فرنسية ذات يوم رسالة في حصة اللغة الإنجليزية، تحدت المعلّمة فيه الطلاب في قصة التلاعب بالألفاظ “إذا كان هذا جيدا كفاية بالنسبة إليك فهو جيد كفاية بالنسبة إلي”. فأعجبت المعلمة بالجملة، ونشرتها في نشرة المدرسة التي انتقلت مع والد أحد زملاء الطفل بالطائرة وعبرت المحيط إلى الولايات المتحدة، ثم رُميتْ في المطار ووصلت إلى مكبّ للقمامة، وانتقلت منه مع الورق المستعمل، إلى محل لبيع النبيذ، فلف البائع بها زجاجة جرى تهريبها إلى السجن ووقعت بين يدي زعيم المافيا الذي كان يبحث عن والد الطفل الذي كتب الجملة في فرنسا، لأن الجملة لم تكن سوى شيفرة مافيوية سمعها الفتى في طفولته ولم يدر أنها ستقود القتلة إليه.
كان هذا مشهدا واحدا من فيلم "العائلة" الشهير لروبرت دي نيرو وميشيل فايفر وتومي لي جونز.
هل عرفتم كيف نعرف؟