كيف تمهد التجارب الفاشلة للآباء طريق النجاح للأبناء

العوامل المرتبطة بالبيئة الأسرية أكثر أهمية من الجينات في تحديد السلوك العاطفي للطفل ومهاراته الاجتماعية.
الجمعة 2021/05/21
ما لا يكسرنا يقوينا

أصبحت الشكوى في معظم الأسر استهلالا متكررا ومناسبا لبداية المحادثات وتجاذب أطراف الحديث، وكلما كانت بيئة الطفل مليئة بالتشاؤم والإحباط، فإنها تؤثر على قدراته العقلية ومزاجه العام، فضلا عن كونها تأتي بنتائج سلبية على شخصيته وتكون سببا في إخفاقه في حياته.

يمتلك جميع الآباء رصيدا مهما من التجارب الحياتية، التي حتى وإن كانت فاشلة، فإنها يمكن أن تكون ملهمة ومحفزة للأطفال وتكسبهم مهارات وقدرات تساعدهم على التعامل بشكل أفضل مع التحديات والمواقف الصعبة عند الكبر.

ويمثل رد فعل الآباء تجاه ما يعيشونه من تجارب وما يتعرضون له من مواقف يومية وطريقة تفاعلهم معها، بمثابة التمرين الأول الذي يُكوّن نظرة الأطفال عن الحياة وطرق التعاطي مع محيطهم، خصوصا في المراحل الأولى من أعمارهم ، التي يتسمون فيها بأنهم شديدو الحساسية والتأثر بمن حولهم.

رسائل الآباء

وتشير الكثير من الأبحاث إلى أن العوامل المرتبطة بالبيئة الأسرية أكثر أهمية من الجوانب المتعلقة بالجينات، فهي التي تحدد بشكل كبير السلوك العاطفي للطفل ومهاراته
الاجتماعية.

ويتنامى الاعتقاد بين علماء النفس بأن الأطفال يمكنهم أن يصبحوا ناجحين أو فاشلين في الحياة اعتمادا على ما يتلقونه من أفكار وتجارب في البيئة الأسرية، وبناء على الإشارات والرسائل التي يمررها الآباء إليهم، إما عبر أقوالهم وإما من خلال أفعالهم، بما أنهم يمثلون أكبر مصدر إلهام لهم، وما يتعلمونه منهم في كيفية إدارة الأزمات في سن مبكرة يصبح خبرات توجههم للتعامل مع التحديات والانتكاسات في حياتهم.

ومن الطبيعي أن يعبّر الآباء عن تذمرهم وشكواهم عند تقييم تجاربهم والانتكاسات التي مروا بها في حياتهم، وهذا أمر شائع بين كل الناس وفي جميع الأسر والمجتمعات، كما أنه ليس مرتبطا بجيل معين أو بمجموعة محدودة من الأشخاص، ودافعه أحيانا التنفيس عن عدم الرضا والرغبة في تحقيق الأفضل، ومن وجهة نظر بعض علماء النفس يمكن أنْ تعمل الشكوى كأداة لكسر الألم والإحباط المتراكم في النفس.

استعداد فطري

الطفل أصبح أكثر عرضة للقلق والاكتئاب بواقع عشر مرات أكثر مما كان عليه في العقود الماضية
الطفل أصبح أكثر عرضة للقلق والاكتئاب بواقع عشر مرات أكثر مما كان عليه في العقود الماضية

إلا أن الشكوى لدى البعض قد تصبح أحيانا مزمنة ومرضية ودائمة، وتؤثر على القدرة العقلية والمزاج العام والصحة الجسدية، فضلا كونها تمتص الفرح والسعادة من الحياة الأسرية، وقد تأتي بنتائج سلبية على شخصيات الأطفال، فيجسدون نفس العادات والسلوكيات، وكما يقول بعض علماء النفس فإن “السلبية لا تولّد إلا السلبية”، فالشكوى المتكررة والكثيرة قد تجعل الطفل يعيش في دوامة من الضغوط، كما تساهم في تشكيل دماغه بطريقة تجعله يركّز دائما على الجوانب السلبية في الحياة.

الأطفال لديهم استعداد فطري للتأثر بالتجارب التي يعيشونها والعواطف التي يستقونها ويطورونها انطلاقا من محيطهم الأسري والمدرسي والاجتماعي منذ مراحل مبكرة.

وأكدت العديد من الأبحاث العلمية على أن الأطفال مثل الإسفنجة يمتصون الطاقة من المحيطين بهم، فإذا كان آباؤهم سلبيون وكثيرو التذمر والشكوى في حياتهم، فإنهم سيلتقطون هذه السلبية، وبمرور الوقت سيصبحون هم أنفسهم مبرمجين بشكل سلبي.

وكشفت الدراسات الحديثة أن الطفل يكتسب مشاعر التذمّر والقلق الزائدين من كلا الوالدين أو أحدهما، وكلما كانت مشاعر الآباء سلبية وكانت أفكارهم تتسم بالتشاؤم والإحباط وتقمصوا دور الضحية في الشكوى من الأوضاع والظروف والمشكلات، فإن أطفالهم سيميلون لالتقاط عدوى الطاقة السلبية.

وأكد خبراء علم الطاقة الحيوية أن الآباء السلبيين يمكن أن “يسرقوا” الطاقة الإيجابية من أفراد أسرهم ويستبدلونها بالطاقة السلبية، مشرين إلى أن كل شخص يحمل في داخله طاقة قد تكون إيجابيّة، وقد تكون سلبية، وقد يمزج بين الطاقتين بحسب الموقف.

وذكرت خبيرة التنمية الذاتية البريطانية جنيفر ويزيلينكو أن الأشخاص السلبيين الذين يطلق عليهم في علم النفس بـ”مصاصي الطاقة” يستنزفون طاقة غيرهم.

 وأوضحت ويزيلينكو قائلة “من منّا لم يصادف أشخاصا من ذوي الطاقة السلبية، شكواهم تسبقهم إلى أيّ مكان، إنهم دائمو العبوس، وبمجرد أن تبدأ معهم حديثك وأنت في حالة جيدة، تشعر بأنك قد تبدلت إلى الأسوأ، حتى قبل الانتهاء من الكلام معهم، إذ يبدون كأنهم يسحبون الطاقة الإيجابية من أيّ مكان يتواجدون فيه”.

وأضافت “في المقابل، هناك آخرون لديهم قدرة على العطاء الإيجابي، هؤلاء هم أصحاب الطاقة الإيجابية الذين يبثون إليك روحا معنوية جيدة. فهم يدركون جيدا أنهم خلقوا لدور ما، واختاروا أن يكونوا مانحين وليسوا مستقبلين!”.

يمكن لتجارب الآباء سواء أكانت فاشلة أم ناجحة أن تكون دليلا لنجاح الأبناء وحلقة وصل بين أطفالهم والعالم الخارجي وما يحيط به من تحديات، ومن الطريقة الإيجابية للآباء مع المشاكل اليومية وتحديات الحياة يكتسب الأطفال تدريجيا القدرة على التحكم العقلاني في تصرفاتهم والتفكير المنطقي، ويبدأ وعيهم في التشكيل تدريجيا، وبناء على ما قدمه لهم آباؤهم من عبر ودروس، تتاح لهم الفرصة لفهم طبيعة الحياة، إضافة إلى نموّ إدراكهم الحسي والعاطفي وتطور قدرتهم على التمييز بين المشاعر السلبية والإيجابية.

حلقة الوصل

يمثل رد فعل الآباء تجاه ما يعيشونه من تجارب وما يتعرضون له من مواقف يومية وطريقة تفاعلهم معها، بمثابة التمرين الأول الذي يُكوّن نظرة الأطفال عن الحياة

ويستطيع الأطفال استيقاء الكثير من الدّروس الإيجابية من خلال عملية الاحتكاك اليومية بآبائهم التي تساعدهم على تحقيق التوافق النفسي والمرونة والصمود في مواجهة الصعوبات، وقد تتأثر الكثير من الخيارات التي يتخذها الأبناء بناء على تجارب آبائهم.

ووفقا للأبحاث التي أجريت في هذا المجال فإن التجارب التي يخزنها الطفل في ذهنه، والتي يستقيها من والديه وأشقائه في مرحلة الطفولة المبكرة تولّد لديه القدرة على تنظيم عواطفه، وتساعده على تنمية حس المثابرة والمرونة والإصرار، وتعلمه مهارة حل المشكلات.

ومن بين السبل التي يحث عليها علماء النفس هي إبداء الآباء للفخر بالنجاحات التي يحققونها في الحياة أمام أبنائهم وعدم التذمر من الإخفاقات التي يواجهونها.

ويرى مؤسس الاتجاه الإيجابي في علم النفس الايجابي مارتن سليغمان في كتابه “الطفل المتفائل” أن التفكير الايجابي يمثل نوعا من الحصانة النفسية ضد مشاكل الحياة، وعلى العكس من ذلك فإن التشاؤم لا يمثل أسلوبا سلبيا للتفكير فحسب، وإنما أحد أكثر التهديدات جسامة لصحة الأطفال في العصر الحالي. مشددا على أن الأبحاث قد أثبتت أن طفل اليوم أصبح أكثر عرضة للاكتئاب بواقع عشر مرات أكثر ما كان عليه الحال في الماضي.

وشدد سليغمان على ضرورة إبداء التقدير للمتع الصغيرة في الحياة أثناء عملية البحث عن المتع الكبيرة، ومحاولة التمتع بفرص السعادة الموجودة حول الناس لكنّ الكثيرين لا ينتبهون إليها.

21