"كوكو لبنات" فيلم تلفزيوني يتناول تأثيرات السوشيال ميديا على العلاقات الاجتماعية

أي تأثيرات سلبية قد يلحقها بنا السعي وراء الشهرة ومحاولات جذب المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي؟ تلك هي الفكرة التي يناقشها فيلم “كوكو لبنات” الذي يسلط الضوء على علاقة زوجين دمرها تنافسهما وسعيهما المحموم من أجل تحقيق الترند والترفيع من عدد المشاهدين والمعجبين.
الرباط - في عالمنا الحديث، لم تعد مواقع التواصل الاجتماعي مجرد وسيلة للتواصل والترفيه، بل أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياة الأفراد، وقد أثرت بشكل كبير على العلاقات الإنسانية، إذ تُعتبر مواقع التواصل الاجتماعي مزيجًا من الفرص والتحديات، حيث يمكن للأفراد التواصل مع الأصدقاء والعائلة بسهولة، ولكن في الوقت نفسه قد تؤثر سلبًا على الحياة الشخصية والعلاقات الاجتماعية.
من خلال حكاية علي وحياة، في فيلم “كوكو لبنات” نرى كيف تحولت حياتهما من السعادة إلى الجحيم بسبب الاستخدام المفرط لمنصات التواصل الاجتماعي، مما يسلط الضوء على الحاجة الملحة إلى فهم تأثيرات مواقع التواصل الاجتماعي على حياة الأفراد والعلاقات الاجتماعية.
فيلم “كوكو لبنات” يروي قصة حب تنشأ بين شاب وشابة خلال فترة دراستهما الجامعية، حيث تتوج هذه العلاقة بالزواج، بينما يتابع الزوجان مسارهما المهني، ولكن تتغير حياتهما بشكل كبير بسبب الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي والغوص العميق في عالم الترند و”البوز”، حيث تلجأ الزوجة حياة إلى عالم يوتيوب بهدف تحقيق التسلية ومواجهة الشعور بالفراغ، برغم معارضة زوجها علي في البداية، ومع مرور الوقت تصبح قناتها مشهورة وتتصدر قوائم الترند.
سرعان ما يجد الزوجان أنفسهما محاصرين في دوامة من عالم المظاهر الفاخرة وسباق الشهرة والثروة، مما يفقدهما حلاوة الواقع والحياة البسيطة. وفي محاولة لزيادة عدد المشاهدين والمتابعين لقناتها، تسخر حياة جهدها لتجذب المزيد من الانتباه، وهو الأمر الذي يزيد من التوتر بينها وبين زوجها ويؤدي إلى تدهور العلاقة الزوجية وفقدانها للقيم الأساسية.
الفيلم من سيناريو وإخراج صفاء بركة، وبطولة كل من ابتسام العروسي، وحمزة الطاهري، وفضيلة بنموسى وآخرين.
هذه الظاهرة التي يتناولها فيلم “كوكو لبنات” تعد إحدى الظواهر الاجتماعية المهمة في المجتمع المغربي، حيث يسلط الضوء على حياة بعض المؤثرين الذين استطاعوا جعل مواقع التواصل الاجتماعي مصدرا للربح المادي لهم، إذ يستغل هؤلاء المؤثرون خلافاتهم العائلية وحياتهم الشخصية بهدف زيادة نسب المشاهدة وزيادة الأرباح.
تتركز الأحداث في البداية حول حياة التي تؤدي دورها الممثلة ابتسام العروسي، التي تعيش قصة حب مع علي الذي أدى دوره الممثل حمزة الطاهري، إذ تعيش حياة في عالمها الافتراضي، حيث نراها في كل لقطة ومشهد تعمل فيديو سيلفي وتلقي التحية على الأصدقاء الافتراضيين بعبارة “كوكو لبنات”، وهي عبارة ظهرت في عصر السوشيال ميديا وتعني “أهلا بنات هل من أحد هنا”.
حياة مهووسة بعالمها الافتراضي إلى درجة أنها تقوم بمشاركة أي حدث في حياتها على حساباتها الشخصية، وقد بدأ هذا الهوس منذ المشهد الأول الذي تخرجت فيه من الجامعة هي وزوجها علي، إذ شاركت نجاحها بفيديو حصري عبر جميع وسائل التواصل.
وكما هو متوقع في فيلم “كوكو لبنات”، يركز السيناريو على موضوع عالم السوشيال ميديا الذي يعتبر خطوة جديدة ومثيرة بالنسبة لشخصية حياة، حيث وجدت في مشاركة محتوى على اليوتيوب مجرد وسيلة لمحاربة الشعور بالفراغ وإحساس الوحدة التي كانت تعيشها نتيجة انشغال زوجها بالحياة الواقعية، لكنها واجهت تحديات كثيرة، خاصة مع معارضة زوجها للفكرة في البداية، حيث كان علي يعتبر الظهور على الإنترنت ومشاركة حياتهما الخاصة أمرا غير مقبول، ولكن مع مرور الوقت ونجاح قناتهما التي حققت الترند في كل حدث تنشره انقلبت القاعدة.
بدأت تتغير وجهة نظر علي حيث تحولت القناة التي بدأت كوسيلة للتسلية إلى مشروع يهدف إلى جلب الأموال، وهذا أدى إلى تغيير ديناميكية العائلة بشكل كبير، إذ بدأ الزوجان يجدان نفسيهما يعيشان في عالم مواز، حيث يجتذبهما عالم السوشيال ميديا ويبتعدان عن الواقع الذي كانا يعيشانه معا، مما أدى إلى تزايد الضغوطات والتوترات في العلاقة، حيث بدأ الصراع بين الرغبة في النجاح والاستمرار في هذا المشروع، وبين الحاجة إلى الاهتمام بالعلاقة الزوجية والحياة الأسرية.
وعبرت المخرجة عن هذا في علاقة علي بأمه التي لعبت دورها الممثلة فضيلة بنموسى، فنظرا لتركيزه المبالغ فيه على الشهرة الافتراضية والانغماس في عالم الإنترنت، ظلم علي أمه وأساء إليها مما تسبب لها في أزمة قلبية، وشعورها بالحزن والاضطراب لأنها لم تشعر بالاهتمام الذي تستحقه من ابنها، كما أدى انشغاله بوسائل التواصل الاجتماعي إلى إهماله روابطه مع أخوته وعلاقاته الأسرية الأخرى، مما سبب تباعدا بين أفراد العائلة.
بهذه الطريقة، يُظهر السيناريو كيف يمكن لعالم السوشيال ميديا وإدمان الحياة الافتراضية أن يؤثرا بشكل كبير على حياة الأفراد الواقعية وعلى ديناميكية علاقاتهم الاجتماعية والأسرية، وكيف يمكن أن تتحول رغبة الفرد في النجاح إلى فخ يعكر علاقات الحب المتبادل.
وتركز المشاهد على الاندماج الشديد للزوجين في ثقافة الشهرة الرقمية، حيث يتم تصوير حياتهما اليومية ومشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي. يفقدان بذلك أي خصوصية ويصبحان عرضة للتقييم العام والانتقادات، كما تبرز معظم اللقطات التي تندرج بين العامة والقريبة والقريبة جدا، فكرة كيف يمكن للرغبة في جذب المشاهدين وزيادة عدد المشاهدات أن تؤدي إلى التضحية بالكثير من القيم والمبادئ وفي مقدمتها الصدق، حيث يضطر الزوجان إلى تمثيل الأحداث بغاية جذب اهتمام أكبر عدد من المتابعين، مما يفقد الزوجين الاتصال بالواقع ويجعلهما يتقمصان شخصيات لا تعكس واقعهما الحقيقي.
يتسارع إيقاع الأحداث خاصة في المشهد الذي تصبح فيه حياة حاملا، إذ يعتبر نقطة تحول في القصة. يجبر الزوجان على إعادة تقييم أولوياتهما وتوجهاتهما، وخاصة حياة إذ يظهر الحمل تحديا جديدا لها يكشف حقيقة العالم الافتراضي القبيحة والتغييرات الجذرية التي تحدث في حياتهما وطريقة تفكيرهما، مما يؤدي إلى تحول كبير في طريقة إدارتهما للشهرة الافتراضية وعلاقتهما الأسرية.
حكاية "كوكو لبنات" تركز على إعادة صياغة الواقع الحالي الذي نعيشه في عصر الترند والتركيز الزائد على الشهرة الافتراضية
يبين هذا المشهد كيف يقوم علي بفعل شيطاني يتضمن إعطاء زوجته حياة دواء دون علمها، يؤدي إلى فقدانهما للجنين واستئصال رحمها، من أجل أن يصورها ويزيد من نسبة المشاهدة. هذا الفعل يعد خيانة ثقة كبيرة وسوء معاملة جسيمة من الزوج نحو زوجته.
في المقابل، تغيرت شخصية حياة عند الحمل، حيث رفضت التمثيل في البداية وعبرت عن رغبتها في الحفاظ على الصدق والنزاهة في علاقتها بزوجها. لكن، بمجرد أن علمت بالخطة الخبيثة التي قام بها وكيف خاطر بحياتها وحياة ابنه، تعرضت لصدمة بسبب الهوس والطمع والشجع الذي وصل إليه زوجها، والذي كان في البداية لا يبالي بعالم السوشيال ميديا والشهرة لكن تبين أنه السبب وراء فقدان زوجته الجنين من أجل الشهرة والمتابعين والأموال. هذا خلق تباينا في التفاعلات بينهما، إذ تناولت اللقطات الخيانة الكامنة والغضب العميق داخل العلاقة.
ولكن حياة لم تكتف بكل ذلك، بل طلبت الطلاق كنتيجة للخيانة والضرر الجسيم الذي تعرضت له، في مشهد يظهر تصاعد التوتر والصراع بين الزوجين بسبب الأحداث المؤلمة التي مرا بها بسبب عالم افتراضي معقد.
يبدو أن حكاية “كوكو لبنات” تركز على إعادة صياغة الواقع الحالي الذي نعيشه في عصر الترند والتركيز الزائد على الشهرة الافتراضية، وميوعة النفس البشرية نتيجة لهذا الانشغال الزائد، إذ يتضح أن الفيلم يتميز بالبساطة من الناحية الإخراجية، ولكنه يحمل عمقا في المضمون ورسالة هادفة بالغة الأهمية.
من خلال أداء الممثلين الجيدين مثل ابستام العروسي وحمزة الطاهري، تمكن الفيلم من نقل الأفكار بشكل قوي، بالإضافة إلى ذلك، ساهم الأداء الرزين للممثلة القديرة فضيلة بنموسى في إضفاء المزيد من العمق على العمل الفني.