كيس القمامة الأنيق

عم قاسم الستيني المتقاعد يحب الأناقة بطبعه والتفاخر بحمل شيء مميز أمام سكان الحي، حتى وإن كان يحتوي على قمامة.
الثلاثاء 2023/10/17
عم قاسم وكيس القمامة

هذا الصباح، نفدت رزمة أكياس القمامة السوداء فأصيب العم قاسم، الستيني المتقاعد، بنوبة من الغضب وراح يعاتب ويقرّع زوجته على إسرافها وإهمالها وسوء تدبيرها، لكنها سرعان ما جاءت له بكيس كبير وأنيق كان مخصصا لقفطان عرسها منذ أربعين عاما.

تردد في البداية، وصعبت عليه التضحية بهذا الكيس الفضي الجميل وما يمثله من ذكرى، لكنه اضطر إلى قبول الأمر، خاصة وأن الكيس ذو وجاهة خاصة، وعم قاسم يحب الأناقة بطبعه والتفاخر بحمل شيء مميز أمام سكان الحي، حتى وإن كان يحتوي على قمامة.

غادر البيت وهو يحمل “كيس القمامة الجديد والأنيق”، نفش صدره قليلا واستقام في مشيته مرفوع الرأس متباطئا في خطاه نحو الحاوية على غير عادته.

أكثر من التسليم على الجيران وافتعال الأحاديث كي يستعرض الكيس أمامهم، فلربما يثني بعضهم على أناقته أو يقول له أحدهم: مبروك ما اشتريت يا عم قاسم، إن شاء الله تهري وتقطّع بالصحة والعافية.

طال الطريق إلى حاوية القمامة أكثر من العادة، وها هي شاحنة البلدية تسبقه إليها لتفرغ محتوياتها.. “لا يهم.. فلتمضي في حال سبيلها.. أليس حراما أن يرمي الواحد بهذا الكيس الفخم الجميل في قلب الحاوية”، همس إلى نفسه.

ومضى العم قاسم يتبختر مزهوا بكيسه وقد مر من أمام صديقيه بالمقهى مشيرا إليهما أنه سيعود بعد قليل وقد بدآ يخمّنان عما يحمله في هذا الكيس الفخم، لعلها هدية جاءته من أحد أقاربه في أوروبا.

وما هي إلا لحظات حتى باغتته دراجة “فيسبا” من الخلف، نتر سائقها الكيس من يده بخفة هائلة، دعس على مكبح البنزين وزاد من سرعته وهو يشق جموع المارة والسيارات بعكس السير، حتى اختفى عن الأنظار بلمح البصر.

تعالت أصوات الناس “امسكوا حرامي.. نشال”، حاول بعضهم، ودون فائدة، أن يركض خلف “الفيسبا” التي ضاعف صاحبها من سرعته وهو يلتفت خلفه تحسبا للمطاردين.

تجمد العم قاسم واقفا في مكانه ويحيط به بعض الناس متسائلين إن كان يحفظ رقم الدراجة أو لونها أو ملامح صاحبها.

واساه بعضهم قائلين “العوض بسلامتك” وسأله آخرون عن محتويات الكيس وإن كان فيه مصوغ أو نقود كما يبدو من هيئته المحترمة، لكن العم قاسم التزم الصمت، ولم يعلّق على الحادثة إطلاقا، إلى أن طرقت الشرطة باب بيته صبيحة اليوم التالي، وناولته الكيس دون أن يُنتقص منه شيء.

قال له الشرطي: عرفنا عنوانك من الفاتورة التي في ظهر الكيس بعد أن اصطدم الحرامي سائق “الفيسبا” بشاحنة، وتم إسعافه بعد الحجز على المسروق.. تفقد كيسك يا عم، أما عن الحرامي فسيقدم للمحاكمة بعد أن يخرج من المستشفى لأن حالته لا تزال حرجة.

18