كوميديا غير كوميدية

ما الذي يدفع بالتلفزيون الرسمي إلى إنتاج أو اقتناء عمل موضوعه مكرر ومستهلك؟
الأربعاء 2025/03/26
تكرار غير مبرر

في التسعينات وبداية الألفية الثالثة، كنا خلال شهر رمضان ننتظر عرض السيتكوم والكاميرا الخفية بفارغ الصبر، لنأخذ جرعتنا اليومية من الضحك. ولليوم لا تزال تلك الأعمال حاضرة في ذاكرة الأجيال، ويحظى مخرجوها بتقدير واحترام. لكن دوام الحال من المحال.

هذا العام، تأتينا سلسلة هزلية تدعى “جيران الغفلة”، سلسلة غير هزلية وإنما هي “تونسة” لفورمات كررته التلفزيونات العالمية والعربية حتى حفظناه عن ظهر قلب. أما الكاميرا الخفية فغابت بلا رجعة.

السلسلة التي تبثها القناة الوطنية الأولى (حكومية)، تزامنا مع توقيت الإفطار خلال النصف الثاني من رمضان، يشارك فيها الممثلون جمال ساسي وشاكرة رماح وسماح سنكري ونجوى ميلاد وبلال سلاطنية وعزيز الشريف وأماني الرياحين وهي من تأليف وحوار ثامر ناجح ومن إخراج سامي فاعور.

تأتينا “جيران الغفلة” لتروي حكاية عائلتين منفصلتين تضطران للعيش في بيت واحد بعد أن تحيّل عليهما شخص وباعهما منزله كل جزء على حدة بطريقة قانونية. العائلة الأولى تتضمن أبا مطلقا (طيار متقاعد) جاء للعيش صحبة ابنه، والثانية امرأة مطلقة (مدربة يوغا) تعيش مع ابنتها. ترفض العائلتان مغادرة المنزل وكل واحدة تتمسك بحقها فيه، فتضطران للاتفاق على العيش سوية وفق قوانين داخلية. ألا تذكرك الحكاية بقصص مشابهة تم تناولها عالميا وعربيا؟

لن نسرد قائمة الأعمال جميعها التي تناولت هذه الثيمة، بل سنكتفي بذكر المسلسل المصري الكوميدي الشهير “الكبير أوي” الذي طرح الموضوع في حلقات منفصلة، وكذلك السلسلة الهزلية السعودية “طاش ما طاش”، وما لفت انتباهنا وانتباه الكثير من المشاهدين التونسيين هو أن سيتكوم “جيران الغفلة” يأتي سنوات قليلة فقط بعد سيتكوم مشابه عرضته إحدى القنوات التونسية الخاصة في رمضان 2021 وحمل عنوان “إن شاء الله مبروك.”

تكرار غير مبرر ولا منطقي لثيمة تعرض أمام جمهور من المشاهدين محدود وسوق درامية وفنية غير كبيرة، للمرة الثانية.

ما الذي يدفع بالتلفزيون الرسمي إلى إنتاج أو اقتناء عمل موضوعه مكرر ومستهلك؟ تساؤل قد يخطر على بال أي شخص متابع للإنتاجات الفنية، خاصة بعد أن يطلع على حجم التعليقات الساخرة والانتقادات الموجهة للسيتكوم.

جاء العمل مفتقدا لواحدة من أهم عناصره ألا وهي القدرة على الإضحاك. ورغم أن أداء الممثلين بدا متناغما ومتكاملا، ووجهت السلسلة انتقادات لسلوكيات وظواهر اجتماعية انتشرت بكثرة في تونس والمنطقة العربية، إلى جانب سخريته من عادات وتقاليد بائدة، وتوجيهه سهاما حادة نحو مشكلات التفكك الأسري والصراعات على تربية الأطفال بعد الطلاق والاحتيال واختلاف السلوكيات بين طبقات المجتمع وأفراده، إلا أن المعالجة الفنية لكل هذه المواضيع افتقرت لعنصر الإبهار والإضحاك، وجاء النص سطحيا، بلغة غير كوميدية.

“فيه حاجة ناقصة”، هذا ما علق به أحد المشاهدين، فحين تشاهد السيتكوم ستجده جمعا من الممثلين المحترفين وآخرين من الشباب، نوّع في مواضيع حلقاته، اعتمد صورة ولقطات مبهرة، والتزم بإطار مكاني واحد هو المنزل، لكنه رغم ذلك جاء غير متكامل وعاجزا عن الإضحاك، وهو ما برره بعض الممثلين بأنهم اعتمدوا على كوميديا الموقف، لكن حتى المواقف لم تنجح في إضحاك الجمهور.

قد لا تولي الجهات الرسمية أو المنتجة عموما اهتماما كبيرا بالسلاسل الهزلية/ السيتكومات كذلك الذي تمنحه للمسلسلات الدرامية أو حتى الكوميدية، فتقع في فخ كبير حيث تنسى أن السيتكوم هو المنتج الفني الأساسي الذي يعرض للمشاهد خلال الدقائق الأولى من إفطاره فيحتل بذلك “توقيت الذروة/ البرايم تايم”، وعليها بالتالي أن تعرض عملا فنيا يقتلع ابتسامة المشاهد ويسرقها منه بخفة ويشده لمتابعة بقية الحلقات، ولا تضطره لتغيير القناة والبحث عن غيرها، لكن يبدو أن الغفلة والاستهسال استبدا بصناع السيتكومات التونسية حتى أصبحوا يتحفوننا عاما تلو الآخر بأعمال لا تمت للهزل والكوميديا بصلة.

18