كيف تلتقي الفلسفة بالعلم والفن في عالم لا يتوقف عن إنكارها

عمان - تتواصل فعاليات مؤتمر جامعة فيلادلفيا بعنوان “الفلسفة في الأدب والفنون والعلوم الإنسانية” الذي تعقده سنويا كلية الآداب في الجامعة عن بعد عبر تقنية “مايكروسوفت تيمز”.
ويختتم المؤتمر فعالياته الخميس 20 مايو الجاري حيث يستمر ثلاثة أيام بمشاركة 33 باحثا من جامعات ومؤسسات أكاديمية أردنية وعربية من مصر والمغرب والجزائر والعراق والسعودية وعُمان وليبيا وفلسطين وتونس.
وجاءت المشاركات في موضوعات مختلفة لتغطي محاور المؤتمر التي شملت المدخل المفاهيمي، وفلسفة اللغة ولغة الفلسفة وقضية الفلسفة ومناهج النقد إضافة إلى التعبير الفلسفي من خلال الأعمال الأدبية وفلسفة الجمال، كما يناقش الفلسفة في الفنون، والفلسفة في علاقتها بعلم النفس ونظريات الإرشاد النفسي، علاوة على دور النظريات الفلسفية وأثرها في قراءة التاريخ، وعلاقة هذه النظريات بعلم الاجتماع.
وأكد رئيس الجامعة الدكتور معتز الشيخ سالم أن الجامعة حريصة على عقد المؤتمر سنويا لتعميق دور الجامعة الأكاديمي ورسالتها في تعزيز البحث المشترك وتبادل المعارف بين الجامعات العربية.
وأشار رئيس اللجنة المنظمة الدكتور محمد عبيدالله، إلى أن هذا المؤتمر كان من المفترض عقده العام الماضي، لكنه تأجل بسبب وباء كورونا، مبيّنا أن اللجنة المنظمة ارتأت أن تعقده عن بُعد حتى لا يتأخر كثيرا لأن الجامعة ترغب في أن يكون مستمرا دون انقطاع.
وبين أن موضوع هذا المؤتمر يأتي في الوقت الذي تظهر فيه القضايا الفلسفية في العالم بوصفها تعميقا للمفاهيم الحديثة التي بدأت تظهر في العلوم، وأحيانا تأخذ شكلا سطحيا، ما قد يكون له تداعيات سلبية على فهم العلوم والتعامل معها والإفادة من تطبيقاتها بما يضمن أن تكون في خدمة الإنسان والإنسانية.

الجامعة تحاول عبر المؤتمر أن تستعيد العلاقة الوطيدة بين الفلسفة والإنسان وأن ترسخ دور الفلسفة في العلم والفن
وكانت الفلسفة عبر القرون وتاريخ الأمم مرادفة للعلم والحكمة، ولكن الأمور تغيّرت في العصر الحديث، عصر العلوم الطبيعية والتكنولوجيا، ولم يعد للفلسفة اليوم فضاء فلسفي كما كان سابقا، حين كانت الفيزياء أو علم الأحياء أو حتى علم النفس والاجتماع جزءا من التأمل الفلسفي. وبات من المهم التساؤل عن مصير الفلسفة وهل ما زالت سبيل الحكمة والمعرفة؟ أم تصّدعت حدودها القديمة واتجهت إلى صور جديدة من السؤال المعرفي، ومن التداخل مع غيرها من الحقول؟
وفي ظل واقعنا الجديد، فإن الصلاحيات التي اكتسبتها العلوم الطبيعية انتهى بها الأمر إلى ممارسة الضغط على الفلسفة بشكل ملموس؛ لأنها حدّت من مساحات فعلها، وكان على الفلسفة أن تقتحم مجالات جديدة للحفاظ على وجودها.
المواضيع التي تدرسها الفلسفة لها علاقة وطيدة بالإنسان، غير أن ما وقع هو ظهور علوم تسمى العلوم الإنسانية، حاولت دراسة الظواهر الإنسانية بمناهج العلوم التجريبية التي تدرس الظواهر الطبيعية، غير أن اختلاف موضوع العلوم الطبيعية عن موضوع العلوم الإنسانية طرح إشكالات في مجال العلوم الإنسانية، من حيث الموضوع والمنهج.
وتأثر الأدب بالرؤى الفلسفية على مرّ العصور كما استعمل الفلاسفة بعض الأجناس الأدبية للتعبير عن نظرياتهم الفلسفية، وقد تمثل ذلك في محاورات سقراط مع تلاميذه، وفي غيره من الأعمال الفلسفية التي اتخذت من الأجناس الأدبية حقلها المعرفي.
وقدم الكثير من المفكرين الفلاسفة مفاهيمهم الفلسفية في أسلوب ممزوج بين أسلوب السرد واللغة الشاعرية خاصة في فلسفة ما بعد الحداثة التي اعتنت بالأدب بصورة خاصة، ذلك أنها فلسفة قامت على الانتفاض على الكثير من المعايير العقلانية الصارمة التي يوليها المنهج الفلسفي اهتماما خاصا.
كما أننا لا يمكن أن ننكر حضور الفلسفة في الخطاب النقدي القديم والحديث، والمكانة التي تشغلها الفلسفة في ميادين فلسفة اللغة، والأسس الفلسفية التي نهضت عليها المناهج النقدية، منذ أرسطو حتى العصر الحديث على أساس نظرة تؤمن بأن النقد، كما العلم، عمل إنساني وجهد تراكمي لا يمكن ردّه إلى فكرة الذوق وحده، وإنما هو معرفة علمية لها فلسفتها الشاملة.
ويبقى السؤال عن دور الفلسفة في الفن سؤالا راهنا في الوقت الذي نجد فيه أن الفن يعتمد أساسا على الخيال والحدس أما الفلسفة فتعتمد على الفكر، فكيف يلتقيان في منتصف الطريق؟ وهناك من يرى أن الفن يشترك مع الفلسفة في هدف أسمى هو التعبير عن أرفع ما أنتجته الشعوب من أفكار وأسمى ما تتوق إليه من مطالب وكثيرا ما شكل الفن الوسيلة المهمّة لفهم الإنسان.
ونستخلص مما سبق ذكره أهمية طرح النقاش حول الفلسفة في علاقاتها المتشابكة بالأدب والفنون والعلوم الإنسانية، هذه العلاقات التي بدأت اليوم تأخذ مناحي أكثر تعقيدا قد تهدد الفلسفة في وجودها الخاص، وقد تذهب بها إلى مجالات أخرى بأشكال جديدة تواكب العصر الذي لا يعترف بصرامة الحدود الأجناسية.