كورونا يوقظ الخلايا الإرهابية النائمة في مصر

القاهرة- أعلنت وزارة الداخلية المصرية أنّ ضابطا في الأمن الوطني برتبة مقدّم وسبعة إرهابيين قتلوا في تبادل لإطلاق النار دار في القاهرة الثلاثاء وأسفر أيضا عن إصابة ضابط آخر وعنصرين من الشرطة بجروح.
وكانت خلية إرهابية حاولت على ما يبدو استغلال أجواء الهدوء الذي يخيم على الشارع المصري بسبب الإجراءات الاحترازية التي فرضها التعامل مع وباء كورونا، لاستهداف دور عبادة مسيحية بالتزامن مع أعياد الأقباط.
واتخذ أعضاء الخلية من حي الأميرية في شمال شرق القاهرة مقرا لهم، لكنهم فوجئوا مساء الثلاثاء بتعامل أجهزة الأمن مبكرا معهم وتصفيتهم.
وعثرت قوات الأمن على أحد مخازن الأسلحة والمتفجّرات التي كان عناصر الخليّة يعتزمون استخدامها في تنفيذ مخطّطهم، وتم ضبط عدد من البنادق الآلية وكمية من الذخيرة.
يعد التواجد في مناطق شعبية، مثل الأميرية، بيئة رخوة مناسبة لاختباء العناصر الإرهابية وبديلا جيدا لمن نجحوا في الفرار من الحصار الذي فرضته قوات الجيش والشرطة على سيناء
وبثّت قنوات تلفزيونية مصرية مشاهد عديدة، ظهر فيها مبنى من الخارج تخلّله سماع دوي إطلاق نار ونداء من الشرطة للسكان عبر مكبّرات الصوت للاحتماء داخل منازلهم، واستمرّت المواجهة نحو أربع ساعات.
وعكس التعامل الأمني السريع مع الخلية يقظة الأجهزة المصرية المعنية بمكافحة الإرهاب، وأن انشغالها بضبط الشارع مع حظر التجول المفروض منذ حوالي شهر لم يثنها عن تتبع العناصر الإرهابية التي تحاول إحياء أنشطتها مع انتشار فايروس كورونا.
وخاضت قوات الأمن حربا شرسة ضد جماعات متطرفة في سيناء، ونجحت في تقويض نفوذها هناك، وجففت الكثير من المنابع في مدن مصرية مختلفة، وسدت أجزاء كبيرة من الثغرات الحدودية مع ليبيا والسودان اللتين تسللت منهما جماعات تكفيرية عدة.
وهدأت الأوضاع في غالبية أقاليم مصر الفترة الماضية، وجرى هدم الكثير من القواعد التي يعتمد عليها المتشددون ما أدى إلى ندرة العمليات الإرهابية، وصعوبة استجابة الناس لحملات التحريض من الخارج.
وقال الخبير الأمني في شؤون مكافحة الإرهاب اللواء رضا يعقوب، إن الأمن المصري نجح في اختراق الخلايا الإرهابية التي شكلت خطرا داهما على الدولة طيلة السنوات الماضية، والقضاء على مجموعة تكفيرية في حي الأميرية هو “نجاح لمجموعات الرصد التي أخطرت قوات مكافحة الإرهاب بمعلومات تفصيلية عن العناصر المختبئة وكمية الأسلحة التي بحوزتها، بما مكّن أجهزة الأمن من وضع خطة دقيقة للهجوم”.
وأضاف لـ”العرب”، أن الأجهزة الاستخباراتية استطاعت أن تكوّن خرائط جديدة للمنتمين إلى التنظيمات المتطرفة، وقوضت خطورتهم في الأماكن الجبلية والصحراوية التي شكلت مناطق لتجميع قواهم والتدريب على استهداف المنشآت المدنية والعسكرية، وهي في غرب البلاد، وهو ما انعكس على انحدار مؤشر العمليات الإرهابية بشكل كبير خلال الأشهر الماضية.
وحذر مراقبون من إمكانية استغلال بعض عناصر تكفيرية كامنة حالة العزل المنزلي السائدة في مصر كما غيرها جراء كورونا، والقيام بعمليات إرهابية لتشتيت انتباه أجهزة الأمن، والإيحاء بأنها فقدت السيطرة على الشارع، ولم تعد قادرة على المجابهة.
وشهدت مدينة الإسكندرية الشهر الماضي تظاهرة محدودة، حرضت عليها شخصيات منتمية إلى جماعة الإخوان، بذريعة الخروج إلى الشوارع للتذرع إلى الله للقضاء على كورونا، في محاولة تهدف على ما يبدو إلى التمهيد لعودة الاحتجاجات، ما يمكّن جماعة الإخوان من استعادة شيء من زخمها.
وانتبهت أجهزة الأمن لتفاصيل هذه المؤامرة وفضّت التظاهرة قبل تحولها إلى كرة لهب، وحذرت المواطنين من الانسياق وراء دعوات التظاهر في هذا التوقيت، ولوحت باستخدام الصلاحيات التي يمنحها قانون الطوارئ في مثل هذه الحالات.
ويعد التواجد في مناطق شعبية، مثل الأميرية، بيئة رخوة مناسبة لاختباء العناصر الإرهابية وبديلا جيدا لمن نجحوا في الفرار من الحصار الذي فرضته قوات الجيش والشرطة على سيناء والعديد من المناطق في صحراء مصر الغربية، غير أن وجود مخبرين تابعين لقوات الشرطة بكثافة في المناطق الشعبية جعل المتشددين والمتعاونين معهم صيدا سهلا.
وأكد مساعد وزير الداخلية الأسبق اللواء مجدي البسيوني، أن قوات الأمن نفذت عملية استباقية ناجحة، وتمكنت الأجهزة المعلوماتية من التوصل إلى مكان الخلية والاشتباك معها قبل تنفيذ مخططها بالتزامن مع عيد القيامة الأسبوع المقبل، ودون وقوع إصابات بين المدنيين، على الرغم من تواجد أفراد الخلية في منطقة مكتظة بالسكان.
وأوضح لـ“العرب”، أن تشكيل خرائط معلوماتية عن المتطرفين في المناطق الصحراوية الشاسعة والمزارع الممتدة والوصول إليها وتفكيكها يعد النجاح الأبرز لقوات الأمن في السنوات الماضية، وأن عملية حي الأميرية تظل محدودة مقارنة بعمليات أخرى تحصنت فيها العناصر الإرهابية بأسلحة متطورة وشكلت الطبيعة الجبلية لبعض المناطق عائقا أمام الوصول إليها.
خاضت قوات الأمن حربا شرسة ضد جماعات متطرفة في سيناء، ونجحت في تقويض نفوذها هناك، وجففت الكثير من المنابع في مدن مصرية مختلفة
وأشارت مصادر أمنية لـ“العرب”، إلى أن القاهرة لم تسدل الستار على الإرهاب بعد، وهناك عناصر كامنة قد يجري تكليفها بعمليات نوعية في توقيتات محددة، بعد أن نجح الأمن في تصفية أعداد كبيرة منهم، وضيّق الخناق على تمويلهم للدرجة التي دفعت العناصر المختبئة في حي الأميرية إلى الاستعانة بالأطفال كمرشدين لهم، وهو ما كان السبب الرئيسي في مقتل أحد ضباط عناصر الرصد، وهو المقدم محمد الحوفي.
لم يحدث تغيير في خطط الأمن المصري للتعامل مع الإرهابيين، بل تتجدد التكتيكات من وقت لآخر، حسب طبيعة كل مرحلة، واليقين بأنه طالما لا يُوجد حسم دولي في التعامل مع مسألة التمويل المتشعبة فإن العمليات الإرهابية ستكون حاضرة ولو بنسب قليلة، مقارنة بما شهدته البلاد منذ الإطاحة بالإخوان من السلطة.
تتحسب المصادر الأمنية ذاتها من إمكانية استغلال الإخوان انتشار مرض كورونا في العالم، وتوظيف بقايا فلولهم الإرهابية في مصر وغيرها، وحثهم على ارتكاب جرائم عنف، ولا يعني التخلص من القوة الضاربة لحركة “حسم” المسلحة التابعة للجماعة، أن معينها نضب تماما، فلا يزال الأمل يراود قيادات الجماعة في إحياء هذه الذراع بمسميات جديدة.