كورونا تؤجل تكريم الموسيقار عبدالفتاح سكر بدمشق

دار الأوبرا بدمشق تضطر لإلغاء حفلة تكريم الملحن الراحل عبدالفتاح سكر للوقاية من فايروس كورونا المستجد.
الأحد 2020/03/22
من الضروري تقديم التراث بشكل عصري

اضطرت دار الأوبرا بدمشق لإلغاء حفلة التكريم الخاصة بالملحن السوري الراحل عبدالفتاح سكر، اعترافا منها بقيمة الفن الكبير الذي قدمه للأغنية السورية والعربية، بسبب تعليق عمل الدار كإجراء احترازي للوقاية من فايروس كورونا المستجد.

دمشق – تم تعليق حفلة تكريم الملحن السوري الراحل عبدالفتاح سكر، التي كان من المقرر تقديمها في دار الأوبرا بدمشق في الرابع عشر من شهر مارس الجاري، وذلك لمنع مناشط الدار بسبب انتشار فايروس كورونا المستجد.

وكرست دار أوبرا دمشق اعترافا منها بقيمة الفن الكبير الذي قدمه سكر للأغنية السورية والعربية، الحفلة التكريمية الخاصة به والتي كانت ستقدم من قبل الفرقة الوطنية السورية للموسيقى العربية بقيادة المايسترو عدنان فتح الله وبمشاركة العديد من الأصوات، من بينهم عاصم سكر واليسار السعيد.

وقال فتح الله لـ”العرب”، “عبدالفتاح سكر من الملحنين الذين رسموا هوية خاصة للأغنية السورية وهو يسمى أبو الأغنية الشعبية السورية لأنه قدم في هذا المفصل الكثير، خاصة مع الفنان فهد بلان”.

ويعتبر سكر من الأسماء الفنية المتميزة، فقد شكل علامة فارقة في تاريخ الغناء السوري والعربي، وقدّم ألحانه لكبار المطربين من بينهم الفنان السوري الراحل فهد بلان، بالإضافة إلى أنه ملحن أغنية “تحت النخيلة” التي غنتها الفنانة اللبنانية هيام يونس.

عبدالفتاح سكر موهبة لا تتكرر
عبدالفتاح سكر موهبة لا تتكرر

وتابع فتح الله “لسكر خيال وأفكار خلاقة في مجال الجمل الموسيقية التي لا تصنف في مجال الأغنية الشعبية بل الكلاسيكية الشرقية. مثال ذلك أغنية (يا ساحر العينين) و(يا عين لا تدمعي) لفهد بلان أو اللحن الكبير (بتاخدني الأيام) الذي يعد من كلاسيكيات الغناء الشرقي العربي، إضافة إلى أنه ألف في الموسيقى الآلية، فلديه سماعي صبا، وهو أحد قوالب الموسيقى الكلاسيكية كما قدم موسيقى آلية في شارات الأعمال التي قدمها”.

وأضاف واصفا طريقة عمل الفنان سكر بأنها متفردة وذكية قائلا، “ذكاؤه يظهر في دراسته للصوت الذي يلحن له. فهو يضيف له بعدا يناسبه، فتكون النتيجة شخصية عربية جديدة يعطيها نمطا خاصا بها، فالألحان التي قدمها لفهد بلان كانت لطيفة جميلة وأضاف عليها بلان أداء رجوليا مناسبا. وعندما تعامل مع فؤاد غازي قدم شكلا يناسب صوته وطبيعته فكانت أغان فيها جمل موسيقية أنيقة وموظفة وهذه الأغاني ساهمت بشكل كبير في نشر فنه وما زالت باقية للآن في ذاكرة الناس”.

وفتحت فرقة “البوني إم” أبواب العالمية أمام الملحن السوري الراحل عندما أخذت منه المقطع الأول لأغنيتها الشهيرة “ما ميكر” التي صدرت عام 1977 في أميركا.

ويطلق الناقد الموسيقي، صميم الشريف، عليه لقب أبو الأغنية الشعبية السورية لما قدمه فيها من أعمال خالدة.

وسكر هو ابن حي الميدان ولد عام 1928، لأسرة تحترف التجارة وتهوى الفن، وكان شقيقه وهيب سكر عازف كمان معروف، وتعلم العزف على العود والكونتر باص.

وتأثر عبدالفتاح بأخيه ولكن الأسرة رفضت أن يتجه ابنها للفن رغم شغفه به وهو الذي كان يعزف على آلة العود، فترك فكرة أن يكون فنانا محترفا وعمل بالتجارة التي قادته للسفر إلى الأردن في أواسط الأربعينات، وهناك غنى في حفل خاص وسمعه الموسيقي مصطفى المحتسب، فنصحه بالتوجه لإذاعة القدس في فلسطين.

وجاءته بعد فترة دعوة من هذه الإذاعة فذهب واجتاز فحص القبول وصنف فيها مطربا إذاعيا، وبعد سنتين قامت حرب فلسطين عام 1948. وكان يغني في وصلة له عندما تمت مهاجمة الإذاعة وما حولها. وانتهت هذه المرحلة بإبعاده من قبل سلطات الاحتلال عن فلسطين فعاد إلى سوريا.

ولم يتجه سكر عند عودته للتجارة بل حسم أمره وتوجه نحو إذاعة دمشق التي اعتمدته مطربا فيها. وبدأ من ذلك التاريخ يلحن لنفسه العديد من الأغنيات ويقدمها عبر سهرات.

تجربة موسيقية ثرية
تجربة موسيقية ثرية

وفي أواسط الخمسينات طلب منه مدير الإذاعة أن يقدم لحنا للمغنية السورية كروان فلحن لها أغنية “غنيلي يا بلبل” التي لاقت نجاحا طيبا لدى الناس، ثم لحن العديد من الأغاني لعدد من المغنين السوريين.

وغنى خلال هذه الفترة مع السيدة فيروز في اسكتش “ليالي الحصاد”، ثم قام بتلحين مسلسل إذاعي “السندباد البحري” للقاص حكمت محسن كما لحن أغنية وطنية شعبية من تأليف فخري بيك البارودي بعنوان “يا أهل الحي إجتنا المي” وكانت بمناسبة جر مياه الفرات إلى مدينة حلب وقد قدمت الأغنية بحضور البارودي ورئيس الجمهورية حينها شكري القوتلي.

وكانت مرحلة الستينات الفترة الأكثر أهمية في تاريخه الفني، فمع العام 1962، تعرف على مغن شاب في كورس الإذاعة يمتلك حضورا رجوليا خاصا، وأستشعر سكر أنه سيكون المنبر الذي سيحقق من خلاله أحلامه الفنية.

وكان ذاك الشاب فهد بلان الذي سمي لاحقا مطرب الرجولة، بعد أن أوجد له سكر اللون الذي ظهر به. وكانت البداية مع الأغنية الشهيرة “لركب حدك يا الموتور”، التي تروي قصة رجل ريفي يركب لأول مرة الطائرة ويشاهد حبيبته وقريته من السماء.

وشاعت الأغنية في كل أرجاء سوريا والوطن العربي، ومعها ظهر فهد بلان بقوة، ثم تتابعت الأغاني “واشرح لها”، “يا بنات المكلا”، “جس الطبيب لي نبضي”، “يا ساحر العينين”، “يا سالمة”، وعلى مدار عشر سنوات قدم فيها الثنائي سكر وبلان نمطا غنائيا سوريا غير مسبوق، وبفضل ألحان سكر غدا فهد بلان مطربا عربيا شهيرا تتسابق دور الفن والسينما والمسارح على استضافته في إنتاجاتها فجابا معا أنحاء الوطن العربي من الخليج شرقا وحتى المغرب.

ملحن الكبار

بعد تجربته مع فهد بلان وتوقفه عن التلحين له بسبب استقرار بلان في القاهرة وتوجهه للون الطربي، قدم سكر العديد من الأصوات السورية التي كانت ألحانه كفيلة بأن تضعها في قمة الشهرة.

وقدم صوت موفق بهجت في العديد من الأغنيات منها “بابوري رايح رايح”، “تعا جاي”، كما قدم في نفس الفترة صوتا فريدا هو دياب مشهور “عالماية”، “يا بو ردين”.

وفي أوائل الثمانينات قدم صوتا قويا في سوريا هو فؤاد غازي من خلال العديد من الأغنيات التي راجت في تلك الفترة “ما ودعوني”، “لزرعلك بستان ورود”. كما قدم لاحقا العديد من الأصوات. وقدم ألحانا لمطربين عرب فغنت له نجاح سلام ونور الهدى وسميرة توفيق وهيام يونس وهدى سلطان وسعاد مكاوي والجزائري رابح درياسة في الأغنية الشهيرة الهوى الأول يا شمالية. كما قدم أغنية شهيرة للمطرب المصري الكبير محمد عبدالمطلب “بتاخدني الأيام” التي غنتها لاحقا أصالة نصري.

علامة فارقة

جزء من تاريخ الموسيقى العربية
جزء من تاريخ الموسيقى العربية

لم يقف إبداع سكر عند حدود الأغنية، بل تعداه إلى وضع الاسكتشات والموسيقى التصويرية للدراما التلفزيونية كما قدم العديد من الأفلام السينمائية العربية، فتعاون مع المخرج خلدون المالح في تقديم المسلسل الشهير “صح النوم” بطولة دريد لحام ونهاد قلعي، الذي وضع له شارة موسيقية صارت ميزة خاصة بالعمل.

وتابع بعدها مع مسلسلات “وين الغلط” و”وادي المسك” و”صوت الفضاء الرنان”، كذلك في مسرحيتي دريد لحام “ضيعة تشرين” و”غربة”. في موسيقاه التصويرية، كان يلخص جو العمل فيقدم أجواء درامية تومئ بمضمونه.

وصنع في شارة مسلسل “صح النوم” أعجوبة موسيقية بتقديمه ثيمة واحدة تتألف من كلمتين فحسب “صح النوم” وصاغ منهما جملة موسيقية كاملة يذكرنا بما فعله في الجانب الطربي الشيخ زكريا أحمد في أغنية “بكرة السفر” لأم كلثوم حيث صنع من الكلمتين مذهبا موسيقيا كاملا.

وقال فتح الله “نعمل على إحياء التراث وتناوله بطريقة فيها إضافة وليس تشويها للحن الأساسي فضروري أن نقدم للجيل الجديد المخزون الموسيقي التراثي لأمته سواء كانت موسيقى فولكلورية أو آلية”.

وأما عن طريقة عمله كقائد للفرقة التي ستقدم الأعمال من حيث كونها أعمالا تراثية تمتلك حضورا خاصا عند الناس، فأوضح فتح الله، “عندما نقدم الأعمال التراثية في الفرقة الوطنية السورية للموسيقى العربية، فإننا نعمل على المحافظة على بنائها اللحني ونعطي لها بعدا ثالثا دون المساس بطبيعتها ولحنها الأساسي”.

وأشار إلى أن “بعض الفرق التي ظهرت حديثا قدمت أغان تراثية غيرت فيها المقام الموسيقي الذي هو أساس الأغنية لذلك تغيرت هويتها وهذا ما رفضه كثير من الجمهور. وأنا شخصيا ضد هذا الشكل من التناول فنحن في الفرقة نعمل على الحفاظ على المقام واللهجة والإيقاع ومن ثم نأتي بإضافات خلفية موسيقية جديدة تعطي روحا جديدة للقطعة الموسيقية أو الأغنية”.

وتابع “هنالك تجارب ناجحة قدمناها سابقا كانت تحت عنوان بانوراما وهي مجموعة من الأغنيات الموجودة في كل سوريا، إضافة إلى أعمال بحثية موسيقية قمنا بها فعرفنا الناس فيها على الدلعونات الموجودة في بيئات مختلفة، إضافة إلى أعمال الزوالف السورية التي تتنوع أيضا”.

وشدد فتح الله على ضرورة “تقديم التراث بطريقة أكاديمية علمية عصرية لكن دون المساس بجوهره، فالجيل الجديد مهتم بأن يسمع هذه الموسيقى التي تعزز الانتماء للتراث الموسيقي الوطني ومن ثم الانتماء للوطن في النهاية”.

24