كورونا يطلق "تجارة رقيق" معاصرة في الكويت

الكويت - برزت مجدّدا في الكويت مشكلة سدّ النقص المتفاقم في اليد العاملة المستقدمة خصيصا من الخارج للعمل في المنازل، ليبرز معها الخلل الكبير في سوق الشغل بالبلد الذي يخطّط منذ سنوات لتعديل تركيبته السكانية عبر تقليص عدد الوافدين إلى أراضيه وحصر عدد كبير من الوظائف في مواطنيه.
وتحدّث تقرير صحافي كويتي عن وجود أزمة في العمالة المنزلية في ظل الإغلاق المرتبط بجائحة كورونا وتوقّف استقدام العمال من الخارج.
ونقلت صحيفة الرأي المحلّية عن مصادر وصفتها بالمطّلعة أنّ بعض مكاتب الاستقدام غير المرخّصة تستغلّ الظروف الحالية لعرض يد عاملة منزلية غير مستجيبة للشروط أو موجودة في الكويت بصفة غير قانونية، وذلك في عمليات مثيرة لشبهات الاتّجار بالبشر.
ويرتبط الإقبال الكبير على هذا النوع من العمّال باتفاع درجة رفاه المواطن الكويتي العائد بالأساس إلى سخاء الدولة وكثرة تقديماتها المالية، لكنّه مرتبط أيضا بعقلية كويتية تأسست ورسخت عبر سنوات الوفرة المالية التي عاشتها البلاد بفعل ثراء عائداتها من النفط، وتتمثّل تلك العقلية في الترفّع على القيام بالأعمال البسيطة والمرهقة ومنخفظة الدخل.
وشبّهت المصادر تشغيل خدم المنازل بطريقة غير قانونية بـ”تجارة الرقيق” من خلال “مكاتب وهمية تلتفّ على القانون وتوفّر الخادمة بمبالغ تصل شهريا إلى أكثر من 1300 دولار”، موضّحة “أن تلك المكاتب تستغل قلّة العرض وحاجة الأسر عبر فرض أتاوة إلى جانب راتب العاملة، في حين سُجلت 30 ألف عملية تحويل إقامة لعاملات خلال الأزمة، مع استغلال المكاتب الوهمية للعمالة المخالفة بوجود نحو 60 ألف مخالف غالبيتهم من الإناث”.
وذكرت أن تلك المكاتب تشترط على أي مواطن يريد عاملة منزلية أن يقبل بعملها بنظام الأجر الشهري، بحيث تتقاضى العاملة راتبها الذي يتراوح بين 320 و390 دولارا، فيما يتقاضى المكتب مبلغا يتراوح بين 490 و650 دولارا، بحسب الاتفاق بين الطرفين، ما يكلف رب الأسرة مبلغا يصل في بعض الحالات إلى 1040 دولارا شهريا للعاملة والمكتب، مشيرة إلى أن بعض تلك المكاتب وهمية وتستغل العمالة المخالفة لتشغيلها والاستفادة منها إلى أقصى حد، في ظل توقف الاستقدام وحاجة الأسر الكويتية للعاملات المنزليات.
وكثيرا ما كان موضوع العمالة المنزلية ملفا إشكاليا في الكويت ينطوي على مساوئ تنظيمية ويجلب للبلد انتقادات حقوقية.
بل إنّ الملف ذاته كاد في أكثر من مناسبة أن يتسبب في أزمات دبلوماسية بين الكويت والبلدان المصدّرة لهذا النوع من العمالة على غرار ما حدث بين الكويت والفلبين من تجاذب حادّ انطلق أوائل سنة 2018 واستمر لأشهر طويلة بعد مقتل فلبينية على يد مشغّلها الكويتي ما دفع مانيلا إلى اتخاذ قرار بمنع مواطنيها من السفر للعمل في الكويت، قبل أن تتراجع عن قرارها بعد تسوية القضية مع السلطات الكويتية.
وأصدرت النيابة العامة الكويتية في يوليو الماضي تحذيرا من الإساءة للعمالة المنزلية وأصدرت تعليماتها لوزارة الداخلية بضبط وإحضار أي مواطن يقوم بعرض خادمته للبيع كـ“سلعة”.
وجاء ذلك التحذير في خضمّ الضجّة الثائرة حول وجود “سوق رائجة” لبيع الخادمات في الكويت كشف عنه تحقيق تلفزيوني عرضت خلاله وثائق صوتية ومصوّرة تظهر عقد صفقات وإتمامها بنوع من السهولة والأريحية، إضافة إلى شهادات خادمات قلن إنهنّ تعرضن للبيع في الكويت.
وكثيرا ما تنفي السلطات الكويتية وجود اضطهاد ممنهج للعمال الوافدين، لكنّ منظمات حقوقية ووسائل إعلام عالمية تورد قصصا توضّح تواتر التعديات على حقوق العمّال، وتبيّن أن من القضايا ما يرتقي إلى مرتبة العبودية المعاصرة والاتجار بالبشر.
وقبل نحو عام، بثّت هيئة الإذاعة البريطانية “بي.بي.سي” على قناتها الفضائية شريطا استقصائيا عن تعرّض فتاة غينية صغيرة إلى البيع عدّة مرات في الكويت، بحيث تناقلها عدّة مشغّلين لتوظيفها كخادمة بعد قبض “ثمنها” في عملية بيع صريحة تمت عبر إعلانات موثّقة على شبكة الإنترنت.
ولا يتعدّى عمر الفتاة 16 سنة رغم امتلاكها أوراقا ثبوتية تبيّن أن عمرها 21 سنة، وهي أوراق تمّ تزويرها في بلدها الأصلي حتى تتمكّن من السفر إلى الكويت.
ويدعم الشريط ما كان قد ورد في وقت سابق بتقرير تناقلته وسائل إعلام في الغابون (وسط غرب أفريقيا) ورد فيه أن “النساء من أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، اللاتي هجرن أوطانهن بسبب الحاجة، يتم بيعهن ومعاملتهن كالعبيد بعد أن تم خداعهن وإيهامهن بأنهن قادرات على كسب العيش الكريم في الكويت”.
وذهب التقرير حدّ وصف وضع العاملات الوافدات إلى الكويت بـ“الكابوس”، لافتا إلى أن “الخادمات الأفريقيات العاملات اللاتي يتقاضين رواتب زهيدة في الكويت يتعرضن للعبودية”. وذكر وجود “مقاطع فيديو من الكويت تظهر النساء القادمات من أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية يتم بيعهن ومعاملتهن كالعبيد”.
ونقل التقرير عمن أسماهم بوكلاء العمالة الذين يقومون بانتدابهنّ للعمل كخادمات أو ممرضات، ومن ثم بيعهن إلى أرباب عمل محتملين، القول إنّه “يتعين عليهن العمل لساعات طويلة وفي أي عمل يسند إليهنّ، وفي كثير من الأحيان، تحت تهديد السياط”.
ويعزو كويتيون تشوّهات سوق الشغل في بلادهم إلى فشل مزمن في إدارة ملف العمال الوافدين ما أدىّ إلى تضخّم أعدادهم وارتفاع التكلفة المالية المترتبة عن ذلك.
وتقول منظمات حقوقية إنّ عملية جلب تلك العمالة تمثّل ميدانا للتلاعب من قبل المضاربين والمتربّحين الذين يحتالون على القوانين ويضرّون بمصالح العمّال وأرباب العمل في نفس الوقت.