كوتينيو المنبوذ

منذ مواسم قليلة صنع اللاعب البرازيلي فيليبي كوتينيو الحدث، فنال الإشادة من الجميع وأكد أنه يستحق التفاتة من كبار المدربين، لقد برهن على أنه لاعب ألمعي ولديه سحر برازيلي مميز يجعله جديرا باللعب مع منتخب “السامبا”.
حدث هذا الأمر تحديدا عندما لعب لفائدة ليفربول طيلة خمسة مواسم بداية من سنة 2013 إلى غاية 2018، في تلك الحقبة عانق كوتينيو المجد وبلغ عنان السماء، بل اقترب من أن يكون ضمن قلة قليلة من أمهر اللاعبين في العالم، لقد استحق في تلك الحقبة أن يكون مثل ميسي ورونالدو.
فكوتينيو صنع “معجزة” شخصية في ليفربول، وذلك بعد أن أحال الفشل والسقوط إلى نجاح وصعود صاروخي.
هذا اللاعب الموهوب تقاذفته أمواج عاتية في بداية مسيرته الاحترافية في أوروبا، فعندما قدم فتى يافعا من نادي فاسكو دا غاما البرازيلي ليخوض تجربته الأولى في “العالم الجديد” مع إنتر ميلان لم يثبت هذا الفتى الماهر أنه جاهز لخوض التحدي.
لم تكن لديه الصلابة الذهنية وقوة الشخصية أو لنقل “الكاريزما” التي يمكن أن تساعده على التعامل بحكمة مع الأمواج المتلاطمة في حياته الأوروبية الجديدة.
فشل في الاندماج مع فريقه الإيطالي، عاد لبرهة من الزمن إلى البرازيل ليلعب لموسم واحد مع فريقه السابق على سبيل الإعارة، عاد بعد ذلك إلى إسبانيا من بوابة إسبانيول الذي لعب لفائدته أيضا معارا من إنتر ميلان.
لكن مطلع موسم 2013 ـ 2014 فتحت أمامه “أبواب السماء” بعد أن ظفر بعقد جيد من ليفربول، فرحل إلى إنجلترا وفي رصيده القليل من الخبرة والتجربة بالملاعب الأوروبية.
بدأت رحلة كوتينيو الأوروبية تتبدل، أصبحت أكثر بهجة وطمأنينة، أمسى هذا النجم البرازيلي في وضع أفضل بكثير من جميع النواحي، ليحصد التألق المنشود ويتحول إلى أحد أبرز مفاتيح الفريق.
مع قدوم المدرب الألماني يورغن كلوب، تعززت ثقة كوتينيو في قدراته وأصبح صاحب شأن عظيم في الفريق بعد أن راهن عليه كلوب وجعله نجم النجوم والربان الأول لسفينة “الريدز”.
واصل النجم البرازيلي تألقه، والأكثر من ذلك أنه بات قريبا جدا من دخول نادي أساطير ليفربول، فكوتينيو خلال تجربته الإنجليزية كسب عشق كل أنصار الفريق فتغنوا باسمه طويلا وراهنوا على موهبته ومهاراته العالية من أجل تحقيق حلم قديم.
فجماهير الريدز اعتقدت أن كوتينيو يملك العصا السحرية التي يمكن أن تساعد ليفربول على معانقة لقب الدوري الإنجليزي الممتاز بعد سنوات عجاف دامت أكثر من اللزوم.
لكن فجأة تغير كل شيء، تغير وضع كوتينيو وتحول من مشروع أسطورة للفريق الأحمر إلى لاعب منبوذ ومكروه من قبل جماهير هذا الفريق.
فكوتينيو تنكر لليفربول الذي أعاد صقل موهبته ووفر له ممهدات التألق والنجاح، ليختار الرحيل صوب برشلونة بتعلة البحث عن فريق يراهن دوما على الألقاب، سواء المحلية أو القارية.
كوتينيو تحول في أوساط جماهير ليفربول إلى مجرد وهم فقط، لم يعد أبدا في البال ولم يبق له في الذهن أي مكان، رحل كوتينيو فتوّج ليفربول بلقب دوري الأبطال، رحل اللاعب البرازيلي فاقترب الفريق من الظفر بلقب الدوري الممتاز لأول مرة منذ نحو ثلاثين عاما.
هكذا تبدل حال ليفربول، فماذا عن كوتينيو؟ ماذا عن النجم الذي أبى وتكبر وأصر على اللحاق ببرشلونة؟
الإجابة تبدو سهلة ولا تستحق بحثا مطولا، فالنجم البرازيلي بات حلما تذروه الرياح، ببساطة لم يفلح في برشلونة ولم ينجح، كان شبحا لنفسه وعاش في ظل ميسي وسواريز، لم يقدر على الصمود والصعود إلى درجة أنه شعر بضرورة الرحيل مجددا.
حصل هذا الأمر فعلا وتحول إلى ألمانيا هذه المرة من أجل خوض تجربة إعارة مع بايرن ميونخ، لكن هيهات، فكوتينيو ليفربول المتألق انتهى ولم يعد له وجود، أما اليوم فإن هذا اللاعب بات مجرد نجم غير مرغوب فيه ومنبوذ.
أي نعم هو منبوذ حاليا، فلا إدارة البايرن تريد بقاءه لفترة طويلة، ولا إدارة برشلونة ترغب في عودته للعب مجددا إلى جانب ميسي.. باختصار فإن الفريق يريد هذه المرة التفريط نهائيا في هذا اللاعب الذي كان نجما فهوى.
هذا اللاعب الذي حلم بأكثر مما يحتمله فاقترب من خسارة كل شيء، هذا اللاعب الذي لم يجد الراحة النفسية والذهنية ولم تتوفر لديه الكاريزما سوى في ليفربول، لكنه تعنت وأصّر على رد الدين بطريقته الخاصة.
لكن القدر لم يمهله كثيرا، فتلقى الصفعة تلو الأخرى، لقد “قتله” الشعور بالتجاهل والغبن، ربما يتعين على كوتينيو العودة إلى البرازيل علّه يتخلص من صفة المنبوذ التي باتت تلاحقه.