"كونتاك" مسلسل سوري يستوحي نجاحات "مرايا" و"بقعة ضوء"

عبر سنوات من عمر الدراما السورية، حققت الكوميديا حضورا راسخا فيها، بل إن البعض من الباحثين في الشأن الدرامي والفني السوري يرون أن الدراما التلفزيونية السورية قد ولدت من خلال فن الكوميديا، فعلى مدار سنوات قدمت العديد من التجارب التي توجهت للجمهور العريض وحققت نجاحات كبيرة، لعل من أهمها مسلسلات مثل “ملح وسكر” و”مقالب غوار” و”صح النوم” التي قدمت في ستينات وسبعينات القرن الماضي.
دمشق – عرفت المسلسلات الكوميدية السورية ذروة نجاحها في ستينات وسبعينات القرن الماضي، حين اجتمع نجما الكوميديا السورية الأكثر شهرة دريد لحام ونهاد قلعي في أكثر من عمل على غرار “صح النوم” و”ملح وسكر” و”مقالب غوار”، واللذان كرسا من خلال هذه المسلسلات حضورا هاما للهجة السورية على الشاشات العربية.
وفي مرحلة بداية الثمانينات ظهرت سلسلة “مرايا” التي كان فيها الفنان ياسر العظمة ممثلا رئيسيا، وتعاقب في الكتابة لها العديد من الكتاب إضافة إلى العظمة كما تعاقب في الإخراج العديد من المخرجين كمأمون البني وحاتم علي وسيف الدين سبيعي وفردوس أتاسي، وقد استمرت هذه السلسلة بالعمل على مدار ما يقارب العشرين عاما وظهرت في سبع عشرة سلسلة، وحققت شهرة عربية كبيرة، وظهر فيها العشرات من الممثلين السوريين.
كذلك ظهرت مسلسلات أخرى مثل “وادي المسك” من تأليف الكاتب السوري الراحل محمد الماغوط، ومسلسل “وين الغلط” للكاتب نفسه مع الفنان دريد لحام، وظهرت على التوازي العديد من المسلسلات التي حققت نجاحات متفاوتة، لكن الحدث الهام في فضاء الدراما السورية العربية عموما كان في وجود تجربة مسلسل “بقعة ضوء” الذي نفذ منه ثلاثة عشرة جزءا، انطلاقا من العام 2001 وصولا إلى العام 2017.
توقف مسلسل “مرايا” تماما منذ سنوات، ولحق به “بقعة ضوء” بعد الأحداث السورية وتشتت فريق العمل الخاص به، ورغم محاولات صناعه العودة به للواجهة، حيث كان وجبة فنية كوميدية هامة في الموسم الرمضاني، إلا أن المحاولات لم تخرجه من المأزق الذي هو فيه، فكانت الأجزاء الأخيرة أقل شأنا فنيا وتقبلا من الجمهور.
طاقات شابة
يبدو أن رانيا الجبان التي كانت مشرفة درامية على العمل في مسلسل “بقعة ضوء” منذ بدايته، قد أرادت في الموسم الرمضاني المرتقب أن تخطو بفن الدراما الكوميدية خطوة أخرى إلى الأمام، فأوجدت مسلسل “كونتاك” الذي يعتمد نفس الطابع النقدي التقليدي لسلسلتي “مرايا” و”بقعة ضوء”، ولكن بشكل مختلف وتقنية أخرى.
كانت الفكرة لدى الجبان أن تنطلق بالتجربة نحو الطاقات الشابة، والاعتماد على ما يمكن أن يقدمه هؤلاء لإنتاج العمل، فعبر ورشة كتابة قامت بها بالتشارك مع الكاتب شادي كيوان، وصلا إلى تكوين نص ألفه عدد من الشباب، أما الإخراج فهو لحسام الرنتيسي الذي عمل سابقا في فن المونتاج وقدم أعمالا إخراجية بالمشاركة في مسلسلات شهيرة أهمها “الأخوة”، وهو يقدم في هذا المسلسل عمله الأول في الإخراج التلفزيوني مخرجا منفردا.
تقول المشرفة العامة على العمل رانيا الجبان عن عملها الجديد والذي خططت له مع بعض زملائها في الشركة لـ”العرب”، “كان هدف الشركة المنتجة الخروج من حالة الحرب التي أحاطت بالمواطن السوري من كل الجهات، لأن الدراما السورية في المرحلة السابقة قدمت ما أوصلها لدرجة الإشباع.
فلم يعد المواطن يتحمل المزيد من الدراما المؤلمة التي ترصد تفاصيل الحياة القاسية التي يعانيها، نستطيع أن نخرج من الحرب مباشرة، لكننا لا نستطيع أن نخرج من آثار الحرب سريعا، فالأمر يتطلب المزيد من الوقت، فأي مسلسل سيخرج من سوريا حاليا لا بد أن يحمل ملامح الحرب، لأنها شيء محسوس في الحياة اليومية ولم نعد قادرين على تجاوزه بسهولة”.
نقد هادف
الجبان ترى أن الطاقات الشابة التي قدمت النص هي الجديرة بأن يكون لها عمل يخصها، ويظهر على الشاشة مجسدا لطموحاتها، وعن ذلك تقول “اعتمدنا على الطاقات الشابة لأن الموضوع يتطلب ذلك، فلا بد من الانطلاق نحو أسماء جديدة غير معروفة في أعمال سابقة، هذا الخيار ليس بديلا عن الأسماء القديمة التي تمتلك الخبرة والحنكة في تقديم الدراما السورية.
ولكني أحببت في هذه التجربة أن أقدم طاقات شابة على صعيد الكتابة، لأنها العمود الرئيسي في العمل الدرامي، والنص الدرامي السوري القوي غير متوفر بالشكل المطلوب حاليا، وذلك لعدة أسباب، فالكتاب الكبار القدامى لهم كينونة خاصة بهم، ولا بد من إيجاد حالة شابة تتمتع بالحيوية والسرعة اللتين نحتاج إليهما في الدراما المعاصرة”.
وعن موضوع العمل بصورة عامة ومنطلقه، تبين رانيا الجبان “كما في بقعة ضوء ينطلق كونتاك من فكرة النقد، بمعنى تناول موضوعات حياتية مختلفة بأسلوب نقدي هادف، يختلف العمل شكليا عن الأعمال السابقة، لكنه من حيث المضمون واحد، وهو تقديم حالة افتراضية لواقعنا اليومي والحياتي يقدم بأسلوب ناقد وهادئ”.
وعن رهاناتها في العمل وما يمكن أن تحصده فيه من نجاحات، تقول “رهاناتي لا أستطيع طرحها بوضوح، لا نستطيع في الكوميديا أن نتحسب نتائجها، عملت مع فريق العمل على تقديم كل الجهد اللازم لإنجاحه، ولكنني لا أستطيع المراهنة على ضمان نجاحه لأن الأمر صعب، وتجربتي مع مسلسل بقعة ضوء أكبر مثال
فكثيرا ما كنت أراهن على لوحة معينة وأنها ستحقق نجاحا كبيرا، فلا تحققه والعكس صحيح، حيث أحسب أن لوحة ما ستكون عادية وإذ بها تصنع دويا هائلا، في الكوميديا، الأمور صعبة التوقع، وهي تختلف بحسب البيئة والمتلقي والوقت وغير ذلك من ظروف دقيقة”.
وشارك في “كونتاك” مجموعة من نجوم الفن السوري منهم: أمل عرفة، محمد حداقي، فايز قزق، بشار إسماعيل، أدهم مرشد، جمال العلي، حسام تحسين بك، غادة بشور، آمال سعدالدين، شادي الصفدي، حسام الشاه، فادي الحموي، عاصم حواط وآخرون.