كوفيد – 19 يختفي عند الساعة 12

ما الذي يجعل الواحد فريسة لموجة القلق والتجهم التي تداهم أناسا كثيرين في مثل هذه الأيام من كل عام؟ وهو ما بات يُعرف بـ”اكتئاب ديسمبر”، لكنّ جل ما نخشاه أن تكون بداية هذا الاكتئاب في شهر يناير من كل عام.
عوامل كثيرة يتداخل فيها الذاتي بالموضوعي، تجعل مثل هذه الأيام موسما للشعور بالإحباط وخيبة المسعى، فتبدو المظاهر الاحتفالية وكأنها إعلان عن “مهرجان للحزن والكآبة”، يطول ويقصر، بحسب طبيعة كل شخص، ومدى حساسيته، وقدرته على “الصمود والتصدي” في وجه نائبات الدهر وصروفه.
أهم أسباب هذا الاكتئاب الذي يزورنا مع موجات البرد ويحل في الليالي المظلمة الموحشة، هو آلية المحاسبة والتقييم التي تترافق مع انقضاء سنة إدارية وحلول أخرى، نحصي بينهما الخسائر ونغفل عن الأرباح إن وجدت، نفتقد الأحبة الراحلين، وقد لا ننتبه إلى المولودين والقادمين الجدد، ذلك أن الخوف والتوجس من الذي سوف يأتي، يجعلاننا نتمسك بقاعدة “لا جديد يحدث.. إذن هذا أمر جيّد”.
ليس الأمر إمعانا في التشاؤم، أو ركونا إلى فلسفات تلفيقية كأولئك الذين يخلطون الزيت بالماء في ما يعرف بـ”التشاؤل”، وإنما هو واقع تؤكده الأحداث والوقائع، فالعالم في تدهور متسارع. الأيام التي نبكي منها صرنا الآن نبكي عليها، والقادم أشدّ قتامة.. ويبدو أنه ليس للسقوط قاع في عالم فقد العقل والقلب والضمير، وسحق كل من هو خارج منطق الربح والخسارة.
سنة 2020 ليست إلكترونا منفصلا عن هذه المنظومة الكونية كما يفهم ويحلل غالبية الناس، فتراهم في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، يشبعونها شتما وازدراء، وكأن 2020 الرقم هو سبب جميع الأوبئة والكوارث التي حلت بالبشرية، فخبأ هذا الرقم في رمزيته، وتقويمه الميلادي، وطريقة رسمه العربية أو الهندية، كل ما حصل من أحداث.. وسوف تتحسن الأحوال لمجرد أن يحل الـ”1″ محل الـ”0″.
ليست سنة 2020 سوى حلقة في سلسلة زمنية لا أطراف لها، وأشبه بنهر خالد، إذ تُذكّر بقول أبي العلاء المعري “عللاني فإن بيض الزمان فنيت والزمان ليس بفان”.
يحسب المصابون بالتفاؤل المزمن أن فايروس كوفيد – 19 سيختفي لمجرد أن تدق الساعة 12 ليلا يوم الواحد والثلاثين من ديسمبر 2020، وذلك في مقاربة بلهاء مع قصة سندريلا التي ينقضي مفعول السحر لديها عند حلول منتصف الليل.
أما العالم العربي فقد شبع نوما والشمس في كبد السماء.. إنه أشبه بشخصية يمليخا ورفاقه في مسرحية “أهل الكهف” لتوفيق الحكيم، إذ استفاق هؤلاء الفتية مع كلبهم من سبات دام مئات السنين، وقصدوا أسواق المدينة يشترون طعاما وقد تبدّلت العملة والعقيدة وكل شيء.