كيف ضلّ الفلسطينيون طريقهم

قام الفلسطينيون على مدى الـ75 عاما الماضية بتنشئة أربعة أجيال من الشباب الطموح، مثل نظرائهم في إسرائيل والدول المتقدمة الأخرى، يحلمون بالنمو والازدهار مع ترك بصمتهم الخاصة من خلال المساهمة في ازدهار مجتمعاتهم ودولهم ونموها. لقد فشلوا ليس لأنهم غير قادرين، أو أقل موهبة، أو لا يستحقون النجاح: لقد فشلوا لأن قادتهم خذلوهم. لقد خذلهم القادة الفلسطينيون لقصر نظرهم وسياساتهم المضللة وعدم استعدادهم لقبول واقع إسرائيل الذي لا يمكن محوه.
وعلى هذا النحو، فقد لعبوا دورا مباشرا في مصلحة إسرائيل من خلال تهديد وجودها ذاته، الأمر الذي زود إسرائيل بالمنطق والمبرر لاستمرار الاحتلال المنهك.
ومن المفارقات، فإنه خلال الصراع المستمر منذ 75 عاما بين الجانبين، أصبحت إسرائيل قوة عالمية ورائدة في كل مجال من مجالات العلوم والتكنولوجيا، باقتصاد قوي وجيش هائل، بينما لا يزال الملايين من الفلسطينيين يقبعون في مخيمات اللاجئين.
وهكذا، فإن سياستهم المعسرة لم تؤد إلا إلى تفاقم القنوط واليأس لدى الشباب الذين يلومون إسرائيل عليه، مما أدى إلى نشوء التشدد والعنف ضد دولة يجب أن يتعايشوا معها.
وتبنت القيادة الفلسطينية منذ اندلاع الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني عام 1948 سياسة المقاومة والمواجهة ضد إسرائيل. حتى في أوقات الهدوء النسبي، فإن إدانة إسرائيل المستمرة في مختلف القضايا، لاسيما في ما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين والقدس والمستوطنات الإسرائيلية، كانت بمثابة تذكير دائم لكل شاب فلسطيني بأن إسرائيل هي العقبة التي تعيق تقدمهم وتحطم أحلامهم. بعبارة أخرى ربطت القيادة الفلسطينية ثروات ورفاهية شبابها في المستقبل بتدمير إسرائيل.
وعلى هذا النحو، تدين الأجيال الفلسطينية المتعاقبة إسرائيل على محنتها التي تتعزز باستمرار ليس فقط بسبب عدم وجود جهود حقيقية من جانب الفلسطينيين لإيجاد حلول، ولكن أيضا لأنه كلما استمر الصراع، أصبح من الصعب حله. وفي الوقت الحاضر، فإن الطرفين متباعدان أكثر مما كانا عليه قبل 30 عاما عندما تم توقيع اتفاقيات أوسلو.
التلقين في المدار
خلال الصراع المستمر منذ 75 عاما بين الجانبين، أصبحت إسرائيل قوة عالمية ورائدة في كل مجال من مجالات العلوم والتكنولوجيا، باقتصاد قوي وجيش هائل، بينما لا يزال الملايين من الفلسطينيين يقبعون في مخيمات اللاجئين
يبدأ تلقين العقيدة للشباب الفلسطيني منذ الصغر في المدارس. إنها واحدة من أكثر الطرق فعالية للتأثير على عقول الشباب وجعلهم يصدقون ما تعلموه. وهكذا أصبحت في الأساس المدارس الفلسطينية جزئيا مختبرات للتضليل المناهض لإسرائيل من خلال المعلمين والكتب المدرسية.
وعلى سبيل المثال، تم تصوير إسرائيل في كتب التاريخ ليس فقط كقوة محتلة يجب مقاومتها، ولكن على أنه ليس لها الحق في الوجود على الإطلاق.
وفي كتب الجغرافيا لم يتم ترسيم حدود عام 1967، وفي الخرائط الفلسطينية تغطي “دولة فلسطين” كامل مساحة اليابسة من البحر المتوسط إلى نهر الأردن. وفي دراسات اللاجئين الفلسطينيين، يتم إلقاء اللوم بشكل مباشر على إسرائيل في التسبب في الكارثة، النكبة، التي تغرس في أذهان التلاميذ الصغار.
وكما لاحظ مارك توين في سيرته الذاتية حيث كتب يقول “عندما يتم تدريب حتى ألمع عقل في عالمنا منذ الطفولة على خرافة من أي نوع كان، فلن يكون من الممكن أبدا لهذا العقل، في نضجه، أن يفحص بصدق ونزاهة وبضمير حي أي دليل أو أي ظرف يبدو أنه يلقي بظلال من الشك على صحة تلك الخرافة”.
وبالتأكيد يتم تصوير الشعب الفلسطيني في المدارس على أنه ضحايا لسلطة وحشية. وتنتقل المعلومات المضللة والحقيقة المختارة حول الصراع مع إسرائيل من جيل إلى جيل واليوم ينظر الشباب الفلسطيني إلى إسرائيل على النحو الذي كان ينظر إليه آباؤهم، أي على أنها عدو لا يمكن التصالح معه ويجب مقاومته بأي ثمن.
وفي حين أن التعليم المدرسي المناهض لإسرائيل يسمم عقول الشباب، فإنه يستمر في تعزيزه من خلال الرواية العامة اللاذعة للقادة الفلسطينيين ضد إسرائيل.
ويتردد صدى الإدانة العلنية اليومية لإسرائيل في أذهان الشباب ويتناغمون بشكل متزايد مع المقاومة بدلا من المصالحة. وتتعزز هذه الحالة الذهنية أكثر، خاصة عندما يسمعون من قادة فلسطينيين متطرفين، مثل حماس، ووسائل الإعلام عن قسوة إسرائيل التي لن تنتهي إلا بعد هزيمتها بشكل تامّ.
وعلاوة على ذلك، فإن الخلاف بين الجماعات المتطرفة مثل حماس والسلطة الفلسطينية الأكثر اعتدالًا يجعل من المستحيل على الأخيرة أن تخفف من روايتها العلنية اللاذعة ضد إسرائيل خوفا من اتهامها باسترضاء الإسرائيليين.
وفي الواقع، بدلا من إعداد الجمهور لحتمية التعايش السلمي والانخراط في حوار شعبي بنّاء، فإنهم يسممون الجو السياسي من خلال الترويج للاعتقاد بأن تدمير إسرائيل وحده هو الذي يحرر الفلسطينيين من عبودية الاحتلال، ويسمح لهم باستعادة الأرض واستعادة كبريائهم الوطني وكرامتهم.
عدم الاستثمار في بناء الدولة
لا توجد لدى السلطة الفلسطينية ولا لحماس أي خطط أو إستراتيجية من شأنها أن تنهي الصراع الأكثر تدميرا الذي أخضع له شبابهما لمدة 55 عاما ومازال في تزايد
إن الفشل الذريع للقيادة الفلسطينية في تكريس نفسها لبناء الدولة جعل من المستحيل على مئات الآلاف من الشباب العثور على عمل محترم، الأمر الذي حرمهم من أجور مناسبة لإعالة أنفسهم وحرمهم بذلك من حياة كريمة. لا يستطيع عشرات الآلاف من الشباب الفلسطينيين متابعة التعليم العالي لأنهم في كثير من الأحيان يضطرون إلى إيجاد وظائف وضيعة للمساعدة في إطعام أسرهم.
وبالتالي، فإن الكسل وعدم وجود أي احتمال لحياة أفضل وأكثر إنتاجية يؤديان إلى تطرف العديد من الشباب الفلسطيني الذين يميلون إلى الانضمام إلى الجماعات المسلحة حيث يتم احتضانهم، ويشعرون بالاحترام، ويكافأون على استعدادهم للانضمام إلى المعركة ضد إسرائيل. هم في الأساس يهربون من سجنهم من حياة اليأس حيث يتم إغراؤهم بالذهاب إلى “سجن جديد” حيث يفترض أنهم يجدون معنى لحياتهم.
وكما صرح ألدوس هكسلي بشكل مقنع “من الممكن تماما أن يكون الرجل خارج السجن ولكن ليس حرا، ألا يكون تحت أي قيود جسدية ومع ذلك يكون أسيرا نفسيا، مضطرا للتفكير والشعور والتصرف كممثل عن الدولة القومية، أو بعض المصالح الخاصة داخل الأمة، تريده أن يفكر ويشعر ويتصرف”.
وغالبا ما يبحث العديد من الشباب الفلسطينيين الذين يشعرون بالإهمال دون أي أمل في عيش حياة طبيعية ومنتجة عن معنى أكبر لحياتهم ويتأرجحون للاعتقاد بأنهم يمكن أن يجدوا في الموت الخلاص الذي يراوغهم عندما يكونون على قيد الحياة.
ويشير القرآن إلى الاستشهاد في كثير من المواقع، ومنها في سورة آل عمران، الآيتان 169 و170 “ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا، بل أحياء عند ربهم يُرزقون فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ”.
المشكلة هنا أن القيادة الفلسطينية، وخاصة المتطرفين، لا تدعو للتعايش السلمي. إنهم يثنون، بدلاً من ذلك، على أعمال العنف والإرهاب ضد إسرائيل، ويكرمون شجاعة وبسالة الجناة في التضحية بأنفسهم من أجل قضية التحرير الوطني الكبرى.
وهكذا، فإن قتل اليهود الإسرائيليين وتخليص أنفسهم من الاحتلال، بالنسبة لعدد كبير من الشباب الفلسطيني، أصبح مهمة مقدسة كما لو أجازها الله. إنهم يسعون إلى الاستشهاد لأنهم يؤمنون حقًا بما قيل لهم، أنهم سيفرحون في الجنة بدلا من الاستمرار في الإذلال والإهانة على الأرض.
ضياع فرص صنع السلام
الخلاف بين الجماعات المتطرفة مثل حماس والسلطة الفلسطينية الأكثر اعتدالًا يجعل من المستحيل على الأخيرة أن تخفف من روايتها العلنية اللاذعة ضد إسرائيل خوفا من اتهامها باسترضاء الإسرائيليين
أضاع الفلسطينيون منذ قيام إسرائيل عام 1948 العديد من الفرص لصنع السلام. وعبّر وزير الخارجية الإسرائيلي الراحل أبا إيبان بإيجاز عن ذلك عندما قال “لم يفوت الفلسطينيون أبدا فرصة لتفويت فرصة”، وهي حقيقة حالت دون تمتع العديد من الشباب الفلسطيني بثمار السلام وأن يصبحوا لاعبين بنائين في بناء الدولة وأن يكونوا قادرين على الافتخار بإنجازاتهم.
وبدءا من رفضهم قبول خطة التقسيم التي وضعتها الأمم المتحدة عام 1947، أضاع الفلسطينيون بلا منازع عددا من الفرص، لكن يكفي هنا ذكر القليل منها فقط. وفي أعقاب حرب الأيام الستة عام 1967، رفض الفلسطينيون عرض إسرائيل بإعادة جميع الأراضي التي احتلتها في الحرب مقابل السلام (باستثناء الوضع النهائي للقدس). وفي عام 1977 رفض الفلسطينيون الدعوة للانضمام إلى مفاوضات السلام الإسرائيلية – المصرية التي كان من الممكن أن تؤدي إلى سلام إسرائيلي – فلسطيني إلى جانب اتفاقية السلام الإسرائيلية – المصرية الموقعة في عام 1979.
وفي كامب ديفيد عام 2000، أضاع الفلسطينيون فرصة تاريخية أخرى وابتعدوا في اللحظة الأخيرة عندما كان الاتفاق الشامل على قدم وساق.
وأذهلت الانتفاضة الأكثر عنفا، الانتفاضة الثانية، التي بدأت بعد بضعة أشهر، الإسرائيليين الذين خلصوا إلى أن الفلسطينيين ببساطة غير مهتمين بالسلام. وأخيراً، في 2007 – 2008 انسحب الفلسطينيون مرة أخرى من المفاوضات، وهذه المرة بسبب خلاف حول النسب المئوية لمقايضة الأراضي.
ومنذ ذلك الحين، وتحت قيادة بنيامين نتنياهو ومحمود عباس إلى حد كبير، لم يتم إجراء مفاوضات سلام جوهرية. وللأسف هناك جيل رابع من الفلسطينيين يتأرجح الآن بين القيادة الدكتاتورية الفاسدة والتطرف المدمر للذات وعدم وجود أي احتمال لحياة ذات معنى.
ولا توجد لدى السلطة الفلسطينية ولا لحماس أي خطط أو إستراتيجية من شأنها أن تنهي الصراع الأكثر تدميرا الذي أخضع له شبابهما لمدة 55 عاما ومازال في تزايد.
وهكذا ضل الفلسطينيون طريقهم. وبينما هم يستمرون في وهمهم بأنهم قادرون على تدمير إسرائيل، فإنهم في الواقع يزرعون بذور تدمير أنفسهم. حان الوقت لأن يستيقظوا قبل أن يخسروا فرصة الجيل القادم للعيش بسلام وتحقيق أحلامهم وتطلعاتهم في الازدهار في وطنهم الذي يستحقونه بجدارة إذا أتيحت لهم الفرصة فقط.